معك نازل أخي المواطن

> أماني سعد

> شعورٌ لا يوصف، حين تصعد الباص في الصباح على عجلة من أمرك وترحب بكَ فجأةً امرأة خمسينية على ما يبدو "أهلاً أهلاً.. أنت مع الأمن بكله"، وتبدأ بشرح الأمن والاستقرار وبذخ العيش منذ رواتب (250) شلن وحتى (1000) السعودي.. لم يكن الموضوع مجدياً أو ذا أهمية كبيرة، الكل كان لديه أهم من حديث السيدة تلك، ابتلاع الرواتب ، انهيار العملة، الجوع، الحرب، الموت؛ كلها أشياء تتكرر حتى أصابنا التبلد وخمول المشاعر، وفي صمت يظلم الباص تنهي السيدة حكايتها البالية ودون أن ينتبه الركاب أيضاً لتعالي صوتها: "معك نازل عزيزي المواطن"، وكأنها تذكرنا بعظمة المواطن اليمني، لكن دون جدوى.

أصبحنا لا نستنزف الوقت حتى في التفكير في من نكون، أو ما الذي يجعلنا نتخلف عن كل العالم بطريقة ساخرة لتلك الدرجة!، على الرغم من أننا شعبٌ مبتكر وحيوي جداً في أشياء قد تعجز عنها شعوبُ العالم!، فالمواطن اليمني ليس إنساناً بقدر ما ترغمه الحياة أن يكون حيواناً وجماداً أيضاً ليستطيع التعايش والتكيف مع بيئته، عليه أن يمتهن بعض المهن الجنونية، ربما، كأن يكون طبيباً نفسياً للتاريخ مثلاً، يحاكيه ويعيدُ له مجده القديم، أو مهندساً للأحلام يصلحُ ما عطلهُ الزمن، أو بيطرياً يعالج جنون البقر الذي أصاب قادة الوطن، كما لا بد أن يتقن عدة لغات؛ كلغة الحجر على الأقل ليخاطب موتى الحرب، أو لغة السموم على الأكثر ليجادل الجوعى والمتسولين، أو أن يكون موسيقاراً يصنع لكل مشكلة لحناً وأغنية.

سيدتي (سيدة الأمن).. نعلمُ أننا شعبٌ عظمتهُ لا تخطر على قلب دول، وإننا شعبُ الترف الغائب منذ ألف سنة ربما.. نحن شعبٌ يعيش الحياة بنكهة الموت وعلى بَرَكة القدر، مزاجنا الجيد يتعلق بحجم رغيف الخبز فحسب.. نحب العطف جداً على الغربان، وكأننا بحاجة ماسة لضجيج يختلف عن ضجيج كل العالم، فنحن حقاً شعب مختلف لا يتكرر بكل ما فيه من كائنات. ​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى