في الحسكة نازحون بعد الهجوم التركي في شمال سوريا يحنون الى منازلهم

> الحسكة (سوريا) «الأيام» ربى الحسيني

> منذ فراره بسبب الهجوم التركي في شمال شرق سوريا، يعيش أنور (35 عاماً) في دوامة من القلق والضياع، فلا هو قادر على العودة إلى منزله ولا على تحمّل العيش في غرفة مع نحو عشرين شخصاً آخرين.
على غرار أنور، لا يملك عشرات آلاف النازحين الموزعين على مدارس ومراكز إيواء في مدينة الحسكة ومحيطها إلا ترقب ما سيؤول إليه الحال في مناطقهم الحدودية التي بات جزء منها تحت سيطرة قوات تركية وفصائل سورية موالية لها، ويسري على جزء آخر اتفاق روسي تركي ينص على انسحاب المقاتلين الأكراد.

ويقول أنور، وهو ممرض كردي نزح مع عائلته قبل أسبوع تقريباً من قرية تل فندر قرب مدينة تل أبيض، بغضب لوكالة فرانس برس "نجلس هنا فوق بعضنا البعض، هذه ليست حياة".
وتكتظ قاعات التدريس التي تحولت غرفاً للعائلات بالقاطنين فيها، ويصل عددهم الى 24 أحياناً في كل غرفة بينما لا يتوقف صراخ الأطفال من كل ناحية.

ودفع هجوم شنته أنقرة وفصائل سورية موالية لها في شمال شرق سوريا أكثر من 300 ألف شخص للنزوح من المناطق الحدودية، وفق المرصد السوري لحقوق الانسان. وتوجه هؤلاء خصوصا إلى مدينة الحسكة وريفها.
ويمتد الشريط الحدودي الذي سيطرت عليه القوات التركية من مدينة رأس العين شرقاً إلى تل أبيض غرباً بطول 120 كيلومتراً. وبخلاف المناطق الأخرى الحدودية مع تركيا، فإنّ هذه المنطقة ذات غالبية عربية.

ولا تبدو عودة أنور إلى قريته ممكنة في الوقت الحالي. ويسأل "كيف نعود؟ إذا عدنا سيكون علينا أن نحمل السلاح لنحرس".
ويروي أنه اتصل بجيرانه العرب الذين بقوا في القرية ليطمئن على منزله، وجاءه الجواب "لم يبق أي شيء في المنزل، حتى الأشرطة (الكهربائية) في السقف أخذوها" بعد تعرّض منزله للنهب.

ويتهم سكان نازحون والمرصد السوري مقاتلي الفصائل الموالية لأنقرة بارتكاب "انتهاكات" وأعمال سرقة ونهب في المناطق التي باتت تحت سيطرتهم.
وقال شاهد لفرانس برس في مدينة رأس العين إنه شاهد مقاتلين يسرقون دراجات نارية وشاحنات صغيرة وحتى مفروشات تركها النازحون في منازلهم.
رجل سوري مهجّر يدخن داخل مدرسة تحولت إلى ملجأ للنازحين بسبب الحرب ، في بلدة الحسكة
رجل سوري مهجّر يدخن داخل مدرسة تحولت إلى ملجأ للنازحين بسبب الحرب ، في بلدة الحسكة

"خراب كبير"
ولا يجد أنور، الأب لستة أطفال، أكبرهم فتاة عمرها 12 عاماً وأصغرهم رضيعة في الشهر السادس، خياراً أمامه في الوقت الراهن إلا مغادرة سوريا.
ويقول بينما تنام صغيرته قربه "نريد التوجه إلى العراق، لا حل آخر أمامنا".

لكن التوجّه إلى العراق الذي وصله نحو تسعة آلاف كردي فروا من الهجوم التركي، بحسب المتحدث باسم مفوضية اللاجئين في إقليم كردستان العراق رشيد حسين، ليس بهذه السهولة.
ويقول إن المهربين يطلبون 250 دولاراً مقابل نقل كل شخص بالغ ومبلغاً مماثلاً لكل طفلين. ولا يتوفر لديه المبلغ الكافي لذلك.

وتحولت المدرسة الواقعة في شارع ضيق في مدينة الحسكة إلى مسكن شعبي. ووُضعت على باب كل قاعة أسماء وأعمار النازحين الذين يقيمون فيها مع تجهيزات قليلة لا تتعدى الفرش والبطانيات.
في باحة المدرسة الخارجية حيث وُضعت مقاعد الطلاب فوق بعضها البعض، تنهمك نساء في غسل الأطباق والثياب، بينما يلهو الأطفال بين أروقة المدرسة الملوّنة بالرسومات.

على غرار أنور، يحمل أبو هيلين (50 عاماً) همين في قلبه: منزله الذي تركه خلفه في رأس العين، ومستقبل ابنته (16 عاماً) المعلق بعدما اضطرت للتوقف عن الدراسة.
وينفث الرجل الذي ملأ الشيب شعره سيجارته على مقعد في أحد أروقة المدرسة. ويقول لفرانس برس بحزن "نسمع عن خراب كبير، وأن كل المنازل باتت مشرعة الأبواب، وهناك الكثير من السلب والنهب".

ويوضح أنه يخشى العودة الى منزله، مطالباً بـ"ضمانات دولية لئلا يتعرض أحد لنا"، على غرار ما يتعرض له سكان منطقة عفرين شمالاً من "حوادث خطف مقابل فدية". ويوضح "إذا خطفني أحدهم، ليس لدي أحد ليدفع فدية من أجلي".

"فليتركوا الجدران"
وسيطرت تركيا وفصائل سورية موالية لها في مارس 2018 على منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية، إثر هجوم واسع تسبب بنزوح عشرات الآلاف من السكان.
ودعت منظمة العفو الدولية العام الماضي تركيا إلى وضع حد "للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان" التي يرتكبها مقاتلون موالون لها تشمل "اعتقالات تعسفية واختفاءات قسرية ومصادرة ممتلكات ونهب".

وقال تقرير للجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة في سبتمبر 2018، إن من تمكن من سكان عفرين من العودة إلى منازلهم وجدوها تحولت مأوى لسكان تم إجلاؤهم من مناطق أخرى، أو تعرضت للنهب و"جُردت من الأثاث والأجهزة الكهربائية وكل أدوات الزينة".
وفرّ غالبية السكان من أكراد وعرب من المنطقة الحدودية.

ويقول علي عبدالله (30 عاماً)، الشاب العربي الذي قاتل في صفوف قوات سوريا الديموقراطية في مدينته رأس العين لفرانس برس "حين يقصف الطيران لا يفرق بين عربي وكردي".
ويقيم هذا الشاب حالياً في مدرسة ثانية تحولت مركز إيواء للنازحين، ترتفع في باحته قهقهة أطفال يلعبون كرة القدم.

ولا تأبه نجمة أحمد (43 عاماً) ما إذا كان منزلها قد تعرض للسرقة أم لا. وتقول بينما ترتب حجابها على رأسها "ليأخذوا الأغراض كلها، وليتركوا الجدران فقط كي نعود".​
أ.ف.ب

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى