هل هناك جديد في الأزمة مع إيران؟

> ود. علي الدين هلال

> شهد الصراع السياسي الممتد بين الولايات المتحدة وإيران فصلا جديدا منه في مايو 2018 بإعلان الرئيس ترامب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الذي وقعته الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا مع إيران عام 2015، ثم تلته سلسلة من العقوبات الاقتصادية غير المسبوقة في تاريخ العلاقات الدولية.

وخلال الأشهر الخمسة عشر التالية، تراوحت التقديرات والتكهنات حول مسار هذه الأزمة ما بين توقع انهيار سريع للاقتصاد الإيراني ونشوب احتجاجات شعبية جماعية، وتوقع استمرار قدرة إيران على الصمود رغم الصعوبات، وتوقع عمليات عسكرية محدودة من الطرفين. كان من هذه العمليات احتجاز إيران عددا من ناقلات النفط الإماراتية واليابانية والبريطانية المارة في بحر العرب وخليج عمان، واحتجاز ناقلة نفط إيرانية في جبل طارق.

ترافق ذلك مع قيام أمريكا بإنشاء تحالف عسكري دولي بقيادتها لحماية حرية الملاحة وتدفق النفط في الخليج العربي وممر هرمز، وإعلان إيران إسقاطها طائرة مسيرة أمريكية، وقيام الحوثيين بعمليات عسكرية ضد أهداف سعودية كان أخطرها هجمات أرامكو في بقيق وخريص في 14 سبتمبر الماضي والتي اتهمت السعودية إيران بتنفيذها، وبدأ تحقيق دولي حول تحديد الفاعل لم يتم الانتهاء منه بعد.

وعلى مستوى الخطاب السياسي، تراوحت التصريحات ما بين التصعيد والمواجهة العسكرية والتهديد بالحرب والقدرة على إلحاق الهزيمة بالخصم وبين التأكيد على أنه لا يوجد حل عسكري لهذه الأزمة وأنه لا بد من الوصول إلى تسوية سلمية ودبلوماسية لها.

في هذا السياق، أود أن أتوقف أمام ثلاثة تطورات حدثت في خلال أسبوع واحد:

- التطور الأول هو المقابلة التي أجراها الأمير محمد بن سلمان ولي عهد السعودية مع نورا أودونيل وبثّته قناة سي بي إس الأمريكية، ضمن برنامجها الإخباري الشهير 60 دقيقة في 28 سبتمبر، والذي تطرق فيه إلى موضوعات كان ينظر إليها على أنها "محظورة" مثل مسؤوليته في واقعة قتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي"، وعدم تمكن منظومة الدفاع السعودي من رصد الهجوم على معامل تكرير النفط لشركة أرامكو، ورد الفعل المتوقع على هذه الهجمات. أشار ولي العهد السعودي إلى عدم تفضيله لرد فعل عسكري وعبر عن ذلك صراحة بقوله "إن الحل السياسي والسلمي أفضل بكثير من الحل العسكري"، وعند حديثه عن الحرب في اليمن قال: "إذا أوقفت إيران دعمها لميليشيا الحوثي فسوف يكون الحل السياسي أسهل بكثير"، مضيفاً: "اليوم نفتح كل المبادرات للحل السياسي داخل اليمن ونتمنى أن يحدث هذا اليوم قبل الغد". وجاء رد الفعل الإيراني لهذه التصريحات إيجابيا على لسان المتحدث الرسمي باسم الحكومة ثم في تصريح لرئيس مجلس الشورى علي لاريجاني الذي رحب بأي مبادرة لحل الخلافات بين البلدين، وأن الحوار بينهما قادر على حل كل مشكلات المنطقة السياسية والأمنية. وصرح وزير النفط الإيراني "بيجن زنغنة" يوم 6 أكتوبر بأن بلاده لم تتسبب في أي خلافات مع السعودية، وأنها تسعى لإقامة علاقات صداقة مع كل دول المنطقة. وخاطب الدول الخليجية العربية بأنه "يجب عليها ألا تنظر إلينا كأعداء، لأن العدو موجود خارج هذه المنطقة". وذلك وفقا لوكالة أنباء شانا التابعة لوزارة النفط الإيرانية.

- والتطور الثاني هو قرار القيادة المركزية الأمريكية في 30 سبتمبر بنقل مركز قيادة العمليات الجوية والفضائية المُشتركة من قاعدة العديد في قطر إلى قاعدة شاو في ولاية كارولينا الجنوبية بالولايات المتحدة، وهو المركز الذي يُعد غرفة قيادة ومتابعة مئات الطائرات المُقاتلة والطائرات بدون طيار والقاذفات العاملة في إطار القيادة المركزية. والتي تمتد مسؤوليتها من مصر والسودان وكينيا غربا إلى أفغانستان وباكستان شرقا وتشمل إيران والعراق والسعودية. ويوفر لها الدعم الفني واللوجستي. وجدير بالذكر أن قرار نقل هذا المركز لم يحدث منذ ثلاثة عشر عاما. وفسر المراقبون هذا الإجراء بعدم رغبة القيادة العسكرية الأمريكية في أن تترك هذا المركز تحت رحمة الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية. وحسب قول الجنرال شانس سالتزمان، نائب قائد القوات الجوية في القيادة المركزية، فإن الوظائف التي يقوم بها المركز "مهمة للغاية وضرورية جدا لدرجة أننا لا نستطيع أن نتحمل وجود نقطة فشل واحدة".

- والتطور الثالث هو الخطاب الذي ألقاه المرشد الأعلى علي خامنئي يوم 2 أكتوبر الجاري والذي اتخذ فيه موقفاً متشدداً، فأعلن أن سياسة الضغط القصوى التي اتبعتها أمريكا ضد إيران قد فشلت، وأن بلاده سوف تقلص من التزاماتها الواردة في الاتفاق النووي طالما أن الأطراف الأخرى لم تعد ملتزمة به، وأن أمريكا لا تريد مفاوضات وإنما "استسلام إيراني" وهو ما لن يحدث، وأشاد بدور الحرس الثوري، وأعرب عن تفاؤله وأن العقوبات المفروضة على بلاده أفادتها، فقد أرغمتها على التقليل من اعتمادها الاقتصادي بشكل كامل على النفط والسعي لتنويع القطاعات الإنتاجية الأخرى. ومن الغريب أن يصدر هذا الحديث في اليوم التالي مباشرة لإعلان الرئيس الفرنسي ماكرون استمرار جهود الوساطة بين واشنطن وطهران وأنه من المتوقع الوصول إلى اتفاق، كما أن هذا الحديث يتعارض مع بعض تصريحات الرئيس روحاني ووزير الخارجية ظريف الأكثر اعتدالاً.

في السياسة تبدو الأمور أحيانا وبالذات في ظروف التوتر والأزمات مثل كثبان الرمل المتحركة في الصحراء والتي تغير معالم المنطقة من يوم لآخر وفقا لحركة الرياح. وعلى هذا النحو، تتغير نبرة التصريحات وتتعدد الأصوات وفي اليوم نفسه يُمكن للمراقب أن يقرأ التصريح ونقيضه، بل يمكن أن تختلف تصريحات الشخص نفسه من يوم لآخر. ونستطيع أن نرصد ذلك في تصريحات الرئيس ترامب وفي البيانات والأخبار التي تبثها وكالة فارس للأنباء.

ورغم هذا التعدد والاضطراب، فإن المُراقب يستطيع أن يستخلص عددا من التوجهات العامة في إدارة هذا الصراع؛ أهمها:

- أن الأطراف الرئيسية لا تريد خوض حرب لإدراكها التكلفة الاقتصادية والبشرية المرتفعة لمثل هذه المواجهة. لذلك فإنها تدرك أن الحل سيكون من خلال الحوار والتفاوض إن عاجلا وإن آجلا. وتشير خبرات تسوية حل الصراعات إلى أن التلويح بالتهديد يزداد كلما شعرت الأطراف بقُرب موعد المفاوضات وذلك بهدف تحسين موقفها التفاوضي.

- أن الأولويات الأمريكية في هذه الأزمة ترتبط باهتماماتها العالمية كأمن الطاقة وحُرية الممرات الدولية وليس بالضرورة بالتوازنات الإقليمية والتهديدات الموجهة إلى دول الخليج. ويدل على ذلك أن الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس أوباما وكل الدول الأخرى وقّعت على الاتفاق النووي رغم التحفظات الخليجية الواضحة عليه لأنه لم يلزم إيران بعدم التدخل في شؤونها الداخلية.

- أن هذا الفهم للموقف الأمريكي لا بد أن يدعو الدول الخليجية إلى إمساك الأمر بيدها وأن تزداد عملية "نقل الرسائل" بين تلك الدول وإيران على النحو الذي قام به عُمران خان رئيس وزراء باكستان ورُبما آخرون.
هناك بُعد دولي للأزمة تتعامل معه الولايات المتحدة والدول الكبرى، وهناك بُعد إقليمي لها لا يستطيع القيام به إلا الدول الخليجية والمثل العربي يقول "ما حك جلدك مثل ظفرك".

هذا هو الجديد في الأزمة.

"العين"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى