معركة الحدود.. عملية حوثية جديدة مختلفة الرسائل والتداعيات

> «الأيام» عن «نون بوست»

> معاهدة الطائف في حسابات الحوثيين حاضرا ومستقبلا
تتجه الحرب في اليمن إلى أن تصبح بوضوح صراعًا حوثيًا-سعوديًا في ظل الحديث عن انسحاب أو تقليص للقوات الإماراتية، وهذه المرة، لم يكتف الحوثيون في هجماتهم بالطائرات المسيرة على الأهداف السعودية على استهداف المنشآت الحيوية، خصوصًا في جازان ونجران، بل نفّذوا عملية هجومية قالوا إنها استهدفت جنودًا سعوديين على غير المعتاد.
وعلى الحدود اليمنية السعودية ثمة تصعيد حوثي كبير، وهجمات في عمق الأراضي السعودية تحولت بفعل التكرار والزخم من كونها مصدر قلق سعودي إلى أرق وربما إلى مأزق، فهل تتجه هذه المواجهات الحدودية إلى التصعيد في ظل الوضع الإقليمي الراهن؟ ولماذا تعجز القوات السعودية عن صد هجمات الحوثيين على مواقعها في الحد الجنوبي؟

في مرمى الأهداف الحوثية
على سفوح التلال الصخرية المطلة على مدينة جازان السعودية، يشن المقاتلون الحوثيون "حملة استنزاف"، حتى في الوقت الذي تتعرض البلدات والطرق القريبة للقصف بالغارات الجوية التابعة للتحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية، وكأن حربًا لم تقم ضدهم منذ 4 سنوات.
جديد هذه الهجمات وقع في شرق جبل جحفان التابع لمنطقة جازان جنوبي السعودية، حيث أعلن الحوثيون صد هجومين في أبواب الحديد بمحور عسير، وتنفيذ عملية هجومية ضد أهداف سعودية، أدّت إلى مقتل وإصابة عدد من الجنود السعوديين وحلفائهم من قوات الشرعية التابعة للرئيس عبد ربه منصور هادي، بالإضافة إلى اغتنام أسلحة.

وفي تفاصيل الهجمات الأخيرة، ذكرت وسائل إعلام تابعة للحوثيين في مشاهد نقلتها من المناطق الحدودية، إن أفرادًا من مسلحي الجماعة واللجان الشعبية استهدفوا عربة من طراز "بي إم بي" بصاروخ موجّه في مربع الصوح بنجران، كما استهدفوا ناقلات عسكرية محملة بالجنود السعوديين شرق جبل جحفان في جازان جنوبي البلاد.
شكّل الهجوم في رسالته الجديدة جزءًا من إستراتيجية أكثر عدوانية من جانب الحوثيين في المنطقة الحدودية التي شهدت قيامهم بـ "إشعال النار" في الأراضي السعودية بسلسلة من الضربات دون طيار وصواريخ، حيث ضرب مطار أبها في جنوب البلاد عدة مرات في الأسابيع الأخيرة.

الرياض كعادتها لم تعلّق ولم تنف، ولم يعلن التحالف من جهته مقتل أي من جنوده في الحد الجنوبي، غير أن مدفعية القوات السعودية وطائراتها الحربية والهليكوبتر لا تتوقف عن التحليق والقصف على المواقع الحدودية، وبدلاً من إعلان الخسائر، اكتفى بإعلان شن غارات على مواقع وتجمعات لمقاتلين حوثيين في محافظة صعدة اليمينة، وفق وسائل إعلام سعودية تحدثت أيضًا عن قتلى حوثيين جراء الغارات.

لكن لو كان للغارات فاعلية إلى جانب عمليات التحالف على الأرض لما كان هناك تهديد حوثي من الأصل، فقد جاء التحالف قبل 4 أعوام من أجل كبح بل وإنهاء وجود جماعة الحوثي، لكن ما حدث هو العكس تمامًا، فالجماعة بمقاتليها وطائراتها المسيّرة وصواريخها البالستية باتت التهديد الأكبر.
وليس من اللافت أن يأتي هذا الهجوم بعد أسبوعين فقط من كشف الحوثيين عن جديد تصنيعهم العسكري خلال معرض للصناعات العسكرية في العاصمة اليمنية صنعاء، كان شعاره "فترة قادمة مليئة بالمفاجآت"، وأكد خلاله المتحدث العسكري باسم الجماعة على تقدم التصنيع العسكري بـ "أيادٍ يمنية"، مشيرًا إلى أن القادم سيكون "أكثر إيلامًا للخصوم".

تأتي هذه العمليات لتؤكد الرسالة التي سعى الحوثيون لإرسالها خلال هذا المعرض، وتتمثل في التأكيد على سيطرتهم الميدانية وامتلاكهم الذراع الطولية التي مكنتهم بالفعل من نقل المعركة إلى العمقين السعودية، فلم تكن تلك أسلحة ردع فحسب، وإنما قلبت موازين القوى في المواجهة.

رسائل وتداعيات حرب الحدود
بعد نحو 4 سنوات من الحرب في اليمن كانت أهداف المملكة إعادة الشرعية وضمان الاستقرار في اليمن وإنهاء السيطرة الحوثية تتضاءل الوعود والأهداف لتصبح قتالاً للقوات السعودية داخل أراضيها، إذ تدور رحى المعارك في الحد الجنوبي وقبالة نجران بينما يواصل الحوثيون تطبيق ما يقولون إنه خطة استهداف بنك أهداف سعودية، وإن ذلك سيستمر طالما استمرت الحرب وبقي الحصار.

وبالنسبة لقوات الحوثيين التي تقاتل في المنطقة الحدودية بالقرب من نجران، فإن الهجمات على الأراضي السعودية هي أكثر من مجرد انتقام من توغل التحالف الذي تقوده الرياض في وطنهم، إذ يعتبر الكثيرون أيضًا أن هدف الحرب هو "تحرير" الأراضي التي ما زالوا يدعون أنها ملكهم.
وتعود المطالبات اليمنية للمنطقة المحيطة بنجران إلى معاهدة الطائف لعام 1934، التي رسّمت الحدود بين المملكة العربية السعودية المشكَّلة حديثًا والمملكة اليمنية، لكن رُفضت المعاهدة في الستينيات من مؤسسي الجمهورية اليمنية الذين تعهدوا باستعادة الأراضي المتنازع عليها.

كان صعود حركة الحوثيين في المحافظات الحدودية خلال العقد الأول من هذا القرن في جزء منه استجابة لاتفاق لاحق بين الرئيس اليمني آنذاك علي عبد الله صالح والرياض عام 2000، مما يعيد التأكيد مجددًا على الحدود الموضوعة في الطائف، والجهود السعودية الأوسع للحد من استقلال القبائل الشمالية.

في سياق ذلك، يحاول الحوثيون تخفيف الضغط عليهم في الجبهات الأخرى أو كسب تقدم سياسي في المفاوضات الراهنة، معتمدين في ذلك على تهديدهم منخفض التكاليف، والصادر عن جماعة لا كثير عندها لتخسره، في حين يستهدف مرافق حيوية عند دول يعز عليها أن تخسر شيئًا، وربما هذا ما أدركته أبو ظبي فآثرت انسحابًا وصفته صحيفة The Economist البريطانية بأنه "تسلل إماراتي من الباب الخلفي للحرب".

أمَّا بالنسبة للطرف الآخر، وهو السعودية، يبقى اليمن مستنقعًا على حد وصف The New York Times الأمريكية، وهو ما يدعو للتساؤل عما تراهن الرياض عليه في حين أن رهان جماعة الحوثي واضح وقائم على الاستنزاف الذي يفضي إمَّا إلى انكفاء سعودي أو جلوس الجميع على طاولة المفاوضات على قاعدة "اتفاق ستوكهولم"، الذي عاد الحديث عنه ثانيةً لتجديد دعمه شرط التزام الحوثيين به، وهذه المرة على لسان شقيق ولي عهد المملكة ووزير دفاعها الأمير خالد بن سلمان.

كان "اتفاق ستوكهولم" قد مُرر سعوديًا حين عصفت بالرياض أزمة سياسية بلغت ذروتها مع قتل الصحفي جمال خاشقجي، ثم عُطِّل الاتفاق لاحقًا رغم دعوات أممية بتفعيله، فهل يكشف استحضاره مرة أخرى عن أزمة سعودية جديدة سببها الحرب نفسها وتداعياتها على الرياض أمنيًا وعسكريًا ومعنويًا وسياسيًا؟ وهل تفلح مساعي تحييد التهديد السعودي العابر لحدود اليمن عن أزمة الخليج التي تقع السعودية في قلبها ومن أطرافها إيران المتهمة بدعم الحوثيين؟ بعد كل ذلك، ما إستراتيجية ومصير التحالف الذي تقوده الرياض في اليمن؟

استمرار تلك العمليات أظهر ليس وجود المبادرة الميدانية لدى الجانب الحوثي وحسب، بل يظهر ثغرات في دفاع السعوديين الجوي والصاروخي، كما أثارت التساؤلات عن نجاعة الترسانة العسكرية الأكبر في المنطقة وفاعلية منظومات ومقاتلات تُصرف لأجلها مئات المليارات من الدولارات، كأن اليمن ينقصه بلاء سؤال جديد لا إجابة عنه جهلاً أو مكابرة، وبينما توجه اتهامات محلية ودولية إلى إيران كداعم رئيسي للجماعة تمضي الساحة اليمنية نحو التعقيد أكثر من أي وقت مضى، وذاك منعطف مفصلي يرى كثيرون أنه يدفع بالحرب نحو خيارات تصعيدية سيكون المدنيون فيها هم الخاسر الأكبر من ناحية، والأقل تحملاً للاستنزاف الاقتصادي والسياسي والعسكري والمعنوي من ناحية أخرى.

وبين مسارين أحدهما يلوح بمزيد من التصعيد العسكري وآخر يراهن على حل سلمي برعاية الأمم المتحدة يبقى الوضع متعثرًا رغم المخاطر التي تتهدد اليمن بالزوال كدولة، ويمكن أن يكون الأمر أكثر سوءًا من ذلك مع دخول منظومات صاروخية وطائرات مسيرة جديدة الخدمة في عمليات الحوثيين، ويراهن هؤلاء على أن تغير الأسلحة الجديدة العابرة للحدود مجريات الحرب لمصلحتهم، لذلك فإنهم لمحوا قبلاً إلى تنويع الأهداف وتوسيع نطاقها الجغرافي، وها هم الآن يفعلون ما قالوا إنه أكثر إيلامًا.

تأمين الحدود
ليس غريبًا عجز الرياض عن ردع ولجم ما صار اعتياديًا من ضرب الحوثيين أهدافا سيادية داخل العمق السعودي، فقد استقبلت أراضيها قرابة 10 عمليات هجومية بطائرات مسيرة في غضون شهرين، تنوعت في طبيعة الأهداف بين منشآت المملكة الاقتصادية الحيوية وخطوط نفطها وأهم مطارات مدنها المحاذية لليمن، أبرزها مطار جازان وأبها جنوب غرب السعودية، كما تنوعت في مدى التوغل في الأراضي السعودية حتى وصلت إلى العاصمة الرياض.

استمرار تلك العمليات -التي يراهن الحوثيون وقفها بتوقف ما يصفونه بـ "العدوان"- أظهرت ليس وجود المبادرة الميدانية لدى الجانب الحوثي وحسب، بل يظهر ثغرات في دفاع السعوديين الجوي والصاروخي، كما أثارت التساؤلات عن نجاعة الترسانة العسكرية الأكبر في المنطقة وفاعلية منظومات ومقاتلات تُصرف لأجلها مئات المليارات من الدولارات، عدا عن الأثر المعنوي لهجمات تشنها من الجانب الآخر من الحدود جماعة مسلحة لا جيش نظامي، لكنها جماعة وازنت الرعب حين دفعت به إلى خارج حدود اليمن.

بعد كل هجوم، يزيد صمت الرياض من ترجيح صحة الرواية الحوثية، وهذا إن حصل هذه المرة فالخسارة السعودية ستكون مركّبة، أولها أن الهجمات الحوثية وصلت إلى أهدافها رغم حديث التحالف الذي تقوده السعودية عن اعتراض بصواريخ تفوق كلفة الواحد منها الطائرة المسيرة بأكثر من ألفي ضعف، واُستخدم من هذه الصواريخ أكثر من مئتين في نحو 4 سنوات مضت.

الخسارة الأخرى وربما الكبرى هي أن كل فشل في الصد يزيد من الجرأة الحوثية على استهداف العمق السعودي، وهذا يحوّل وعيد الجماعة بوجود 300 موقع حيوي في بنك أهدافها في السعودية والإمارات إلى مسألة تستحق النظر والتدبر، كيف لا، وقد بلغت ذروتها حين اعترف وزير الطاقة السعودي بهجوم حوثي وقع منتصف مايو الماضي وقطع الإمدادات النفطية من السعودية إلى غربها في ميناء ينبع.

في الشهر التالي لهذا الهجوم "الخطير"، توعد التحالف بـ "وسائل ردع حازمة" في أعقاب الهجوم الصاروخي على مطار أبها في 13 من يونيو، الذي أسفر عن إصابة 26 شخصًا، لكن لم تظهر هذه الإجراءات حتى الآن، وربما يعني غيابها عدم وجودها، وهذا قد يؤشر إلى عجز عسكري وجد طريقه إلى ميادين السياسة، وفي هذا الإطار تُقرأ المساعي السعودية في محاولة حشد المواقف في القمم الطارئة لربط التصعيد الحوثي بالصراع مع إيران.

وفي دلالات العجز العسكري أيضًا، بدا تأمين حدود المملكة منذ سنوات أعظم من أن يتولاه السعوديون أو أن تتصدى له أسلحة تقتنى بمئات المليارات من الدولارات، وتلك مهمة تستلزم الوحدات القتالية المعروفة باسم "القبعات الخضراء"، حيث أُرسلت القوات الأمريكية، بطلب خاص من ولي العهد السعودي في ديسمبر 2017 بعد أسابيع من إطلاق الحوثيين صاروخ باليستي باتجاه الرياض.

لم يأت الأمريكيون إلى المملكة لمواجهة إيران مثلاً -الخطر الأكبر في مفهوم مشترك بين واشنطن وتل أبيب والرياض- وإنما جاءوا لتأمين حد السعودية الجنوبي، الذي أنكفأ إليه السعوديون بعد 4 أعوام من حملة التحالف العربي التي يقودونها تحت عنوان استعادة الشرعية في اليمن، منذ ذلك الحين تساعد الوحدة الأمريكية - كما تكشف صحيفة The New York Times - في رصد مواقع الصواريخ الحوثية وتدمير مخابئها ومناطق إطلاقها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى