دورات لغوية منفصلة لأولاد المهاجرين في النمسا تثير مخاوف من التمييز بحقهم

> فيينا «الأيام» بلاز غوكولان :

>  يغادر عبد الرحمن كل صباح صفوفه العادية في المدرسة الابتدائية في فيينا، لينضم إلى نحو 20 طفلاً آخراً لتعلم قراءة وكتابة اللغة الألمانية لثلاث ساعات في دورات يرى البعض فيها تمييزاً ضد الأجانب.
سيواصل هذا الطفل اليمني البالغ من العمر 8 سنوات ووصل النمسا في يوليو، متابعة هذه الصفوف التي يسميها المنتقدون "صفوف الغيتو"، إلى أن يصبح مستواه اللغوي جيداً.

ولا تبدي الحكومة أي نية في وقف هذه الصفوف، رغم ابداء الخضر حلفاء المستشار المحافظ سيباستيان كورتز الجدد في الحكم، قلقهم من هذه السياسة المثيرة للجدل.
وتعهد كورتز بالإبقاء على القوانين المناهضة للهجرة دون اعتراض من جانب الخضر المشاركين إلى جانبه في الائتلاف الحاكم. وتضم الإصلاحات التي اعتمدها دورات اللغة الخاصة التي تقول الحكومة إنها تسمح للأولاد الضعفاء باللغة الألمانية، أن يتعلموها بالوتيرة التي تلائمهم، دون أن يعيقوا الأطفال الآخرين في الحصص العادية. 
وأكد وزير التعليم هاينز فاسمان، الذي تولى المهمة نفسها في ائتلاف كورتز الحاكم السابق مع اليمين المتطرف، أن تلك الصفوف "سبيل لتفادي الإقصاء الدائم لهؤلاء الأولاد غير القادرين على اللحاق بالدروس بسبب ضعف مهاراتهم اللغوية".

"إجراء تمييزي"
انهار الائتلاف المناهض للهجرة في النمسا في مايو على خلفية فضيحة فساد طالت الزعيم السابق لحزب الحرية اليميني المتطرف.
ويوجد حالياً نحو 6300 طفل مسجلين بصفوف اللغة في كافة أنحاء النمسا.

وشكّلت النمسا التي يبلغ عدد سكانها 8,8 ملايين نسمة، مركز جذب لوافدين من دول أخرى مجاورة وأكثر فقراً في الاتحاد الأوروبي، مثل المجر ورومانيا، بحثاً عن فرص عمل.
وقبل إنشاء صفوف اللغة في عام 2018، أظهر استطلاع تأييد 80% من المستطلعين لهذه الخطة التي تميز النمسا عن دول أوروبية أخرى يدخل فيها الأطفال المهاجرون مباشرةً في النظام المدرسي الاعتيادي.

لكن يوجد حالياً انقسام في الآراء حول هذه السياسة.
وفيما يخشى كثر من أن وجود العديد من الأجانب غير المتحدثين بالألمانية في المدارس سيخفضّ مستوى وسرعة التعلم، يندد آخرون بهذه الخطة على اعتبار أنها إجراء رجعي في بلد معروف سابقاً بسياسات دمج تقدمية بينها تأمين السكن والخدمات للجميع.

ورأت سونيا هامرزشميد وهي وزيرة تعليم سابقة اشتراكية ديموقراطية، أن "التأثيرات المضرة" لتلك الدورات المنفصلة المتمثلة بعدم المساواة وخلق وصمة اجتماعية حول هؤلاء الأولاد، يجري "تجاهلها لأسباب إيديولوجية".
وأعرب اتحاد المعلمين في النمسا كذلك عن معارضته للصفوف المنفصلة، معتبرا أنها "غير صالحة" ومشيرا إلى أن قرار العمل بها اتخذ دون القيام باستشارات مسبقة مع المعنيين.

ويرى اللغوي هانس-يويرغن كروم الخبير بتعليم الألمانية كلغة ثانية في جامعة فيينا، أن تلك الصفوف "هي إجراء فصل، وليست إجراء دمج".
وتشدد حكومة كورتز مع الخضر على أن للمدارس استقلالية في تحديد كيفية تنظيم تلك الدروس.

ورغم أن الخضر يدينون تلك السياسة ويصفون الصفوف بـ"صفوف الغيتو" (إشارة إلى أحياء منفصلة تضم مجموعات من خلفيات دينية أو عرقية مماثلة)، لكنهم يقولون إنهم قبلوا بسياسة كورتز المشددة حول الهجرة ليحصلوا في المقابل على تنازلات في مجال مكافحة التغير المناخي ومسائل أخرى.

"أتعلم أن أكتب اسمي"
من مدرسة فيلبيجيرغاس في حيّ فاخر في العاصمة فيينا، يقول عبد الرحمن بلغته الألمانية التي لا تزال في طور التقدّم لفرانس برس "أتعلم ان أكتب اسمي، وأن ألفظ بعض الكلمات".

تصطحبه المعلمة كاترين بامينغر مع أولاد آخرين تراوح أعمارهم بين 6 و10 سنوات، من صفوفهم العادية بعيد تفقد الحضور الصباحي في المدرسة.
وترافق الأولاد المتحدرين من أفغانستان وبنغلادش وصربيا ودول أخرى إلى غرفة صغيرة مزينة برسوم مبهجة في الطابق الأرضي في المؤسسة.

ويتعلم الأولاد هناك اللغة الألمانية قبل أن يلتحقوا من جديد بصفوفهم العادية من تاريخ ورياضيات وغيرها لبقية اليوم.
وتعترف مديرة مدرسة فيلبيجيرغاس أن وجود أولاد لا يجيدون الألمانية يشكل تحدياً لطاقم العمل.

وتقول "يشعر المعلمون بالراحة في بداية العام الدراسي لأنهم غير مضطرين للاهتمام بالوافدين الجدد" الموجودين في صفوف خاصة.
لكنها تضيف أن فصل هؤلاء الأولاد قد يشكل عائقاً أمام التعلم، موضحةً لفرانس برس "سيتطورون بشكل أسرع إذا تفاعلوا من نمساويين".

ويمكن للأولاد أن يتوقفوا عن متابعة هذه الدروس الخاصة بعد أن يجتازوا امتحاناً ثانياً يجري عادةً بعد فصلين من التدريس.
وتشير المعلمة كاترين بامينغر إلى أن الأولاد، الذين يواجهون أصلاً تحدي العيش في بلد غريب، "تائهون وممزقون بين مجموعتين"، الأولى مؤلفة من التلاميذ في صفوف الألمانية والأخرى من رفاقهم في الصفوف المدرسية العادية.

وتضيف "العديد يصفون هذه الدورات بأنها غيتوات"، مقرةً أيضاً بأن الأولاد قد يفوتون دروساً مهمة في المواد الأخرى لاضطرارهم للالتحاق بصفوف اللغة في اوقات الدراسة العادية.
ورغم أن ابنها يتعلم معاني كلمات مثل "قبعة" و"قفازات" و"وشاح"، تماشياً مع الطقس المثلج في الخارج، تقول أمل والدة عبد الرحمن إنها تفضل لو كان ابنها "مع الأولاد الباقين".

أ.ف.ب​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى