رؤى مشتركة في الملف اليمني والسوري والليبي.. كيف نفهم العلاقة الخاصة بين روسيا والإمارات؟

> «الأيام» عن عربي بوست:

> زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الإمارات العربية المتحدة في 15 من أكتوبر بصحبة وفدٍ من الوزراء الروس، وممثلي القطاع التجاري ومسؤولين رسميين. تعد رحلة بوتين إلى الإمارات، وهي الرحلة الأولى من نوعها منذ عام 2007، مهمةً وذلك بسبب اتساع الروابط بين الإمارات وروسيا بشكل سريع في السنوات الأخيرة، وهو ما ظهر في مجالات عديدة مثل الاستثمار والتجارة والثقاف والفضاء والسياحة والأمن.

وكانت اتفاقية الشراكة الاستراتيجية التي وقعها البلدان في يونيو 2018 نقطة فاصلة في العلاقات الثنائية، وشددت على مدى تقدير موسكو وأبوظبي لعلاقتهما الآخذة في التعمق. والآن بدأ البلاد يأخذان شراكتهما إلى مرحلة جديدة، كما يقول موقع Lobe Log الأمريكي.

الإمارات أولاً في الخليج، بالنسبة لروسيا
وحين كان الرئيس الروسي والوفد المرافق له في العاصمة الإماراتية، عقد محادثات مع الحاكم الفعلي للإمارات وولي عهد أبوظبي الأمير محمد بن زايد، الذي استقبل بوتين في المطار فور وصوله من السعودية. وتعهد بوتين أثناء حديثه إلى المسؤولين الإماراتيين بأن «أملهم لن يخيب» بصفقات الاستثمار التي تقدر قيمتها بـ 1.3 مليار دولار والتي وقعتها الإمارات وروسيا أثناء الزيارة.

وبالنسبة لروسيا، لا تحمل أي دولة من دول مجلس التعاون الخليجي نفس الأهمية التي تحملها الإمارات. وقد تبينت أسباب ذلك في حديث بوتين إلى وسائل الإعلام الإماراتية حين قال: «من بين كافة دول الخليج، لدينا أعلى مستويات للتجارة مع الإمارات تقدر بـ 1.7 مليار دولار، وإن كان هذا بالطبع غير كافٍ. ندرك هذا جيداً ونعمل مع الصندوق السيادي الإماراتي (مبادلة) حيث تقدر قيمة المنصة المشتركة بما يقرب من 7 مليارات دولار».

علاقة اقتصادية متينة
بطبيعة الحال، ترتبط الإمارات وروسيا بعلاقة اقتصادية مستمرة منذ زمن طويل:
بنت الإمارات وروسيا علاقة اقتصادية متينة. وتتكون الصادرات الروسية إلى الإمارات في المقام الأول من بضائع مثل الأحجار والمعادن النفيسة، والصلب والمنتجات المعدنية الحديدية، والماكينات، والمعدات، والمركبات، والمواد الكيماوية والطعام والخشب والورق والكرتون.
ومنذ منتصف بدايات القرن الحادي والعشرين، بدأت الشركات الخاصة والشركات الحكومية العملاقة في الدخول في أعمال تجارية في الإمارات والمنافسة للفوز ببعض من أكبر مشروعات الإمارات.

وبالنسبة لروسيا، تمثل الإمارات وجهة أعمال تجارية جذابة لإفريقيا وآسيا وأوروبا والشرق الأوسط.. كما تستثمر الإمارات في الغاز والبترول والعقارات والبنية التحتية واللوجستيات الروسية وتسعى إلى تعزيز حضورها في قطاع إنتاج الغذاء الروسي.
بالإضافة إلى ذلك، تشترك الدولتان في استخلاص الموارد الطبيعية وبدأتا في الظهور كمراكز تجارية للألماس.

الدين والثقافة
ثمة روابط دينية وثقافية تربط روسيا والإمارات أيضاً.
على سبيبل المثال، يتضح من الكنيسة الأرثوذوكسية الروسية التي تتسع 20000 شخص والتي جرى بناؤها في الشارقة الاحترام المتبادل بين روسيا والإمارات للجذور الدينية في كل منهما.

وفي هذا الصدد، ثمة منظور داخل الإمارات، عبر عنه سفير أبوظبي السابق إلى موسكو عمر غباش، مفاده أن «روسيا حضارة مسيحية عظيمة».
وكان مؤتمر غروزني الذي عقد عام 2016 حدثاً مهماً من حيث الجهود الإماراتية الروسية لتقديم رؤى حول «مستقبل الإسلام تقوم على رفض تفسيرات الدين التي تعتبرها حكومتا البلدين متطرفة» في ظل تنافس جيوسياسي بين القوى السنية» كما تذكر كريستين سميث ديوان.

كما ظهر التبادل الإماراتي الروسي في الفنون والموسيقى والرقص، باعتبارها جوانب تتزايد أهميتها في الشؤون الثنائية. وقد كتب تيودور كاراسيك مؤخراً أن «بعض من أفضل التقاليد الفنية والموسيقية الروسية باتت جزءاً من المشهد الفني في الإمارات»، مضيفاً أن «زخم الممر بين روسيا والإمارات يمثل جسراً بين حضارتين ويؤسس لنموذج جديد للعلاقات بين روسيا والشرق الأوسط».

الأبعاد الأمنية والجيوسياسية
كغيرها من كافة العواصم العربية تقريباً، تنظر أبوظبي لدور روسيا في الهيكل الأمني للشرق الأوسط باعتباره دوراً متزايد الأهمية. وذلك لأن الشواغل المشتركة والاهتمامات المتداخلة تؤدي إلى تنامي الائتلاف بين روسيا والإمارات. كما أن هناك صراعين في المنطقة زادا من التقارب بين موسكو وأبوظبي وهما الصراع في اليمن وسوريا.

الملف اليمني
في اليمن، تتبع موسكو سياسة «عدم الانحياز الاستراتيجي» منذ التحالف السعودي الإماراتي أتون الحرب هناك في مارس 2015. غير أن العام الجاري شهد تزايداً في التوافق الروسي الإماراتي على خلفية تنامي الروابط بين الكرملين والمجلس الانتقالي الجنوبي.
وبذلك جعل الانخراط الدبلوماسي الروسي مع المجلس الانتقالي الجنوبي موسكو أول عاصمة في العالم تشترك مع الإمارات في رؤيتها للمسألة الحساسة المتمثلة في انفصال جنوب اليمن، وهي مسألة لا تزال محل اختلاف في الرؤى بين الرياض وأبوظبي يجري العمل على حله في المحادثات الجارية في جدة.

بالإضافة إلى ذلك، وكما شرح صاموئيل راماني، أصبح بوسع الشركات العسكرية الروسية الخاصة التي تشير التقارير إلى وجودها في الجنوب اليمني أن تمهد الطريق أمام التعاون بين موسكو وأبوظبي وذلك في ظل تزايد هشاشة الوضع في عدن.
يحمل التاريخ دلالة كبيرة فيما يتعلق بالطريقة التي تنظر بها روسيا إلى جنوب اليمن. تعد عدن، المنطقة الموجودة في الشرق الأوسط التي عززت تأثير موسكو إبان الحرب الباردة، مهمة للكرملين في وقت يسعى فيه بوتين والدائرة المحيطة به إلى استعادة النفوذ الذي خسرته موسكو منذ تفكك الاتحاد السوفيتي. ويمكن في هذا السياق أن ينظر القادة الروس في إمكانية إنشاء قاعدة بحرية في عدن، لا سيما في ظل تزايد تسليح البحر الأحمر من جانب قوى إقليمية وعالمية.

ويفسر تاريخ الجمهورية الشعبية الديمقراطية اليمنية الموالية للسوفييت، والتي كانت النظام العربي الماركسي الوحيد في الجزيرة العربية، الروابط الخاصة الحالية بين انفصاليي الجنوب من جيل بعينه ونظرائهم الروس. ورغم أن الحكومة الروسية لن تدعم استقلال جنوب اليمن علناً، ويقول راماني في هذا الصدد: «يمكن لموسكو أن تنظر في إمكانية تسهيل دخول المجلس الانتقالي الجنوبي في مفاوضات السلام التي تتوسط فيها الأمم المتحدة كإحدى الطرق المتبعة لتعزيز الموقف الإماراتي، دون تعريض سياسة الموازنة الإقليمية الأوسع نطاقاً لموسكو للخطر».

الملف السوري
فيما يتعلق بسوريا، لم تحدث الأزمة أبداً خللاً جوهرياً في علاقة روسيا بالإمارات، مثل ما حدث مع غيرها من دول مجلس التعاون الخليجي؛ وتحديداً السعودية وقطر، في المراحل الأولى من النزاع.
وذلك لأنه، بخلاف الرياض والدوحة اللتين انضمتا إلى أنقرة من حيث دعم الفصائل السورية المسلحة بقوة، دائماً ما نظرت أبوظبي إلى إمكانية إسقاط الأسد لصالح القوى الإسلامية باعتبارها سيناريو مثيراً للقلق، رغم عدم رضا الإمارات عن التقارب الوثيق بين النظام السوري وطهران. أعادت أبوظبي العلاقات الدبلوماسية مع حكومة الأسد في ديسمبر، وذلك للتأكيد على زيادة التقارب بينها وبين روسيا (ونأيها بنفسها عن الغرب) فيما يتعلق بالأزمة السورية.

ومع استمرار عملية إعادة دمج النظام السوري دبلوماسياً في العالم العربي، وهي الحركة التي يتوقع أن تتزايد نتيجة للتحرك العسكري التركي شمال سوريا، سيكون هناك تناغم بين أبوظبي وموسكو حول الملف السوري. ودون شك، تضغط واشنطن على الإمارات للتحرك بشكل أسرع تجاه إعادة تأسيس علاقات اقتصادية وسياسية ودبلوماسية وأمنية أقوى مع حكومة الأسد، غير أن موسكو تأمل أن تكون أبوظبي بمثابة شريك في سوريا؛ لا سيما في قطاع إعادة الإعمار.

وكما ذكر راماني، فإن المنصات الإعلامية الروسية أثنت على رجال أعمال من الإمارات حضروا معرضاً تجارياً في العاصمة السورية في نهاية شهر أغسطس الماضي، رغم تحذيرات واشنطن بالبقاء خارج دمشق. ويمكن أن تكافئ روسيا الإمارات على إبدائها استعدادها للانفصال عن الموقف الأمريكي في سوريا من خلال دعوة أبوظبي إلى الانضمام إلى محادثات أستانا، وذلك على فرض أن عملية السلام ستصمد في وجه الفوضى التي أثارها قرار ترامب منح الضوء الأخضر للجيش التركي بالدخول إلى سوريا خلال الشهر الجاري.

الملف الليبي
وفي ليبيا أيضاً أصبح صوت الروس مسموعاً، رغم أنه لم يصبح كذلك بنفس القدر من القوة المستخدمة في سوريا. سعت موسكو إلى اتخاذ موقف «محايد» لتسمح للكرملين بلعب دور الوساطة. ذلك لأن السياسة الخارجية لموسكو في ليبيا كانت أقرب إلى منهج «عدم الانحياز الاستراتيجي» المتبعة في اليمن منها إلى منهج الدعم الكامل لطرف محدد كما تفعل في سوريا.

 ومع ذلك، يبدو أن الكرملين يتحول بشكل تدريجي في اتجاه دعم حكومة طبرق وميليشيات المشير خليفة حفتر، وهما مدعومان من الإمارات، مما يجعل ليبيا مثالاً آخر على تزايد التوافق بين أبوظبي وموسكو.

بوتين يستفيد من الحماقات الأمريكية
بعد «الانسحاب» الأمريكي من شمال سوريا والتصريحات المتضاربة الصادرة عن ترامب فيما يتعلق بالصراع التركي-الكردي، ازدادت حالة عدم الارتياح في أوساط المسؤولين في أبوظبي تجاه الاعتماد على المظلة الأمنية الأمريكية.
وأدى الرد الفاتر من الإدارة الأمريكية على «الاستفزازات الإيرانية» المتزايدة في منطقة الخليج إلى زيادة الاقتناع لدى الإماراتيين بأن ما يصدر عن ترامب مجرد أقوال لا تطابقها الأفعال فيما يخص الإشكالات ذات الصلة بإيران. ويعمل بوتين على استغلال حالة انعدام الثقة المتنامية بين إدارة ترامب وحلفائها في الشرق الأوسط ليظهر روسيا في صورة الدولة التي تقف بحق إلى جوار حلفائها.

ويظن أن الروس يشكلون لاعباً طبيعياً في التصميم الكبير للسياسة الجغرافية في المنطقة. وقد بدأت أبوظبي في تشارك هذه الرؤية لموسكو وأجندتها في العالم الإسلامي. وفي الوقت الذي تستفيد فيه أبوظبي مما لديها من نقاط ثِقل دبلوماسية لدمج إيران بشكل متواضع بعد أن سلطت إدارة ترامب بفرض «أشد الضغوط» على طهران، فإن زيارتي بوتين إلى السعودية والإمارات تحملان دلالات كبيرة. وكتب السفير الأمريكي السابق إلى اليمن جيرالد فيرستين: «ينظر بوتين إلى الدور الروسي بشكل متزايد باعتبارها وسيطاً في المنطقة.. وبالتالي لن تفاضل روسيا بين دول مجلس التعاون الخليجي وطهران -وهي إشارة واضحة إلى دول الخليج بأن روسيا مستعدة لموازنة علاقاتها بين دول مجلس التعاون الخليجي وطهران».

أخيراً، توضح زيارة بوتين إلى أبوظبي مدى تزايد أهمية أبوظبي وموسكو لبعضهما البعض. ومع ذلك، فإنه يلزم أن ننظر إلى العلاقة الثنائية في سياق أوسع لعالم تتزايد طبيعته متعددة الأقطاب والذي لا تتحول فيه الإمارات إلى روسيا وحدها، وإنما إلى الصين والهند أيضاً لتخدم بشكل أفضل المصالح الأمنية والاقتصادية لدول الخليج. وضمن هذا السياق، ومع استمرار ضياع تأثير دول الغرب في منطقة الشرق الأوسط، ستعمل موسكو على ترسيخ علاقات أعمق مع الإمارات وغيرها من دول مجلس التعاون الخليجي وإيران لترسيخ النفوذ الإقليمي لروسيا.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى