الحوثيون وطهران: كيف أصبح اليمن مجالاً لحركة النشاط الثوري الإيراني؟

> رامي شفيق

> أحدث نجاح الثورة الإسلامية في إيران، العام 1979، زلزالاً مدوياً في الشرق الأوسط؛ حيث كانت هذه هي المرة الأولى التي تُوضع فيها مقولات الإسلام السياسي موضع التنفيذ، مما جعل من الدين محوراً للصراع في الشرق الأوسط؛ وبالتالي تشكّل واقع مغاير في الشرق الأوسط.

اصطفت الدول العربية، ومنها اليمن، بقيادة الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح، مع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في حربه ضدّ إيران، وساعد هذا الموقف اليمن بعدم ظهور أيّ نشاط يُذكر للزيدية، حتى العام 1990، فضلاً عن أنّ النظام اليمني كان يمنع تأسيس أحزاب أو الإعلان عن تنظيمات سياسية، تقوم على أسس مذهبية أو فكرية؛ حيث جاء في الميثاق الوطني أنّ ذلك يعدّ "عمالة" و "خيانة".

الإرهاصات التأسيسية
تنتسب حركة الحوثي إلى مؤسسها، حسين بدر الدين الحوثي، وبدأ نشاطها على يد عدد من علماء الزيدية، الذين قاموا بإحياء تعاليم مذهبهم وتدريسه، واستفاد ناشطو الزيدية، الذين اتجهوا نحو التقارب مع إيران، من مستجدات الأوضاع الإقليمية والدولية، مطلع التسعينيات من القرن الماضي، واستغلوا الأنشطة المتاحة لبناء مشروعهم السياسي؛ حيث تم السماح بإنشاء ما يزيد على ستين حزباً سياسياً في اليمن تمثل جميع التوجهات القومية، واليسارية، والليبرالية والإسلامية.

مثّل حزبا "الحق" و "اتحاد القوى الشعبية" الإسلام السياسي الشيعي؛ حيث تأسس "الحق" كحزب إسلامي بمرجعية المذهب الزيدي، وكان من أهم مؤسسيه؛ المرجع الزيدي مجد الدين، ونائبه بدر الدين الحوثي، وفشل "الحقّ" في أول انتخابات تنافسية ديمقراطية؛ ولم يحصل سوى على مقعدين برلمانيين من دائرتين انتخابيتين في محافظة صعدة، من أصل مقاعد البرلمان التي تبلغ 301 مقعد.

وتزامن ظهور "الحق" مع تأسيس "منتدى الشباب المؤمن" كجناح فكري وثقافي لتيار الإحياء الشيعي، وكان في مقدمة مؤسسيه؛ محمد بدر الدين الحوثي، الذي يرى البعض أنّ حزب الحقّ، بالنسبة إليه لم يكن سوى تجربة عابرة؛ لذا قرر الاستقالة مبكراً من الحزب ومن عضوية البرلمان اليمني، كممثل لحزب الحقّ، وقرّر أن يتفرغ لـ "منتدى الشباب المؤمن"، وعمل على فرض وجهة نظره الخاصة على سير أنشطة المنتدى؛ الأمر الذي أدى إلى انقسامه إلى قسمين: أولهما يتبع حسين الحوثي، والثاني يتبع محمد يحيى سالم عزان الذي جمّد نشاطه السياسي جراء تداعيات حروب صعدة التي استمرت حتى 2010.

العلاقة مع طهران
في الثمانينيات؛ بدأت السفارة الإيرانية في صنعاء بتقديم دعوات لشباب يمني بهدف زيارة إيران، والتعرّف إلى تجربة ثورتها، واستطاعت أن تستقطب الكثير من الشباب الزيدي؛ أبرزهم: محمد عزان، وعبد الكريم جدبان، وحسين الحوثي مؤسس الحركة الحوثية.
ظهرت آثار تلك الزيارة في خطب حسين الحوثي، التي عبّر من خلالها عن المرجعية الفكرية للحوثيين، المتأثرة بنموذج الثورة الإيرانية، وخاصة بفكرة القيادة السياسية ذات المشروعية الدينية؛ وعادةً ما كان الحوثي يستشهد بالخميني ويقدمه كنموذج لمقاومة الاستعمار والصهيونية.

شكّلت التحولات التي شهدتها المنطقة العربية، في تسعينيات القرن الماضي، باحتلال صدام حسين للكويت، في أغسطس 1990، منعطفاً تاريخياً حاداً في النظام الإقليمي؛ حيث اصطفت بعض الدول العربية، وعلى رأسها اليمن، بقيادة علي عبد الله صالح، مع صدام حسين في مواجهة أقطاب الاعتدال العربي.
كان لهذا الموقف أثره الواضح على علاقات اليمن بدول الخليج العربي، التي تدهورت بشدة؛ الأمر الذي منح طهران حرية الحركة في الفضاء اليمني، وخاصة مع الانفتاح السياسي وظهور الأحزاب، اللذين شهدهما اليمن آنذاك، وأصبح اليمن مجالاً لحركة النشاط الثوري الإيراني، وميداناً للتشيع.

على هذا النحو؛ ازداد حضور طهران في الداخل اليمني بحكم العلاقات الجيدة بين الدولتين؛ وتمكنت طهران من التبشير المذهبي بواسطة كوادر شيعية عراقية منتمين لحزب "الدعوة العراقي"، ممن كانوا يقيمون في اليمن على خلفية النزوح جراء حرب الخليج.
وتذهب آراء بعض المتابعين للشأن اليمني، إلى أنّ التبشير الإيراني بالمذهب الإثني عشري في اليمن، لم يكن على مستوى توقعات طهران، إلا أنّها استطاعت أن تنسج روابط وثيقة مع زعماء الزيدية الشيعية أثمرت فيما بعد عن اتصال وثيق بين طهران وجماعة الحوثي.

فتح سقوط بغداد، العام 2003، المنطقة على دائرة النفوذ السياسي لإيران في العراق ولبنان، وأخيراً اليمن، الذي شهد نشاطاً متزايداً لحركة الحوثي؛ ويشير لذلك تصريح صحفي لعلي عبدالله صالح، نشرته جريدة "المستقبل" اللبنانية، في أغسطس العام 2004، بأنّ: "جهات التحقيق ضبطت مطبوعات تخص المذهب الإثني عشري بحوزة الحوثيين؛ مما يؤكد تورّط عناصر خارجية في الداخل اليمني".

تحوّلت حركة الحوثي إلى تنظيم مسلح، العام 2004، أثناء المواجهات التي اندلعت مع القوات الحكومية، واستمرت حتى 2010، والتي كشف أداء الحوثيين خلالها عن تأثرهم الشديد بالأداء العسكري لـ "حزب الله".

الحوثي في «الربيع العربي»
انضمّ اليمن، العام 2011، إلى قافلة الثورات العربية ضدّ بعض الأنظمة التي استقرت لعقود طويلة، وخرج الشعب اليمني للمطالبة برحيل الرئيس، علي عبدالله صالح، الذي اُضطر تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية لتوقيع اتفاق لنقل السلطة لنائبه، عبدربّه منصور هادي، في نوفمبر من العام ذاته.
وسّعت جماعة الحوثيين من خطتها للاستفادة من التناقضات السياسية في الداخل اليمني؛ فبادرت للانضمام للمحتجين، وأقامت خطوط اتصال وتنسيق مع صالح في آنٍ واحد، ومن خلال التفاهم مع الجنرال الأحمر، قائد الحروب الستّة ضدّهم، استطاع الحوثيون السيطرة على صعدة، وتعيين أحد الموالين لهم في منصب محافظ المدينة.

وبسقوط نظام علي صالح؛ برز حزب الإصلاح (إخوان مسلمون) كقوة رئيسة في المشهد السياسي اليمني، بيد أنّ الحوثيين، الذين مارسوا نشاطاتهم بشكل علني في جميع أنحاء اليمن، خاصة العاصمة صنعاء، تعمدوا إظهار أنفسهم كخصم أيديولوجي وسياسي لـ "الإصلاح"، بهدف استقطاب القوى المناهضة للإخوان؛ الأمر الذي هيأ لهم صيغة تحالفية عريضة، ضمّت الرئيس المخلوع، علي صالح، وحزبه المؤتمر الشعبي، والحزب الاشتراكي.

عزّز خروج صالح من المشهد الثقل السياسي للحوثيين الذين انطلقوا في بسط نفوذهم وهيمنتهم من صعدة إلى بقية أرجاء اليمن، والسيطرة على جميع مؤسسات الدولة، من خلال ما أُطلق عليها "اللجان الثورية"، وتعيين رجالهم في الوظائف الرئيسة.

في هذا السياق؛ بدأت إيران في تكثيف حضورها في اللعبة السياسية في اليمن من خلال دعوة شباب الثورة لزيارة طهران، وعقد بعض المؤتمرات المتعلقة بالثورة اليمنية في لبنان، وبعد توقيع المبادرة الخليجية، في فبراير 2012، أضحى الحوثيون، الذين رفضوا المبادرة، فصيلاً مناوئاً للوضع الجديد، وحين ذاك ظهر تأثير طهران في كل المفاوضات التي حاولت أن تعالج الأزمة اليمنية، بما فيها المفاوضات التي جرت بين الحكومة والحوثيين بوساطة عُمانية؛ حتى صرّح المستشار السياسي لعبدربه منصور هادي؛ بأنّ "طهران كانت تتمّم على كلّ ورقة وقرار".

استطاع الحوثيون، في سبتمبر 2014، السيطرة على صنعاء؛ الأمر الذي رأته الرياض محاولة من إيران لترسيخ نفوذها في منطقة الشرق الأوسط؛ وبالتالي تهديد الأمن القومي لدول الخليج العربي.

وفي إطار ذلك، قادت السعودية تحالفاً عربياً عسكرياً ضدّ الحوثيين، في 26 مارس 2015، وأطلق التحالف العربي ما سُمّي بـ "عاصفة الحزم"، فيما قالت الرياض إنّ الحملة العسكرية على اليمن تأتي استجابة لرسالة الرئيس عبدربه منصور هادي، التي وجهها إلى قادة مجلس التعاون الخليجي؛ حيث طالبهم فيها باستعادة الشرعية وإنهاء الوضع المأزوم الذي خلفته سيطرة الحوثي على معظم أنحاء اليمن، فضلاً عن تواجد "القاعدة" و "داعش".

في المقابل؛ سعت طهران إلى تأكيد وجود جماعة الحوثي (أنصار الله) ككتلة حرجة في المجال اليمني، خاصة بعدما نجح الحوثي في عقد صيغة تحالف مع الرئيس الراحل، علي صالح، الذي ما لبث أن نقض الاتفاق معهم، واستعاد تحالفه مع الرياض وقوات التحالف؛ الأمر الذي دفع بجماعة الحوثيين إلى القيام بعدد من الاعتقالات والاغتيالات، ضدّ قيادات المؤتمر العام، ومهاجمة علي صالح نفسه، الذي لقي حتفه في ديسمبر 2017.

من الحوثي إلى الأنصار
بعد "الربيع العربي"؛ اتخذت الحركة أسماء مختلفة، حتى استقرت في النهاية على اسم "أنصار الله"، وهي محاولة من جماعة الحوثي للتعبير عن نفسها، بأنها كيان تنظيميّ يعبّر عن فكر ورؤية لا ترتبطان باسم وهوية شخص أو جهة بعينها، فضلاً عن محاولتها الخروج من فكرة أنّها تنحصر داخل نطاق جغرافي محدد (صعدة بالتحديد).

ويذهب بعض المراقبين لمسار الحوثيين إلى أنّ التحول الذي طال الحركة في المسمى، رافقته بعض المحاولات فيما يتعلق بالإطار التنظيمي؛ حيث سعت الحركة لتنظيم صفوفها إلى وحدات تنظيمية غير متداخلة: جناح عسكري، وسياسي، وتربوي، وإعلامي واجتماعي، ورياضي. وبدأ ذلك واضحاً في بعض اللافتات الإعلانية التي ظهرت عقب سقوط صنعاء، في سبتمبر 2014، غير أنّ ذلك لا يعدّ دليلاً كافياً على وجود تنظيم بالمعنى الدقيق، بقدر ما يعكس الارتباك الذي طال بنية الحركة في وقتٍ تحاول أن تتعامل فيه مع الأمر بما يليق بحركة تقبض على مقاليد السلطة.

لكن ذلك لا يمنع أنّ ثمة حالة تنظيمية تعكس ارتباط "أنصار الله" بطهران، وحزبي: "الدعوة" الشيعي في العراق، و "حزب الله" اللبناني، وكلاهما يرتبط بطهران وسياستها، ويستقر يقين عدد من المراقبين لمسار تلك الحركة على أنّ ثمة خصوصية لارتباط "أنصار الله" بـ "حزب الله"، الذي يعدونه القابض الحقيقي والمسؤول عن ملف الحركة باليمن، والمكلف به تنظيماً وتسليحاً وتدريباً.

ولم يجرِ في موازاة هذه التغييرات، في الاسم والتنظيم والوضع السياسي، أيّ تغيير يُذكر على بنية الحركة الأيديولوجية؛ وتؤكد الحركة في كل منشوراتها حصر حقّ الولاية العامة بسلالة الحسن والحسين رضي الله عنهما.
وجاءت "الوثيقة الفكرية والثقافية"، التي حرّرتها العام 2012، لتوضح هذه المسألة، في ثلاث قضايا هي:

1 - الاصطفاء: ومضمونه يقوم على أنّ الله تعالى اصطفى آل محمد، صلى الله عليه وسلّم، ليتولوا المسؤولية الكاملة عن الدين، وتقول الوثيقة: "ونعتقد أن الله سبحانه اصطفى أهل بيت رسوله، صلى الله عليه وسلم، فجعلهم هداة للأمة، وورثة للكتاب بعد رسول الله، إلى أن تقوم الساعة"، ويشترك الحوثيون في هذه القضية مع بقية المذاهب الشيعية، فيما يختلفون فيمن يحقّ له الحكم من آل النبي.

* باحث مصري

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى