الدراجات النارية.. خطر يهدد حياة الشباب في حضرموت

> إحصائية رسمية: 50 %، من الحوادث أدت للوفاة

> تقرير/ خالد بلحاج
تزايدت مؤخراً الحوادث الناتجة عن الدراجات النارية في محافظة حضرموت جراء القيادة المتهورة وعدم الالتزام بقوانين وإشارات المرور، وخاصة من قِبل الشباب والمراهقين.

ومنذ أول اختراع للدراجة النارية كنقل شخصي عام 1893م، مازالت هذه الآلة خالدة تواكب العصر ليس على مستوى السرعة والتقنية فقط، بل على مستوى الخطورة أيضاً، حتى اعتبرت شعار العصر في حوادثها المرورية القاتلة.

ولجأ العديد من سكان المحافظة إلى ركوب الدراجات باعتبارها وسيلة نقل عملية تعفيهم من عناء وسائل النقل العمومي أمام الازدحام المروري، غير أن هذه الوسيلة تشكل خطراً على المارة والسيارات مع تهور الشباب الذين يقودون هذه الدراجات بسرعة جنونية دون مراعاة لقوانين السير واحترام الإشارات المرورية.

يقول المواطنون إن الفوضى عمت الشوارع في السنوات الأخيرة، وصار السائقون لا يحترمون الإشارات المرورية التي أصبحت نادراً ما تعمل، فضلاً عن القيادة في الاتجاهات الخاطئ، الأمر الذي يعطل حركة السير ويؤخر الموظفين كثيراً من الوصول إلى مقرات عملهم.


أمام هذه الفوضى اختار الآلاف استخدام الدراجات النارية، خاصة أنها أرخص من السيارات وأقل تكلفة في استهلاك الوقود، وتتراوح قيمة الدراجات بين أربعمائة إلى خمسمائة وخمسين ألف ريال يمني، بحسب نوع ونظافة الدراجة مقارنة بثمن السيارات.

وانتشرت مراكز بيع الدراجات النارية في كافة مناطق المحافظة، نتيجة الإقبال المتزايد عليها.

محمد، أحد أبناء المحافظة، افتتح خلال الفترة القليلة الماضية محلاً للدراجات وسرعان ما ازدهرت تجارته.

وأرجع محمد السبب وراء ذلك إلى سهولة ركوبها وحركتها بالمقارنة مع السيارات.

ويشير أن هذا الانتشار ساهم أيضاً في ظهور شبكة أخرى موازية تتمثل في محلات إصلاح الدراجات وبائعي أدواتها الاحتياطية والإكسسوارات الإضافية والمغاسل.
آلاف الحوادث
تبدو الدراجات النارية حلاً سحرياً للتنقل في شوارع المدن المزدحمة خاصة في أوقات الذروة، لكنها تشكل في المقابل خطراً يومياً يحدق بسائقيها بسبب عدم معرفتهم بالطريقة الأفضل لتجنب الحوادث، إذ يصبح همهم كيفية تجاوز الجميع لأجل الوصول إلى المكان الذي يريدونه، وما يترتب على ذلك من عدم الالتزام بقوانين السير واحترام إشارات المرور، فضلاً عن القيادة المتهورة للشباب المولعين بالسرعة والاستعراض.

وبات انتشار الدراجات النارية يشكل ظاهرة اجتماعية ومرورية سيئة بعدما حصدت حوادثها أرواح الكثيرين وتسببت في إعاقات متفاوتة للبعض الآخر.

وتقدر الجهات المتخصصة عدد الحوادث المسجلة بالآلف سنوياً في ساحل حضرموت وحدها، ويتوفى على إثرها المئات من الأشخاص، وذلك راجع، حسب رأيهم، إلى أن سائقي الدراجات في المحافظة لا يلتزمون بمعايير الأمان والسلامة وعدم إلمامهم بقواعد السير وكذا التهور واللامبالاة.


في حين يقول هواة قيادة الدراجات إن الأسباب الحقيقية لهذه الحوادث تعود إلى افتقاد المدن إلى أماكن وساحات مخصصة لقيادة الدراجات.

وتشير إحصائيات الحوادث بهيئة مستشفى ابن سيناء العام بالمكلا عاصمة المحافظة إلى أن عدد الحالات المسجلة لدى إدارة أمن المستشفى تقدر بنحو (880) حالة خلال الفترة من مارس 2017 وحتى يوليو 2018م، تتفاوت بين صدام دراجة مع دراجة نارية أخرى أو صدام دراجة مع سيارة أو حيوانات أو انقلاب ونسبة الوفاة من تلك الحوادث 50 %، و40 % إصابات خطيرة أو إعاقات و10 % إصابات خفيفة، إضافة إلى الحالات الأخرى التي لم تصل المستشفيات العامة وتفضل العلاج خارجها.

تقول أم علي إنها رفضت مراراً مساعدة ابنها على شراء سيارة خوفاً عليه من مخاطر الطريق، لكنه قرر أن يشتري بالمال الذي ادخره دراجة نارية صينية الصنع، وحصل ما لم تتمناه.

وبحسب أم علي، فقد طلب ابنها الأصغر أحمد من أخيه أن يسمح له باستخدام الدراجة الجديدة قبل أن تنقلب به وتلحق به أضراراً وجروحاً متفاوتة.
إعاقات
خلال فترة الثمانينات من القرن الماضي فرض نظام المرور على سائقي الدراجات رخص قيادة، وترقيم المركبات، لكن تطبيق القانون لم يحدث بصورة جدية على أرض الواقع خلال السنوات العشر الأخيرة ما رفع من مستوى الفوضى في القيادة وارتفاع حوادث المرور التي يدفع ثمنها في الغالب المارة أو المصاحبون لسائقي الدراجات، وعادة ما يكونون من النساء أو الأطفال.

مطيع (عشريني العمر) تعرض لحادث بدراجة أقعده سنة كاملة على الفراش بسبب كسر في ساقه اليمنى، إلا أن شغفه بالدراجات النارية حال دون ابتعاده عنها، فظل متعلقاً بها.


يقول مطيع: "اشترى والدي دراجة نارية (يابانية) وأنا في سن الخامسة عشرة، وكان والدي حريصاً على ألا أستخدمها خوفاً عليّ، لكنني كنت أتحين فرصة نسيانه المفتاح في المحرك، وحصل ذلك مرة، فانتهزت الفرصة وسرقتها ثم شغلتها بعيداً عن المنزل وانطلقت بها بأقصى سرعة، وحين أردت التحكم بها تعطل مكبس الوقود، وفي الشارع كدت أصطدم بأحد المارة، لكنني انعطفت نحو الرصيف، ولم أتوقف حتى ارتطمت ودراجتي بواجهة أحد المحلات، الأمر الذي أدى بي إلى هذا الحال بعد ذلك ابتعدت كلياً عن قيادة الدراجات النارية".

أما الشاب علي سعيد، فقد تعرض لحادث مروري بدراجته قبل أربع سنوات تسبب له في إعاقة في الظهر أقعده على فراشه حتى الآن.
قرارات لم تنفذ
أعلنت السلطات المحلية والأمنية في حضرموت في وقت سابق عن منع قيادة الدراجات النارية التي لا يمتلك أصحابها إجازات قيادة، وتوعدت بحجز الدراجات غير المرقمة إلا أن ذلك الأمر لم يدم طويلاً ولم يلتزم به تجار الدراجات النارية الذين يقومون بإدخالها بطريقة غير قانونية.

وتحتاج رخصة قيادة الدراجات النارية إلى استمارة، وفحص طبي، واختبار قيادة، لكون قوانين قيادة الدراجات لا تختلف عن قوانين السيارات.


يرى مواطنون من سكان حضرموت أن تطبيق القوانين في ما يتعلق بالدراجات النارية يواجه مشكلات كثيرة، منها: عدم تواجد المرور في الأحياء الشعبية والقرى التي يكثر استخدام الدراجات فيها.

وتمنى آخرون من شرطة السير تنفيذ حملات حجز للدراجات غير المسجلة، وفرض غرامات مالية على المخالفين.


كما طالبوا بضرورة وضع قوانين صارمة، خاصة بحق الشباب الذين يسيئون قيادة الدراجة ومحاسبتهم على السرعة الزائدة عن الحد المسموح به.

فيما يؤكد الشاب رائد أن حجز الدراجة وتغريم صاحبها يُعد ظلماً خاصة، وأن الدراجات النارية تمثل مورد رزق للكثير باعتبارها وسيلة نقلهم إلى مقرات عملهم، متمنياً تفعيل القوانين واللوائح ومن ثم محاسبة المخالفين بغرامات محددة وفقاً للمخالفة المرتكبة.
البيع دون رقابة
وأوضح رجال مرور لـ "الأيام" أن أغلب سائقي الدراجات من المراهقين الذين لا يدركون أهمية القيادة وخطر الدراجة النارية، فضلاً عن عدم الالتزام بمعايير السلامة المرورية وافتقار أغلبهم إلى مؤهلات القيادة.

وأشاروا إلى أن الدراجات النارية تباع حالياً في الأسواق دون رقابة وغير مسجلة ولا توجد بها أوراق ثبوتية ولوحات تسجيل.


ويرى علماء الاجتماع أن معالجة ظاهرة التهور في القيادة وخاصة في صفوف المراهقين ترتبط بوجود برامج توعية وإرشاد تلزم سائقي الدراجات باحترام القوانين والأنظمة المرورية للحد من تلك الحوادث التي أصبحت تشكل خطراً على المجتمع.

وتشير تقارير لمنظمات دولية إلى أن عدد ضحايا الحوادث المرورية سجل نسباً عالية جراء أسباب عدة منها عدم الالتزام بمعايير السلامة والأمان وقلة الوعي لدى الشباب، وفي الوقت ذاته أرجع مختصون أسباب الحوادث إلى افتقار المدن إلى الأماكن والساحات المخصصة لهذا الغرض، وكذلك عدم وجود رقابة حقيقية من قبل السلطات وأولياء الأمور.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى