الجنوبيون.. «اتفقنا على ألا نتفق»

> نُهى البدوي

> دأب معظم الساسة اليمنيين، في الشمال والجنوب، على تجسيد شعار «اتفقنا على ألا نتفق» في كل اجتماعاتهم ولقاءاتهم التي يعلن عنها مسبقاً أنها تهدف لخلق توافق ورؤية موحدة لوقف الحروب أو لاحتوائها قبل تفجرها، وهذا ما تثبته أكثر الاجتماعات واللقاءات التي عقدت أثناء الأزمات قبل تفجر الحروب أو لوقفها للانتقال لمرحلة سلام. إن ما يجسد هذا الشعار هو ضعف إرادتهم السياسية لتحقيق أي توافق يؤدي لخلق بيئة وظروف سياسية مواتية للسلام، نتيجة سلوكهم السياسي المتطرف الرافض التخلص من ثقافة الماضي السلطوية التي طغت عليهم، حتى صارت سلوكا متوارثا في سيكولوجية القادة «الجدد والأجيال الناشئة»، هذا ما يجعل الشارع يصاب بالإحباط ويثور عند أي حضور للساسة اليمنيين لأية اجتماعات للخروج بتوافق سواء كان "شمالي- شمالي" أو "جنوبي- جنوبي".. فاللقاء الأخير الذي كان مقررا انعقاده في عمّان لقيادات جنوبية من العيار الثقيل والذي يرعاه الاتحاد الأوربي تردد أنه تعثر بسبب «الترخيص»، بحسب ما نشرت وسائل الإعلام، والتقليل من شأن هذه الاجتماعات التي تجمع الجنوبيين لتوحيد رؤيتهم واستقبالها بهذه المواقف هو خطأ فادح وسلوك مرفوض يصدر من أي عاقل لأنه قول لا يقل تطرفا عن سلوك من ينتقدهم ويصفهم بالتطرف السياسي.

رغم أن الاختلاف موجود في إطار الأسرة الوحدة وهو ظاهرة إيجابية تصب في إصلاح شؤونها أو في اتخاذ قرار وموقف موحد تجاه أي قضية ترتبط بها، لكنه إذا خرج عن السيطرة يتحول إلى نافذة تتسلل عبرها الأفكار المدمرة الممزقة لهم، وهذا هو حال التيارات والأطياف السياسية الذي تحول اختلاف أفرادها إلى فرصة ثمينة لدخول الفكر السياسي المتطرف إلى اجتماعاتهم لإبعادهم عن بعضهم البعض، وتوسيع خلافاتهم حتى صار الكل متطرفا ضد الآخر، سواء في الشمال أو الجنوب، وبات التطرف السياسي ورفض الآخر سلوكا يتسلح به معظم القادة السياسيين بمن فيهم القادة «الجدد»، بل إنهم لا يتذكرون عند أي جهود إقليمية أو دولية تبذل لتوحيد مواقفهم لوقف الحرب أن الشعب اليمني في الشمال والجنوب لم يجنِ من خلافاتهم إلا الدمار والحروب والتطرف بكل أنواعه حتى بات الأكثر خطورة على استقرار المجتمعات في اليمن وصارت أفعاله تؤسس لقنابل موقوتة.

بالأمس توافد بعض القادة الجنوبيين للالتقاء هذه المرة في عمّان، وغداً سيجتمع غيرهم من القادة الجنوبيين، وبالمثل سيجتمع الساسة الشماليون في عواصم أخرى ضمن سلسلة من اللقاءات المتواصلة التي ترعاها المعاهد والمؤسسات الدولية الراعية لجهود السلام في اليمن، مع مختلف الأطياف السياسية والنخبوية الهادفة لضمان خلق واقع داعم لبناء عملية السلام، وعدم تكرار القفزات السابقة التي لم تؤسس لمناخ سياسي ملائم للسلام يقبل فيه الساسة ببعضهم الآخر.

علينا ألا ننهال على من يحضر هذه اللقاءات بالشتائم أو ننتظر منها نتائج فورية، ويتوجب علينا أن نشجع عقدها حتى وإن كنا نحكم عليها بالعقيمة مسبقاً، فربما ينتج عنها عوامل تساعد على خلق توافق جنوبي- جنوبي، فضلاً عن أن عودة جلوس الفرقاء الجنوبيين على طاولة واحدة يعد مكسبا سياسيا للجميع، وبادرة طيبة يمكن من خلالها إصلاح ما أفسده الساسة. وهذا لا يعني تشجيع استمرار سلوكهم المتطرف سياسيا، بل عليهم واجب التخلي عنه وعن موروث الماضي وبحثهم عن السلطة قبل الإيمان بالسلام، وتحقيق ولو قدراً يسيراً من التوافق المأمول من عقد لقاءاتهم ودعم الجهود الدولية الرامية لإحلال السلام، وألا يجسدوا أكثر من غيرهم الشعار الذي اعتدنا عليه «اتفقنا على ألا نتفق»، كما هو بالمثل على بقية التيارات والساسة الجنوبيين ألا يكرسوا نفس السلوك والشعار الذي يصيب الجنوبيين بالإحباط.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى