التواجد الروسي في الخليج.. رسائل سياسية وعسكرية

> يارا انبيعة

> بالتزامن مع اقتراح الولايات المتحدة تعزيز جهود تأمين المياه الإستراتيجية قبالة إيران واليمن لاسيما بعد حوادث احتجاز السفن، أعلنت كل من روسيا وإيران عزمهما تنفيذ مناورات عسكرية في مياه مضيق هرمز قريبا، ما يثير التساؤلات حول توقيت تلك المناورات.
هذا، وكانت روسيا قد طرحت مقترحاً جديداً للأمن الجماعي في الخليج بإنشاء منظمة للأمن والتعاون في المنطقة مماثلة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، معتبرة أن أسباب التصعيد في الخليج، وفقاً لنائب وزير خارجيتها سيرغي ريابكوف، خط تعتمده واشنطن يهدف إلى تصعيد التوتر مع إيران.

الضامن الوحيد
ضمن مخططها لتثبيت التحالف الثنائي مع موسكو وبناء حلف مضاد لواشنطن والدول المتعاونة معها، صرح نائب قائد الجيش الإيراني، حبيب الله سياري، أن بلاده هي الضامن لأمن مياه الخليج ومضيق هرمز، مشدداً على أن وجود قوات أجنبية سيزعزع أمن الخليج، مضيفاً "إيران قادرة على تأمين الملاحة الدولية في مضيق هرمز"، معتبراً أن أمن الخليج ليس بحاجة إلى وجود قوات أجنبية، كاشفاً عن أن القوات البحرية الإيرانية ستجري مناورات مشتركة مع القوات الروسية قريباً في شمال المحيط الهندي، من دون أن يحدد موعداً لها.

من جهته، قال قائد البحرية الإيرانية، حسين خانزادي، إنه في خلال زيارته إلى روسيا تم التوقيع على اتفاقية عسكرية بحضور قائد البحرية الروسية ممثلاً عن وزارة الدفاع الروسية، لافتاً إلى أن طهران ستبدأ الترتيبات قريباً لإجراء مناورات بحرية مشتركة مع القوات الروسية خلال العام الجاري، 2019.
في سياق منفصل، قال قائد البحرية الإيرانية: "إن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا تسعيان إلى إظهار منطقة الخليج على أنها غير آمنة"، معتبرا أن هذا الاستعراض الأمريكي البريطاني حيلة سياسية لا طائل منها.

رسائل واضحة
من الواضح أن طهران تريد توجيه عدة رسائل من خلال هذه المناورات المحتملة؛ أولها، أنها تريد إثبات جاهزيتها لأي سيناريو تخطط له واشنطن. ثانيها، تأكيد طهران أن لديها حلفاء أقوياء مثل موسكو بجانب حلفائها الإقليميين، وبالتالي فإن أي مواجهة عسكرية، قد تهدد السلام في المنطقة والعالم. وثالثها، إن إيران تريد من هذه المناورات مخاطبة الأوروبيين الذين لا يزالون "غير أوفياء بتعهداتهم"، بحسب مواقف وتصريحات المسئولين الإيرانيين.

بعبارة أخرى، تحاول طهران بشكل غير مباشر أن تُفهم الأوروبيين بأنها مستعدة لكافة الخيارات، بما فيها خيار الحرب؛ وبالتالي، فإنه يتوجب عليهم القيام بتنفيذ تعهداتهم إذا ما أرادوا أن لا تجر الأزمة إلى حالة المواجهة العسكرية المباشرة.

فرصة كبيرة
بعد الحديث عن إقامة المناورات البحرية المشتركة، تم الإعلان عن القطع العسكرية الروسية التي ستشارك في هذا "الحدث الكبير". ومن الجدير ذكره هنا أنه وفي خلال الحقبة السوفيتية، اعتبرت القيادة العسكرية البحرية في موسكو أن المحيط الهندي هو منطقة تابعة عسكرياً لأسطول البحر الأسود؛ وبالتالي، كانت معظم مهمات السفن السوفيتية في المنطقة تتبع لقيادة هذا الأسطول. لكن في هذه المناورات، قد تقوم روسيا بإرسال سفن من عدة أساطيل بحرية مختلفة.

من خلال ما سبق، يرى العديد من المراقبين بأن المناورات العسكرية المقررة بين البلدين ستكون فرصة كبيرة لمناقشة ما ينقص إيران من أسلحة لمواجهة الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة خصوصاً مع زيادة التوترات في مضيق هرمز، وفرض العقوبات الأمريكية والغربية عليها، ومحاولتها المواجهة عبر وضع الاتفاق النووي على المحك.

لا شك أن الاتفاق العسكري بين روسيا وإيران يعد نقطة انطلاق جديدة تحاول فيها كل من طهران وموسكو المناورة وإيجاد سبل أخرى للمواجهة وكسر قرارات الهيمنة الأمريكية على العالم، فإيران التي من جانبها تريد كسر قرار مجلس الأمن 2231 الذي ينص على فرض العقوبات ومنع إيصال المعدات العسكرية لإيران خلال السنوات الخمس. إضافة إلى ذلك، هناك مسألة مهمة تجمع ما بين الطرفين وهي الاتفاق التاريخي حول بحر قزوين، الواصل بين موسكو وطهران بحرياً، الذي تم النص فيه على عدم السماح للدول المتشاطئة عليه بالسماح بإنشاء قواعد عسكرية لغير الدول المطلة عليه. وبالتالي، خسرت الولايات المتحدة الرهان على إقناع كازاخستان بإعطائها موطئ قدم على شطوط هذا البحر.

ومن جهة أخرى، تحاول روسيا إفهام الولايات المتحدة والغرب أن العالم دخل نظاماً متعدد الأقطاب ولا من أحد يفرض على آخر شروطه؛ وبالتالي، إن مصالح الدول هي التي تحدد نمط العلاقات بين الدول المختلفة وليس التبعية.

هذا، وتشير الزيارات المنتظمة للوفود العسكرية بين البلدين إلى وجود مباحثات جدية بشأن بعض الأسلحة. ومن الأولويات الإيرانية، اليوم، هو عملية تحديث منظومات الدفاع الجوي الإيراني التي باتت لا تتلاءم مع المضمون الدفاعي، وبالتالي تحاول إيران الحصول على منظومات "إس 400"، ما يجعلها قادرة على حماية منشآتها من أي ضربة أمريكية محتملة.

الابتعاد عن المواجهة
تلغي الدول الأوروبية من أجندتها تشكيل قوة عسكرية لحماية مرور حاملات النفط في الخليج وبحر العرب، ومن أهم العوامل التي دفعتها إلى حسم هذا الملف هو إعلان كل من إيران وروسيا إجراء مناورات حربية بحرية في المنطقة وصولاً إلى شمال المحيط الهندي.

فمنذ قيام طهران باحتجاز ناقلة النفط البريطانية رداً على قرار لندن احتجاز أخرى مماثلة في صخرة مضيق جبل طارق، على الحديث عن تشكيل قوة عالمية لحماية حرية الملاحة في الخليج. لكن المبادرات المختلفة لم تنجح نهائياً بعد قرار دول كبرى، مثل الصين والهند، بالابتعاد عن السياسة الغربية، إضافة إلى تحفظ الاتحاد الأوروبي على سياستي بريطانيا والولايات المتحدة، واتخاذ حلف شمال الأطلسي - الناتو موقفاً حيادياً.

فباستثناء بريطانيا التي أرسلت فرقاطة جديدة إلى مياه الخليج، تمتنع كل الدول الأوروبية عن إرسال سفن حربية، باستثناء القطع البحرية العسكرية الموجودة منذ مدة، بل سحبت بعض الدول سفنها، مثل سحب إسبانيا لفرقاطاتها. والمثير أنه رغم الحديث عن توتر واحتمال نشوب الحرب، يسجل الخليج أقل نسبة من وجود السفن الحربية، بما فيها الأمريكية. فلأول مرة يبقى الخليج دون حاملة طائرات أمريكية، إذ اكتفت الحاملة "أبراهام لنكولن" بالرسو في مياه بحر العرب، مع اكتفاء واشنطن بالمدمرة "بوكسر".

لكن المعطى الذي زاد من قلق الأوروبيين هو الكشف عن مناورات عسكرية بين أسطولي إيران وروسيا في بحر العرب وشمال المحيط الهندي، وهي المناورات الثانية بعد تلك التي جرت في بحر قزوين. فالمناورات الجديدة تشكل رسالة سياسية موجهة إلى كل من الولايات المتحدة وأوروبا بوقوف موسكو إلى جانب طهران في النزاع الحالي، في وقت يحاول الأوروبيون الابتعاد عن المواجهة مع روسيا في القضايا الجيوسياسية منذ قرار الكرملين ضم شبه جزيرة القرم، ورفع الضغط العسكري على الاتحاد الأوروبي من خلال مناورات أبرزها "فوستوك - 2018" التي تعد الأكبر في تاريخ روسيا، وكان السيناريو هو اقتحام أراضي عدو مفترض، أي الدول الأوروبية في الحلف الأطلسي.

ختاماً، يبدو أن العالم قادم على مرحلة جديدة من التغيير. فوصول أو حتى مشاركة قطع بحرية روسية في مناوآت على فم الخليج يعد بحد ذاته تطوراً كبيراً خاصة وأن هذه المنطقة، ومنذ سبعينات القرن الماضي، هي منطقة نفوذ غربية. إن تواجد السفن الحربية الروسية قد لا يكون هدفه فقط المناورات البحرية، بل قد يكون نوع من عملية استطلاع وتجسس خصوصاً مع التقدم الروسي الكبير في ميدان الحرب الإلكترونية والتشويش.

لقد أعطت إيران فرصة ذهبية لروسيا من خلال تلك المناورات، بحيث أنها تعتبر رسالة سياسية - عسكرية في آن واحد، إضافة إلى الانفتاح، إذا لم نقل التوسع الروسي على العالم من جديد.

"مركز سيتا للدراسات"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى