الأرض تكورنت

> > أصبح العالم في خوف شديد من «كورونا».. لكن «لعلّ الله يُحدث بعد ذلك أمراً».
هذا التآزر والتعاضد بين الناس في المشرق والمغرب والتناجي للخلاص من الفيروس، صورة تجسّد معنى «الأُخوّة الإيمانية» بين بني البشر.
لقد صارت صناعة السلام الآن في ربوع المعمورة ضرورة بشرية في ظل هذه الجائحة أكثر من أي وقت مضى!

كم ربيعٍ مضى على هذا العالم، لكن ما أزهرت في بقاعه ورد الأقاح ولا رفرفت في عموم فضائه حمامات سلام تأنس لطيرانها قلوب أوجعتها حروب وآلمتها مصائب عظام.
كم بكت الطفولة في هذا الكون الرحيب وحُرمت الفرَح كم ضاعت وتشرّدت، بينما اختار المستكبرون لحدائق منازلهم وأفنية دورهم أجمل الورد وأينع الثمر وتأنّقوا في اقتناء أفخم الألعاب لأطفال الرؤساء والملوك والسلاطين.

لقد أحاطوا قصورهم بسياج من الأمان، بينما أعطوا للإنسانية المستضعفة ظهر المجن فنالها من شظف العيش والخوف والجوع والمرض نصيب وأفر.
هذا «كورونا» فيروس خارق للعادة عجز عنده الطب، وكأن المولى القدير يقول للعالمين «وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلاً».

رأينا مدائن حول العالم كانت تستيقظ فلا تنام، تحولت بين عشية وضحاها إلى مدن أشباح.. سَكَنَ العالم.. كأنما سكنت روحه.. توقّف عن الحركة.. ورجع إلى بيته الذي تركه زماناً وراء ظهره.. رجع يغنّي من النافذة، ويُطلُّ من الشُرفة بحذر ويتأمل لأول مرة في حَدَث جلل هزّ أركانه كأنما أغرته الدنيا زمناً طويلاً فغفل وانتبه الآن.

كل شيء في ظل كورونا صار مدعاة للفزع حتى الذي كنا نألفه أنّهُ من علامات الحُب والصداقة والحميمية كالابتسامة واللقاء والمصافحة والعناق وإهداء الورد، وكأن الفيروس يقول لبني الإنسان يكفي نفاقاً وخداعاً.. تبتسمون وفيكم عالَم من الدموع والأسى.. تلتقون وبين ظُهرانكم مساحات عريضة من الفُرقة والقطيعة.. تتصافحون ثم تطعنون الخليقة بصفقات من السلاح الفتّاك.. تتعانقون وتتركون دماء المساكين حول العالم تنزف كل يوم.

كورونا يا فيروس الألفية الجديدة وداء عام 2020 العضال، هل لك من دواء؟ تمهّل ما تركت مكاناً في العالم إلاّ وصلت إليه.. تطوف على البسيطة حتى كأنك فيروس «الطوّاف»، وتشل من أمامك الحركة حتى كأنك تريد أن تقول للعالم: «اهدأ يا عالم واسكُن وثُب إلى رُشدك».
فيروس «الطواف» أيُّها الناس.. أوقف الطواف حول الكعبة وبقي هو يطوف على الأرض.
ما تحصّن منه رئيس ولا مرؤوس ولا ملك ولا مملوك ولا وزير ولا خفير.. يعدل في طوافه بين الناس.. وأُشيع هنا في اليمن الجُملة الاحترازية «السلام تحيّة» كإجراء وقائي لا يخلو من مزحة.. شعب يبتسم حتى في النوازل.. يقول هذا الشعب: «إن الفيروس لن يقربه لأن لديه من كورونا ما يكفيه.. كورونا حكومتان واحدة في صنعاء وأخرى في عدن». يا حراجاه.. يا رواجاه.

هذا الشعب يثق بالله ومتوكل عليه، فلا يضاهيه شعب في توكّله.. شعب حزين على إغلاق المساجد حتى أن بعض مرضى القلب والضغط والسكر هنا في عدن يقولون: «كانت المساجد بالنسبة لنا عيادات للصحة البدنية والنفسية.. ليس للصلاة فقط.. كنا نحسُّ ونحن نجلس فيها بمقادير من العافية تدبُّ في أبداننا والطمأنينة في أرواحنا.. إنُّه شعب عظيم.. نسأل الله أن يجيره من هذا الداء وسائر الأدواء ويرفع عنه كل بلاء.

لكن لا يمنع أن يحترز الناس من المرض ويعملون بالأسباب الشرعية والمادية.. ولا ننسى بهذا الخصوص أن نُقدّم جزيل الشكر وخالص التقدير لفضيلة الشيخ السلفي أبي أبراهيم عبد الغفور اللحجي إمام وخطيب جامع الفردوس بمدينة المنصورة الذي قدّم كل نافع ومفيد من التأصيل الشرعي لهذا الفيروس عارضاً لروّاد المسجد التوجيهات والنصائح النبوية بهذا الخصوص، ناشراً الوعي للاحتراز والوقاية بأسلوب دعوي وتربوي أخّاذ، نسأل الله أن يجزيه عنا كل خير، لاسيما وقد عمّت فائدة ما يتفضل به من العلم قطاعاً أوسع من المسجد من خلال إذاعة جامع الفردوس التي نتمنى من الميسورين وأصحاب رؤوس الأموال أن يقدموا لها الدعم لتطويرها لتغطي كل مناطق مدينة عدن وأبعد من ذلك، لتعم الفائدة وينتشر الخير.. اللهمّ إنّا نعوذ بك من البرص والجنون والجذام وسيئ الأسقام.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى