والله من وراء القصد

>
لم يكن بيان المجلس الانتقالي الأخير نبتا شيطانيا، ولا مادة للاستهلاك المحلي تلوكها ألسنة التواصل الاجتماعي للتوافق معه أو لمزيد من صب الزيت على النار ليزداد وضع الجنوب تأزما على تأزم وشقاقا على شقاق، ومن خلال ذلك يتربص المتربصون ويكيد الكائدون كدأبهم وعادتهم.

بيان (الإدارة الذاتية) وليد لحظة تاريخية لا تحتمل التأجيل، فكان على المجلس الانتقالي أن يتخذ ما اتخذه من قرارات جاءت في البيان تعبيرا عن؛ وانطلاقا من حالة جماهيرية في عدن والمناطق المحررة من الجنوب لا تحتمل التأخير حقا، بلغت فيها النفوس الحناجر والسيل الزبى؛ وجاءت كارثة أمطار الثلاثاء 21 أبريل الحالي لتكشف عورة أداء الشرعية في عدن إن كان ثمة ما هو مستور منها.

والحق أقول إن الشاب المدلل أحمد سالمين ليس هو أصل المشكلة أو حتى الجزء المؤثر فيها بل هو واجهة (عاطفية) لنهج سائد في البلاد ديدنه الفساد بالصور القبيحة ذاتها التي دارت أو بالأصح دورت كما تدور النفايات بعد زوال حكم صالح وبطرق أسوأ مما كان ممارسا من سلطة صالح.

والمأخذ على (سالمين) الصغير أنه انغمس في هذه اللعبة القذرة دون مراعاة حتى لتاريخ والده المتصف بالنزاهة، والمؤسف أن ميدان الرماية وحقل تجارب الفساد كان (عدن) وأهلها بالمقام الأول، ولا يهم أن يكون الفاعل أو القاتل جنوبيا أو شماليا أو حتى من موزمبيق ما دام القاتل هو القاتل والجريمة هي الجريمة.

وعليك أن لا تفكر؛ أن تصبح عدن قرية كبيرة لا تحتمل رشة ماء من السماء، وأن تصبح مأرب - وهي بقية باقية من آل سبأ - مدينة عامرة ثرواتها لا تذهب إلا لها، وحرام على عدن (الدولة)، كما يحب أن يسميها الأستاذ نجيب يابلي، كل الحرام أن تفعل ما تفعله مأرب.

والغريب أن النخب السياسية التي علت عقيرتها بالصياح بعد صدور بيان الانتقالي كانت ولازالت مطالبة بتقديم مشروعها الإنقاذي الوطني الذي ينحاز للمعاناة الجمعية للمواطنين في عدن وسواها بدلا من ذلك الصياح، وتحسس أوضاع الناس الصعبة جدا من شظف معيشة وفقر وأمراض تفتك بهم ليل نهار مثل المكرفس والضنك والتيفويد والملاريا وغيرها مع ابتهالنا لله أن يمنع عنا وباء كورونا بقدرته وإرادته.

قد يقول قائل إن للمجلس الانتقالي هنات وعثرات تجعل من بعض الأنساق التابعة له أمنية أو عسكرية تنجرف نحو مزالق لا نرضاها له، وهو مطالب بضبط إيقاع هذه الأنساق حتى لا تشكل فجوة بينه وبين المواطنين، والاشتغال على ذلك مهم جدا بالرغم من التحديات الكثيرة التي تواجه المجلس، من خلال تقنين تحركاتها ضمن آلية عملياتية موحدة ورسم عقيدتها العسكرية والأمنية بشكل واضح وتفعيل أداء التوجيه المعنوي والتعليمي والتثقيفي للأفراد، ورفد الوحدات بالشباب الراغب والمقتدر من المقاومة الجنوبية ومن شباب عدن والمناطق الأخرى لنعيد البناء لهذه الوحدات على الأسس الوطنية وبما يجنبنا أخطاء الماضي.

والمقاربة الحقة لإنجاح (الإدارة الذاتية) المحلية ووضعها موضع التنفيذ الواعي وليس كما يصورها أو يتصورها البعض احتلالا للمواقع والمناصب، من خلال تصحيح اعوجاج إداري ومالي في ركائز الاقتصاد والموارد، بإشراك كفاءات وخبرات محلية وتكنوقراط مقتدر وما أكثرهم من كوادر عدن والجنوب دون مقاسات ضيقة وبما يعود بالفائدة على الوطن والمواطن والارتقاء بالموارد والخدمات إلى مصاف يخرجها من العبث السائد، وتفعيل أجهزة الرقابة والمحاسبة والرقابة الشعبية ومبدأي العقاب والثواب وتجفيف منابع الفساد دون هوادة ومحاكمة الفاسدين والعابثين والمتلاعبين بالعملة الوطنية وأمراء الحرب والباسطين على أملاك الدولة وأملاك الآخرين بقوة القانون ودون محاباة لأحد.

وهذه المهام تتسع لكل شريف يمد يده للانتقالي دون منة أو حسبة أو ترصد، جاعلين من الإدارة الذاتية مدخلا لبناء وطن افتقدناه طويلا.. والله من وراء القصد.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى