استحالة صناعة السمة الوحدوية الوطنية في اليمن

> د. باسم المذحجي

> رحلة البحث عن توافق
د. باسم المذحجي
د. باسم المذحجي
لقد توخيت في كتابة هذا الموضوع بأن يكون مرتبطاً بقضايا التطور الاجتماعي في الشمال اليمني والجنوب العربي، وعندما نتحدث عن الوحدة اليمنية التي تحققت في مايو 1990 فقد كانت سمة وطنية، وقولنا سمة وطنية فمعنى ذلك بأنها ميزة تحضر بها اليمن في المحافل الدولية، وتعد وعاء لدولة واحدة تضم الشمال اليمني والجنوب العربي وصناعتها عمل جماعي ليس حكرًا على زعيم أو حزب أو قبيلة أو شطر يمني دون غيره؛ بل انصهار لكل الجهود الوطنية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية وغير ها في سبيل هذا الهدف السامي.

هل حقاً لكل يمني سمة وطنية خاصة به؟ أم هذا مجرد وهم وتنميط؟

الوحدة اليمنية لابد وتكون سمتها الوطنية هي قوتها الناعمة التي تغري الآخرين بها، وتجذب كل من بات بلا سمة وطنية وحدوية، وليس العنف، ومسلسلات التهديد، والوعيد منذ 1993 حتى 2019، وبوضوح أكبر فالوحدة اليمنية هي كذلك توقيع تشترك فيه جميع الأيدي، وتحمله جميع الصدور، وتعززه كل العقول، بها ارتفعت راية يمن موحد سنة 1990، والتي لم يكن لها حضور من قبل، فأصبح لونها مميزاً في السياسة الدولية.

الوطن في عيون أبناء الجنوب العربي
إن مسألة الهوية اليمنية الموحدة لا يمكن أن تناقش بمعزل عن مناقشة الأزمة الوطنية الشاملة، لأن أزمة الهوية في المقام الأول والأخير هي أزمة حقوق، حقوق المواطنة، المساواة في حقوق وواجبات المواطن، وهذا هو الحل لمشكلة الهوية، وتلك ما توقفت عندها مخرجات الحوار الوطني الشامل من وجهة نظر أبناء الشمال اليمني، لكن: لماذا لا يتساءل أبناء الشمال اليمني عن وجهة نظر أبناء الجنوب العربي؟

وجهة نظر أبناء الجنوب العربي ترى بأن الحل هو برنامج تعويض ضحايا الجرائم. وهو السقف الذي يستحقه من كل أبناء الشمال اليمني، والحديث عن منحهم الحرية والاستقلال والحكم الذاتي واستعادة دولة الجنوب العربي بحدود 1990.

الوحدة اليمنية بين رافض ومؤيد
هناك موانع تمنع من قيام الدولة اليمنية الموحدة بفعل غياب مجموعة من السياسات؛ منها:
1. العمل على إعادة بناء هوية وطنية، تقوم على التراث الاجتماعي والثقافي والتنموي والاستثماري الذي دمرته كافة الفئات الاجتماعية المشكّلة بعد حرب صيف 1994، وترميم النسيج البناء الاجتماعي اليمني، والذي تراكم عليه الخراب عبر السنوات الطويلة.

2. تحقيق سياسات حكومية تقوم على مبادئ الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون وبناء المؤسسات والابتعاد عن الفئوية والجغرافية.
3. تعميق التجربة التنموية والاستثمارية المستقلة باعتبارها تجربة تساعد على تحقيق مبدأ العدالة وتعمق المشاركة لكافة المواطنين في الشمال اليمني والجنوب العربي بدون تدخل سافر للأجندات السياسية المحلية أو الإقليمية.

إن التحولات العميقة التي يشهدها العالم اليوم، والتطور التكنولوجي الكبير الذي أصبح يهيمن على حياة البشر أدت إلى خلخلة كل هوية مستريحة إذ من المستحيل اختزالها في معنى واحد لأن الهوية باعتبارها رفضاً دائماً لأي أصل مطلق أو مصدر متعال، ومن جهة أخرى تعتبر مقولة الاختلاف والحق في الاختلاف في سياق التبرير لسلسلة من الانتهاكات والتجاوزات، مما يجعل رهان الهوية يتأرجح بين الإرادة المهووسة للاحتواء الأيدلوجي وبين بلاغة المستحيل.

ديناميات الهوية والانتماء
المشكلة في اليمن مركبة، فالاصطفاف الوطني ضد الحوثية تعد سمة وطنية جامعة لكل أبناء الشمال اليمني والجنوب العربي، لكنها ليست ضمن مربع الوحدة اليمنية كسمة وطنية جامعة منذ حرب صيف 1994؛ بل الوحدة اليمنية كسمة قد لا تجد قبولاً في الحجرية مع محافظتي تعز وإب تحت سمة وطنية تسمى إقليم الجند، وهذه الأخيرة سمة وطنية لحالة مشابهة للحوثية في رفضها لمأرب والجوف، وبالعروج على تهامة، فهي تكاد تكون سمة قريبة للجنوب العربي، والحجرية أكثر ما تكون قريبة للشمال اليمني في مشروع يمن اتحادي فيدرالي.

كيف تبدو فكرة الخيار العقلاني في اليمن؟
هناك حدود اجتماعية صلبة شبة ثابتة، وخصوصا في حالات الصراع ضمن الشمال اليمني، فلم تعد تعز ترتبط بالحجرية، ولم تعد تعز ترتبط بإب، ولم تعد مأرب والجوف ترتبطان بالشمال اليمني الزيدي الحاكم أو الزيدي الهاشمي السلالي؛ بل الكارثة بأن هناك حدود صلبة ثابتة اجتماعية بين الشمال اليمني والجنوب العربي لا يمكن إلغائها في الوقت الراهن أو المدى الإستراتيجي المتوسط.

إلى أبعد من ذلك، الفرد في اليمن يمكن أن يغير هويته، أو يمكنه أن ينتمي إلى عدد من الهويات والجغرافيات في الوقت نفسه، وذلك من منطلق أن الناس يكيّفون أفعالهم بحسب السياق والظروف التي تحقق التنمية الصناعية والاستثمارية، أما الحدود الثقافية، تتشكل ويعاد صياغتها وتتطور ويتغير موضعها، ونحن نعتقد أن هذه الآراء تبالغ في التأكيد على مرونة الحدود وإمكانية الخيار في تحويل انتماء الفرد لا يعتمد على رغبته وقراراته، وإنما يعتمد أيضاً على الآخر أي الجماعة التي يرغب في الانتماء إليها، إما بسبب خوفها من ضياع هويتها الخاصة بها والمميزة لها، وإما من أجل المحافظة على امتيازات خاصة في توزيع موارد المجتمع.

أثبت التاريخ اليمني الحديث والمعاصر أن الهوية القومية اليمنية والهوية الوحدوية قادرتان على المراوغة والتملص من الضغوط، وأنهما قابلتان للصمود والاستمرار إلى ما قبل الانقلاب المليشاوي في 21 سبتمبر 2014 من منطلقات تحالف مصالح بين شماليين وجنوبيين في قمة هرم السلطة، لكنها مستحيلة يومنا هذا ونحن على أشهر معدودات من 2020. يجب عدم المبالغة في التأكيد على ثبات الهوية الوحدوية اليمنية للشمال اليمني مع الجنوب العربي إلى الأبد. وقد أصبحت هوية متغيرة فيما بين أبناء الشمال اليمني أنفسهم، وتصدعت بشكل لا يمكن ترميمه كما يشتهيه الساسة وأرباب الأجندات العابرة للحدود في كواليس مشاريع التركية والقطرية والإيرانية والحليم بالإشارة يفهم.
* باحث إستراتيجي يمني في مجال تطوير البلدان

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى