رحلة الموت للبحث عن النجاة

> نُهى البدوي

> نشعر بالمأساة والألم حين نرى الباحثين عن النجاة في موطني لا تستكمل رحلتهم بسلام لينعموا بالنجاة التي يبحثوا عنها، ومخاوف أن يتحول موعد فرحتهم بالنجاة إلى مأتم لاستقبال العزاء برحيلهم، وكأنهم قضوا رحلة البحث عن النجاة على قارب الموت الذي نادراً ما يصل الشاطئ وبر الأمان بسلام. هكذا أصبح حالنا في اليمن، لا يمر يوم إلا ونسمع خبرا يدمي القلوب، عن مصرع عدد من المسافرين جراء اصطدام حافلتهم أو انقلابها بسبب وعورة الطريق وعدم صلاحيتها فنياً، حتى أصبحت حياة اليمني مهددة في البر والجو وفي كل الطرق التي يمر بها التي لم تعد آمنة، حتى صالات المطارات باتت مصدر خطر على حياة المسافرين والعمال، وكان آخرها مصرع العامل لطفي شماخ بالتماس كهربائي في صالة مطار عدن قبل عشرة أيام تقريبا، ومصرع 12 مسافرا بذمار قبل ستة أيام جراء صدام واحتراق حافلتهم، بينهم أربع نساء، وتفحمت جثثهم بسبب نقل مادة البترول على متن الحافلة، وينحصر فقط حضور الحكومة في كل هذه الحوادث، بالاكتفاء بتشكيل لجان للتحقيق، وغائبة فيما عداها، دون القيام بأية إجراءات عقابية، حتى تحوَّل السفر إلى رحلة الموت للبحث عن النجاة.

معظم الباحثين عن النجاة في رحلة الموت هم المرضى اليمنيون ممن استعصى علاجهم في الداخل أو في مدن إقامتهم، ولم يكن أمامهم إلا انتظار الموت في الداخل أو الترحال للبحث عن النجاة في المحافظات الأخرى أو الخارج عبر رحلات شاقة محاطة بالخطر، تبدأ فصول مأساتها من مرحلة استخراج جواز السفر الذي صار استخراجه في الخارج أهون بكثير من المطالبة بالحصول عليه من الداخل، مروراً بقطع المسافات الطويلة التي تزداد خلالها حالة المرضى سوءا، والتعرض للمضايقات بسبب نتائج الحرب، وكثافة نقاط التفتيش على الطرقات بين صنعاء وعدن وتعز وعدن، وصنعاء وسيئون، حتى يصل المسافر إلى المطار، والصعود على سلم الطائرة وهو يردد الدعاء للوصول بالسلامة لشعوره أنه على متن رحلة الموت، ويتكرر نفس الشعور عند العودة.

انقضى أكثر من أسبوع على تشكيل لجنة التحقيق في حادثة وفاة لطفي شماخ عامل الخدمات في مطار عدن الدولي، ولم نسمع أية نتائج أو محاسبة، مع أن المعلومات المنشورة في سائل الإعلام تؤكد أن إدارة المطار كانت على علم مسبق بالعطل الذي أودى بحياة الشاب شماخ، وهذا كاف لاتخاذ إجراءات فورية لوضع حد لهذا التسيب والإهمال، وإيقاع العقوبة الإدارية بحق المتسببين في خلق بيئة محاطة بالخطر تهدد حياة الموجودين والعاملين في المطار والمسافرين، كما انقضى أكثر من أسبوعين على مناقشة الحكومة بعدن تقرير لجنة تقصي الحقائق حول حادثة طائرة اليمنية 310 وما تعرضت له في رحلتها رقم 601 (القاهرة - عدن) بتاريخ 30 يونيو الماضي ولم يتم البت في التقرير واتخاذ قرارات وإجراءات تأديبية تطمئن المسافرين، وتضع حداً للإهمال، وحالة الفساد الموجودة في طيران اليمنية.

ليس من مأساة أشد وجعاً من أن ترى الإنسان اليمني يبحث عن النجاة في بلد تدّمرهُ الحروب وانتشار التطرف، متنقلا في رحلة أشبه برحلة الموت، على أمل أن يستكمل رحلته بسلام لينعم بالنجاة التي يبحث عنها في وجهته، وليس هناك ظلم أكثر من استمرار هذا الوضع المأساوي الخطير الذي يهدد حياة المسافرين وسلامتهم، دون أن تضع الجهات المسؤولة حداً للفوضى الإدارية والتسيب والتراخي وغياب المسؤولية وأنظمة السلامة وإحقاق المساءلة، واتخاذ الإجراءات السريعة لمعالجة الاختلالات في هيئات وقطاعات وزارة النقل التي تنذر بالكارثة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى