«الحوت الأزرق» في مدارسنا!

> نُهى البدوي

> لم تتمالك الأم أعصابها عند تلقيها مكالمة هاتفية تسأل فيها مديرة المدرسة عن صحة ابنتها.. وهل تشافت من "حمى الضنك".. لتسقط الأم مصدومة على الأرض عندما علمت أن ابنتها ذات الربيع السابع عشر والصحة الجيدة لم تدخل "مدرسة الثانوية" منذُ أسبوعين، وتفاجأ والد تلميذ آخر حين قادته الحاجة للبحث عن قلما في الحقيبة المدرسية لأحد أبنائه لتقع يده على بقايا غلاف أقراص مخدرة "الحوت الأزرق" ليجن جنونه، ويناهل بالضرب على ابنه، الذي اعترف أنه أتى بها من زميله في المدرسة، هذا هو واقع الحال لطلابنا ومدارسنا يذهبون للمدرسة، وهم لا يدخلون، وإذا دخلوا عادوا إلى المنزل بحوتً أزرق أو أفكار الموت.

كثيراً ما نسمع مثل هاتين الواقعتين التي حدثت الأولى في إحدى مدارس تعز، والأخرى بعدن، وهما أقل ما يمكن أن يحدثا في هذه الأيام، إذ يصوران لنا المشهد وخطورة الوضع في مدارسنا في ظل تزايد ظاهرة تسرب الطلاب منها، فلم تعد المدرسة كما كانت، ولا المعلم كما نتصور، ولا أبناؤنا كما نراهم أمام أعيننا في المنزل، فتجدهم يقضوا معظم أوقات الحصص خارج سور المدرسة يتعاطون السجائر والمخدرات، أو يجلسون في مقاهي الإنترنت، والأخطر أن الفتيات يتغيبنَ من المدرسة بحجة المرض، ومبررات للأسف معظمها كاذبة دون علم أو دراية أولياء الأمور بهنَ في ظل التراخي من إدارة المدرسة، وغض الطرف عن التسرب بحجة ازدحام الطلاب في الفصل الدراسي أو عدم توفر مياه الشرب، وضعف التواصل بين المدرسة وأولياء أمور الطلاب إلى جانب تسرب المعلمين أنفسهم في أوقات الحصص المدرسية وتحميل الحرب وتدهور ظروفهم المعيشية نتائج إهمالهم وتغيبهم عن أداء الدرس.

غياب الرقابة على العملية التربوية، والتعليمية، جعل هذه الظاهرة، تتصاعد لتتسرب معها الأخلاق والقيم التربوية من المدرسة، فتجد معظم الظواهر التي تقود إلى انحراف سلوك الطلاب تربوياً ونفسياً تتناقل بين الطلاب داخل أسوارها، وتندهش من وجود مقاطع الفيديوهات الممنوعة على جوالاتهم.

ظاهرة تسرب التلاميذ من المدارس، تؤرق بلدان كثيرة، ويختلف تأثيرها من بلد إلى آخر لطبيعة الآثار الناجمة عنها، ومدى ضررها، ففي بلادنا نرى الجانب الحكومي والمجتمعي يتعامل بسطحية معها، دون النظر بجدية إلى ما سيترتب عنها فيما يتصل باستقرار المجتمع، إذ امتزج انتشار مع بقية الظواهر السلبية كالمخدرات، والانحراف السلوكي والفقر والبطالة والعنف والتطرف، ويضعنا غياب التنسيق التربوي بين الأسرة والمدرسة، والمجتمع على موعد لانتظار نتائج وخيمة لا نتصورها في قادم الأيام، وسيصيبنا الندم لسكوتنا عنها في وقت يمكننا أن معالجتها وفق الإمكانيات المتاحة كتفعيل دور مجالس الآباء، وتوطيد العلاقة بين أولياء الأمور والمعلمين، وتهيئة البيئة المدرسية وجعلها شبة ملائمة، وجاذبية للطلاب، وإشراك منظمات المجتمع المدني للاستفادة من خبرتها في معالجة المشكلة، وتسهيل بعض العوائق التي يتحجج بها الطلاب، كتوفير ثلاجات المياه، والتوعية، ومتابعة أولياء الأمور أوضاع أبنائهم فيها.

اضطرت بعض الدول مواجهة هذه الظاهرة بإدخال نظام البصمة للطلاب لتسجيل دخولهم وخروجهم من المدرسة، ويصعب نقل هذه التجربة إلى اليمن، لظروف الحرب، مع أن ذلك ليس صعبا، لكن يكفينا في الوقت الحاضر أن يتنبه أولياء الأمور، وإدارات المدارس لإصلاح الخلل، وإعادة مفهوم التربية والأخلاق والقيم التربوية، إلى سابق عهدها بعد أن تسربت من المدرسة، بفعل الإهمال واللامبالاة، فالسكوت عن هذه الظاهرة يضع الطالب المتسرب على بداية طريق الضياع والإهمال، ثم يصبح ضحية المخدرات والانحراف السلوكي والعنف والتطرف، فالحقوا المدرسة قبل أن تغرق في بحيرة «الحوت الأزرق».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى