عمالة الأطفال ظاهرة خطيرة تواجه المجتمع الحضرمي

> تقرير/ خالد بلحاج

> أسهمت ظروف اليمن الاستثنائية من حروب وأزمات اقتصادية خانقة بتدمير كل مقومات النظام الاقتصادي، وهو ما أثر سلباً على حياة المواطن، وأجبرت الظروف القاهرة الكثير من العائلات الفقيرة والمعدمة على إيقاف تعليم أطفالها والدفع بهم إلى أسواق العمل بدلاً من المدرسة.

وبات هؤلاء الأطفال يكدحون لساعات طويلة؛ لمساعدة أسرهم، ويزاولون شتى الأعمال التي يتعرضون خلالها إلى أشكال مختلفة من الاستغلال والاضطهاد.
أعمال شاقة
وتبرز هذه الظاهرة بمأساوية في الشوارع والأسواق وفي المعامل والورش الحرفية على اختلافها. ورغم خطورة هذه الظاهرة وتفشيها والتي تستدعي دراسة جدية تبدأ بتقدير حجمها إلا أنه حتى الآن لا توجد إحصائيات دقيقة تتيح إعداد الخطط اللازمة لمكافحة عمالة الأطفال.


ومن يستعرض الأعمال الشاقة التي يمتهنها الأطفال بين الـ 8 و17 عاماً يجدها لا تتناسب مع أعمارهم وقابلياتهم البدنية وحتى العقلية.

«الأيام» التقت بعض هؤلاء الأطفال واستمعت لجزء من مشكلاتهم قبل أن تعرضها على ذوي الاختصاص لتسليط الضوء على مدى خطورتها وكيفية معالجتها.

وكان الطفل علي (13 عاما) أول من التقت بهم الصحيفة بينما كان يدفع عربة خشبية ثقيلة يحمل بداخلها خضاراً وفواكه لأحد الزبائن.


ويتمنى علي أن يعود إلى مقاعد الدراسة ويلعب كرة القدم مع الأطفال في الشارع، لكن الحياة صعبة جداً، كما يقول، وهو يهز رأسه الصغير المثقل بالكثير من الهموم والأفكار.

ويضيف لـ«الأيام»: "أبي المريض ينتظر أن أسلمه (3 آلاف ريال) يومياً لينفقها على إخوتي الصغار".
إعالة أسر
كثيرٌ هم من على شاكلةِ علي يعملون في معامل صنع البلوك (البردين) أو الحدادة أو البناء أو معامل الكعك والمعجنات والصناعات الكيمياوية التي تعرض حياتهم للخطر والتسمم وربما الأمراض السرطانية.


الطفل "محمد" هو الآخر يتابع عمله بنشاط في محل بيع المعجنات والحلويات كواحد من الصبية الذين ولدوا ليجدوا أنفسهم مطالبين بالعمل لإعالة أسرهم، وبرغم أنه لم يتعدَ السابعة من العمر إلا أن من يراه ويشهد منطقه في الكلام يعتقد في أول وهلة انه يتحدث إلى شاب في العشرين من العمر.


يقول محمد: "عمري سبعة أعوام ونجحت إلى الصف الثاني الابتدائي، أعمل مساء وألتحق بالمدرسة صباحاً لأعود إلى العمل مساء، وأخصص وقت عودتي من المدرسة لمراجعة واجباتي المدرسية لمدة ساعة لأنطلق من جديد إلى مضمار العمل".

أعجبني كثيراً إصرار هذا الطفل.. وتمنيت لو أن هناك من الشباب المدللين من يمتلك نفس إصراره.
عمالة المراهقات
يعلم الجميع بأن الفقر لا يفرق بين الأولاد والبنات، فالفاقة والحاجة قد تدفع بعض العوائل بتزويج بناتها لرجال كبار في السن أو تدفعها للعمل في الحقول في أيام الحصاد ومواسم جني التمور وغيرها. وفي هذا الشأن تقول الطفلة "مريم" ذات الأربعة عشر عاماً، وهي تحاول جاهدة أن تخفي الدمعة من عينيها: "كنت أعمل أيام الحصاد وجني التمور، ورغم أن أبي موظف خدمي يعمل في إحدى الدوائر لكنه ينتظر أجري منذ اليوم الثالث من كل شهر؛ نتيجة لاستهلاكه راتبه بين التدخين وبعض المصاريف البسيطة على أخوتي الستة".

وتضيف لـ«الأيام»: "كان والدي دائماً يعدني خيراً عندما يجد عملاً أو عندما يكبر أخي فيخرج للعمل، وفي هذه الأثناء خطبني منه أحد أصحاب الحقول التي أعمل بها، وهو رجل كبير يبلغ من العمر 50 عاماً، وبعد الزواج اكتشفت أنه عقيم فهددت والدي بأن يطلقني منه أو أنتحر، فطلقني الرجل وحفظ ماء وجهه وعدت أنا إلى أهلي".
توابع نفسية ومستقبلية
يرى د. سعيد ربيع، أستاذ علم النفس، أن هؤلاء الأطفال والمراهقين هم حصيلة ظروف سياسية واقتصادية عانت منها حضرموت خلال العقود الأخيرة، مؤكداً بأنه ليس عيباً أن يعمل الإنسان لتوفير لقمة العيش بدلاً من التسول.

وقال مستدركاً: "ولكن المؤلم في عمل هؤلاء الأطفال هو ما يعانون منه في الشارع حيث يتعرضون إلى أنواع العنف المختلفة من الضرب والتحرش والاغتصاب والاستغلال المادي.. وقد شهدنا حالات مختلفة لأطفال لديهم إرادة حقيقية في الحياة والاستمرار في الدراسة، ونتمنى أن تتابع الحكومة وبالتعاون مع وزارة التربية بشكل مستمر هؤلاء الأطفال لانتشالهم من الشارع، ويمكن تفعيل دور المنح الطلابية بتخصيص رواتب للطلبة المعوزين لتشجيعهم على الاهتمام بالدراسة وترك العمل في فترة الدراسة على الأقل، إضافة إلى التوجيه والإرشاد المستمر لهم لأنهم قنابل موقوتة إذا ما تم استغلالهم بالشكل السيئ".


ولأضاف: "هناك أطفال سلكوا طرقاً أخرى غير محلات البيع أو الورش وأعمال البناء، وهناك من استطاع أن يحصل على فرصة عمل في محل ما أو في سيارة مع سائقها ليعمل في جمع الأجرة أو عمل بعضهم في بيع الخضروات مع صاحب المحال الخاصة، وجميعهم مهما تعددت أعمالهم فهم يمتلكون إرادة حديدية في أن يكونوا شيئاً بدلاً من أن يلجؤون إلى الطرق الملتوية".
التوفيق بين العمل والدراسة
عن ظاهرة الأطفال المتسربين من المدارس، تحدث لـ«الأيام» المعلم عبدالله سالم بالقول: "أطفال الشوارع ظاهرة ليست جديدة إلا أنها غالباً ما تشهد نمواً ملحوظاً مع ازدياد حدة الضائقة الاقتصادية وتنتعش خلال مواسم الزيارات والأعياد خصوصاً في المدن، ويتمركزون في مناطق التسوق وأمام الفنادق وتقاطع الطرقات، يعملون في مختلف الأعمال: (الحي الصناعي، غسل السيارات، في الأسواق، وغيرها)".

ويضيف: "أكثر من 90 % من هذه الحالات سببها الأهل الذين يزجون بأطفالهم في أعمال تهدف إلى جمع المال فقط، إضافة إلى الظروف المعيشية التي تمر بها البلاد خلال سنوات الحرب والتي دفعت بالأهل ذوي الدخل المحدود أو معدومي الدخل إلى تشغيل أطفالهم على الرغم من خطورة الأعمال التي يقومون بها"، لافتاً إلى أن الكثير من هؤلاء الأطفال الذين يعملون لم يتركوا الدراسة، لكن أغلبهم لم يفلح بالتوفيق بين العمل والدراسة".


وقال: "ليس غريباً أن تجد في الشوارع أطفالاً يعملون؛ لكن الغريب في هذا البلد الذي أنهكته الحروب أن تجد أطفالاً يذهبون إلى المدرسة في الصباح وعند العصر يتجولون في الشوارع لبيع المعجنات وغيرها ليعينوا أنفسهم بأنفسهم ويتحدون الظروف القاسية وسط إهمال الحكومة والمجتمع".

ويسترسل بالقول: "هناك أطفال يعملون مع آبائهم وهؤلاء لا خوف عليهم من الشارع ومخاطره، أما الأطفال الذين لا معيل لهم ولا والد فإن البعض منهم ينجرف سلوكه وينحدر بسبب أصحاب النفوس الضعيفة الذين يستغلون حاجة هؤلاء الأطفال إلى المادة ويقومون بتعليمهم وتدريبهم على سلوك منحرف يؤدي بالطفل إلى الهاوية وترك المدرسة، وهناك من الناس من ينظر إلى هؤلاء الأطفال نظرة حب واحترام ويعتبرونهم مجاهدين في سبيل الحصول على لقمة العيش بشرف والدراسة معاً، فيعملون على مساعدتهم وتشجيعهم والوقوف بجانبهم".

ولحل مشكلة تسرب الطلاب من المدارس، يقترح سالم في حديثه لـ«الأيام» ضرورة تفعيل قانون التعليم الإلزامي، وأن تشترك في تفعيله وزارة التربية والسلطة المحلية بالمحافظة، وتعديل بعض فقراته من أجل ضمان التحاق كافة الأطفال إلى المدرسة، بالإضافة إلى حصر الأطفال المعوزين من خلال تشكيل لجان مشتركة من المدرسة والمنطقة وبمساهمة فعالة من الوزارة وصرف كافة مستحقات الدراسة لهم، وكذا جعل بناية المدرسة وما موجود فيها أفضل مما هو موجود في البيت (نشاطات صفية ولا صفية، سفرات مدرسية، قاعات فنية ورياضية وغيرها).
ظاهرة مستفحلة
من جهته، أكد مدير مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل في مديرية القطن بحضرموت، محمد عمر، أنه لا توجد إحصائيات دقيقة تتيح أعداد الخطط اللازمة لمكافحة عمالة الأطفال، مشيراً إلى أن هذه الظاهرة مستفحلة على الرغم من أن القانون يمنع عمالة الأطفال ويحذر من مخاطرها.

ويضيف في تصريحه لـ«الأيام»: "لا تتوقف خطورة عمالة الأطفال على الإساءة البدنية والصحية فقط؛ بل غالباً ما يتعرضون للاعتداء الجنسي فضلاً عن مخاطر سلوكية ونفسيه كثيرة"، لافتاً إلى أن القوانين والتشريعات الوطنية في قانون العمل لا يسمح بتشغيل الأطفال بأعمار معينة ولكنها غير مفعّلة.

وأعرب عمر عن أسفه لعدم وجود تشريع يحمي الطفولة، مؤكداً بأن الطفل الذي تُهضم حقوقه برميه في الشارع ودفعه إلى العمل في سن العاشرة سيصبح قنبلة موقوتة بعد عشر سنوات أخرى بسبب مخاطر الانحراف التي تواجهه في طفولته.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى