استعادة دولة الجنوب أقرب من استعادة الشرعية

> حافظ الشجيفي

> لم يجد الجنوبيون أنفسهم مضطرين كشعب في أي وقت سابق من عمر هذه الوحدة لإعلان استقلالهم وقيام دولتهم المستقلة عن الشمال كما وجدوا أنفسهم كذلك اليوم.

ولعل الفرصة لم تتهيأ لهم من قبل لتحقيق هذا الهدف بكل يسر وسهولة كما تهيأت أمامهم اليوم أكثر من أي وقت مضى بفعل الظروف والتداعيات والمستجدات التي خلقتها وقائع الحرب الأخيرة منذ أن اندلعت في المدن الشمالية قبل أكثر من أربع سنوات ونصف تقريباً؛ بعد تحرير الجنوب لاسترداد شرعية الرئيس هادي في صنعاء ولم تتمكن من استردادها حتى الآن، ولا يبدوا بأنها ستستردها قريباً رغم أن ذلك لم يكن يحتاج منها لأكثر من ربع الفترة التي استغرقتها حتى الآن في أسوأ الحالات والنتائج والتقديرات.

الأمر الذي انعكس بالسلب على حياة الجنوبيين بشكل خاص وتسبب في مضاعفة معاناتهم وتفاقم ظروف حياتهم وتدهور أوضاعهم المعيشية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية أكثر وأكثر وعزز القناعات لديهم في شرعية مطالبهم وأهدافهم المتمثلة في الانفصال أو الاستقلال واستعادة دولتهم حتى ثبت لهم بأن خيار استعادة الشرعية الذي استبشروا به في بداية الأمر كان الخيار الأصعب والأعسر عليهم وعلى إخوانهم الشماليين قبلهم من إعلان الاستقلال، وأن حلمهم في بناء الدولة الاتحادية قد تبدد مع مرور الوقت، وأصابهم اليأس والقنوط تجاه حرب لم تحمل حتى الآن من بشائر ومقدمات نجاحها ما يشير إلى بلوغ أهدافها أو يوحي بأن ذلك قد يحدث مستقبلا لا بالحرب ولا بالسلم حتى، وإن نجحت الحرب مثلاً في استعادة الشرعية فإنها في نهاية المطاف لن تلد إلا ذات النظام الفاسد المستبد الذي يشترك في تمثيله الحوثي والشرعية معاً أمام الشعب وأمام العالم إن لم تلد أسوأ منه.

ولو افترضنا مجازاً بأن (الحرب) قد أنتجت نظاماً سياسياً ديمقراطياً مدنياً عادلاً فإن ذلك لن يعفي الجنوبيين من دفع فواتيرها وضريبتها الباهظة وتحمل كافة الخسائر والأضرار والنتائج الوخيمة التي ترتبت عليها..

ومن هنا يتبين لنا وللعالم بأسره بأن استقلال الجنوبيين لم يعد مجرد احتمال وارد كما ظل كذلك في السابق وهم الذين ــ أقصد الجنوبيين ــ ناضلوا من أجله خلال السنوات الماضية وقدموا في سبيله من التضحيات الغالية والدماء الزكية ما لم يقدموه وهم يحلمون ويناضلون من أجل الوحدة؛ بل فقد تحول الآن إلى حقيقة شبه قائمة، وتكاد أن تكون واقعة لولا بعض الشروط التي أوشكت أن تنضجها الأيام القليلة القادمة..

وبالرغم من أنني لست من هواة الانفصال أو من معجبي التشرذم مثلي في ذلك مثل كل أبناء الشعب الجنوبي إلا أن الحروب الطاحنة التي تدور رحاها في الجنوب والشمال منذ أن قامت ثورة الشباب وما قبل ذلك بكثير بالنسبة للجنوبيين والتصرفات العشوائية الصادرة من قادة الشرعية وتمسكهم المستميت بكراسي الفساد كل ذلك يحفزنا للانفصال ويدفعنا للاستماتة من أجل الاستقلال إذ لم يعد هناك ما يغرينا للبقاء على عقد مزور للوحدة.

ولنتساءل:هل في كل وحدة خير؟
وكأننا تمسكنا بـ "الوحدة" لحلاوة اسمها وتواتر حلم الناس بها، وكأننا نريدها وإن كانت جحيماً، ونسينا أنه ينبغي أن نسعى إلى ما فيه الخير والصلاح للشعب وإن كان في الانفصال وإعلان الاستقلال.

لم أقل إن الانفصال أفضل على هكذا الإطلاق؛ فلا ننسى أن وشائج التزاوج والتمازج بين الشمالي والجنوبي عبر تاريخ مشترك تجعل الوحدة وإبقاء اليمن الذي عاش شعبه في كل جهاته فترات عامرة بالإخاء هي أمنية كل جنوبي أو يمني سواءً كان من الشمال أو من الجنوب. وندرك أن الأخوة وكل هذا التواصل التاريخي والحاضر أعمق أثراً من المصالح السياسية وأحرى بأن يوجهها إلى ما فيه خير الجميع.. من هنا، فإن أماني الوحدة ستظل عريضة وراسخة، وهي لن تزول، حتى ولو تم الانفصال، لو تم الاعتراف، لأن ما سيحدث في المستقبل هو الوحدة وإزالة أسباب التمزق والتشرذم لأن هذا هو قدر الشعوب بالرغم مما يعترضه الآن من مصالح الحكام، والقادة، وما يسمى بالساسة.

أكاد أجزم أن أبناء الجنوب يعرفون أن انفصالهم أو إعلان استقلالهم أصبح خياراً أسهل بكثير من مهمة استعادة الشرعية، وكم منهم من كان يعشق الوحدة ويحلم بها ولكن تبخر هذا الحلم تماماً أمام الفوضى العارمة التي بات يعيشها الوطن كله شمالاً وجنوباً في الوقت الراهن.. ويصبح الاستقلال حينئذ اللقمة المرة التي يجب ابتلاعها وتصبح الوحدة في ظل الفساد أمراً غير مقبول بالمرة..

التسكع في شوارع الفوضى لا يمكن أن يكون الاقتراح الوحيد للجنوبيين، الشعب الذي عرف قيمة الأمن وجرب واحتكم لدولة القانون والعدالة، ولكن يجب مكافأتنا بما نستحقه، وأن يتم إخلاء السبيل أمامنا لإعلان الاستقلال والاعتراف بدولتنا المستقلة، وإلى حين يتمكنون من حل أزمة استعادة الشرعية وبناء نظام مدني آخر، فيمكن حينها أن نعيد النظر مجدداً في خيار الوحدة ونناقش مصيرنا معاً على الطاولة.

إن دواعي الانفصال تعززت أكثر وأكثر لدى الجنوبيين بسبب فشل الشرعية ومعها الشعب في الشمال أيضا ومن خلفهم دول ما يسمي بالتحالف العربي لدعم واستعادة الشرعية في هزيمة الحوثي وحلفائه وعدم حسم المعركة حتى الآن معه.. ولعل السوء قد توج بالساسة الشماليين بعد أن شنوا حربهم على الجنوبيين الذين اعتادوا التهجم عليهم ليس لأنهم يريدون الاستقلال فحسب؛ ولكن لأنهم كانوا دولة مستقلة أيضاً، ولأن جبهة من الجنوبيين ثارت في يوم من الأيام على نظام صنعاء البائد وزعيمه المقتول إبان تجاوز الأخير حدود الإنسانية في تعامله معهم.. ونرى أن أي نظام ذات سيادة في الجنوب سيكون على نفس الوتيرة التي كان عليها قبل الوحدة مع تطبيق النظام الديمقراطي؛ لأن ساستنا الذين يفترض أنهم يحملون مشروع الدولة المدنية الاتحادية فشلوا، ولأن السلام لم يكن أصلاً من قناعاتهم. ونحن حين نتحدث عن الوحدة الآن لا نتحمس لها كما نتحمس للحرب، لأن الوحدة أيضاً لم تكن من قناعاتنا؛ وإنما أملتها علينا عاديات السياسة! هذه هي الحقيقة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى