معايير النزوح

> تنادت الكثير من الشعوب في العالم الثالث أو الدول النامية أو الفقيرة، لطلب الهجرة للهروب من واقعها المرير والضيم والإجحاف الذي يلحق بها من تصرفات حكامها وأنظمتها القمعية، وسعت في أكثريتها للنزوح وطلب الهجرة بحثاً عن الأمان وتغيير واقع حالها ومعيشتها، والحفاظ على الجنس البشري من الهلاك، كنوع من الكائنات التي أصبحت مهددة بالانقراض، وظلت بعض الشعوب في الدول العربية تحت الاحتلال تعاني من مواسم الهجرة والنزوح ونتائجهما المترتبة عليهما، الذي أضحى عامل هدم للتراث والطبيعة العربية، والبعض أصبح يلقي اللوم على غيره وأضحت جنباتهم تتجافى عن المضاجع!.

النزوح نوعان، خارجي وآخر داخلي. خارجي للبحث عن لقمة عيش وكيان وتحرير للعبودية واستقرار وموطن آمن بعيداً عن الصراعات والمحاصصة، وإدارة تنمية بشرية، وإعادة لبث روح الأمل داخل من هاجر وخاطر بنفسه من أجل حياة حرة كريمة تُعنى بحق الإنسان بهذه الحياة ويقدرها ويعززها بقدراته في الانطلاق نحو المستقبل. وهي تعني أن تحافظ على تراث وتاريخ بلدك ولا تلوّثه أو تسعى في خرابه، بل وأن تحترم ثقافة وحضارة هذه المنطقة بقدر ما تستطيع، وكما يقال بالعامية: (يا غريب قع أديب)، وهذا ما تمثّله للأسف (عملية النزوح الداخلي) ومساوئها المتعددة.

"عدن" هي إحدى مدن العالم المفتوح المتميزة ببحرها وموقعها وتاريخها وحضارتها التي تحوي بين جنباتها حصوناً وقلاعاً ومصارف للمياه وشواهد ومعالم ومباني تاريخية وأثرية تتعدى المئات من السنين، وليس هذا فحسب، بل تحوي ثقافة وفناً وأدباً وسياسة وصحافة وإعلام، تميزت به خلال فترة من فتراتها وهي فترة الاستعمار البريطاني لعدن، واتخاذها له كموقع عسكري وتأمين للوقود بأقل التكاليف. في ظل التسابق للحفاظ على مصالحه كقوة استعمارية لا تغيب عنها الشمس، آنذاك.

أي نعم.. كانت هناك قوانين ونظام يحترم، تعزّزه ثقافة أهل البلد نفسه لكنها يقيناً لم تعزز مكانة وثقافة أهل عدن وأبنائها، وتنامت عوامل الهجرة حتى بعد الاستقلال وإلى اليوم ومعها تنامت الأموال لأبناء المهاجرين وتعززت ثرواتهم من خلال أعمال التوسعة في مشاريعهم وتجارتهم على حساب هذه المدينة وتاريخها وتراثها الوطني. أعمال النزوح المنهجية تمثّل كل معنى للهدم وتغيير ديموجرافية تمثّلت في البسط والبناء العشوائي. وما أكثر تلك الشواهد على واقع مدينة عدن وتاريخها وليس ببعيد علينا أن نذكر ما تم حول محيط ساعة (ليتل بن) في التواهي، فالبناء تعالى وغطى على منار وفنار الساعة التي كانت لها دقّات ومواعيد للمسافرين ولأهل عدن. توقفت عقاربها ولم تعد تُسمع لأنها من صنيعة الاستعمار البغيض. نحنُ لا نتغنى بالاستعمار لكن تلك مراحل تاريخية شهدتها المدينة تذكّرنا بما حدث فيها، ولكننا نريد أن نورّث لأجيالنا في عدن ولمن يستوطنها تبادل تلك المنافع لا هدمها وتغيير ملامحها. من أجل مصالح وأهداف شخصية. (النزوح عنوان حقيقي لمأساة مدينة عدن). ولم يقتصر الأمر على الساعة وما يحدث لها أو ما يتعرض له أفراد حراستها. فالصهاريج في الطويلة بكريتر، وهي إحدى المنافع الخاصة بالمدينة العتيقة، تتعرض للدمار والضياع من خلال البناء والبسط غير المبرر فيها وعلى هضبتها دون رقيب أو حسيب!، ثقافة البسط وثقافة الهدم وثقافة النزوح المدمّر. هذا ما تعيشه عدن من تدمير لتاريخها وعدم احترام الآخرين، لذلك ومن البعض من أهلها للأسف الشديد يضاعف من وتيرة تدميرها شيئاً فشيئاً.

وعليَّ هنا أن أُحييّ الجهود الحثيثة لعدد من أبناء عدن وشخصياتها التي تسعى إلى تسليط الأضواء على ذلك ولو بالحد الأدنى، لكن الوضع بحاجة إلى وقفة جادة وحقيقية.

لقد قوبلت في العديد من الأحيان بعبارة: (البشر قبل الحجر)! التي أصبحت عذراً أقبح من ذنب، تستخدم بحجج مختلفة من أجل تمرير واقع المنافع الشخصية والسياسية التي تمثلها المحاصصة الحزبية والمناطقية التي تمارس على عدن وأهلها.

وأخيراً.. لا يسعني إلا أن أكرِّر وأقول: أعمدوا إلى تغيير واقع مناطق الجنوب من لحج وردفان والضالع والشعيب وأبين وشبوة، واسعوا إلى البناء فيها وتنميتها وانهضوا بهذه المناطق لتكون مرافئ لأبنائها تعيد الثقة بواقعهم ويعمرونها خير إعمار.

في النهاية أقول: "أوقفوا النزوح دون معايير".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى