هل بقي لهادي دور؟

> لما قرر علي عبدالله صالح الرضوخ للضغوط الإقليمية والدولية والداخلية للتنحي عن رئاسة الدولة، كان قد وضع بصمته في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وللتذكير فإن الأصل فيها كان شرطين أساسيين: الحصانة الكاملة من الملاحقة والمحاسبة، ونقل السلطة إلى نائبه الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي.

فيما يخص الحصانة فقد اشترط صالح، بحسب نصيحة مقربين له، أن تشمل كل من عمل معه خلال سنوات حكمه الـ33، ولم يكن هذا فعلاً اعتباطياً؛ وإنما قصد به أن كثيرين ممن عملوا معه متهمون بالفساد وجرائم نهب المال العام والاعتقالات والإخفاء القسري، وبهذا أراد توضيح أنه لم يكن المسؤول الوحيد عن كل أحداث عهده، وإن كان دستورياً وأخلاقياً هو المسؤول الأول.. وبالطبع فإن كثيرين أيضاً من المشمولين بالحصانة موجودون الآن في صدارة الشرعية الحالية بداية بالرئيس ونائبه.

وفي مسألة نقل السلطة إلى نائبه فنعلم أن الرئيس الحالي لم يكن الخيار المفضل لصالح، لولا جريمة تفجير جامع دار الرئاسة التي غيرت مسار الأحداث، وأضعفت مقاومة صالح أمام الضغوط السعودية على وجه التحديد.. وقلة يعلمون أن وفداً من قيادات الدولة حينها زار الرئيس الراحل في المستشفي بالرياض، حيث كان يتلقى العلاج، واقترح أحدهم أن يصدر صالح قراراً بتعيين نجله أحمد نائباً للرئيس ثم يتم نقل السلطة إليه لولا جراءة أحد الحاضرين في تقريع هذا الشخص وتذكيره بمواقف سابقة وترت الأوضاع، وساقت البلاد إلى مسالك ملغمة.

بعد اتفاق الجميع على تسمية نائب الرئيس مرشحاً للرئاسة كان شرطه هو ألا ينافسه أحد، وأن لا تجري حملات انتخابية، فتحول الأمر إلى استفتاء سمّوه انتخابات، وأنفقوا مبالغ فلكية لطباعة صور المرشح الوحيد، وإقامة المهرجانات، وحشد الناس ونقلهم إلى مراكز الاقتراع مع أن الأمر كان يسهل تمريره عبر مجلس النواب.

بوصول الرئيس هادي كان الجميع يتصور أنه سيكون قادراً على تجاوز واقع الانقسام الذي أحدث شروخاً ما زلنا نعيش آثارها حتى اليوم، ولم أكن متأكداً أنه كان الخيار الأمثل لهذه المهمة التاريخية؛ لكن يقيني هو أن أحزاب المعارضة اعتبرته جسراً مؤقتاً يستبدلونه عند أول انتخابات، وكان صالح في نفس الوقت يرى فيه انتقالاً قد يساعد على التمهيد لعودة نجله مستقبلاً.

الحقيقة أن هادي استطاع بخبث خلق الكثير من الانشقاقات داخل كتل الحكم السابقة، ولكنه لم يفعل ذلك من أجل مصلحة وطنية جامعة، وإنما انتقاماً من الجميع، وهي سياسة لاقت قبولاً شعبياً؛ لأنهم ظنوا أنها حطمت هياكل المعبد القديم، لكن لا هادي ولا الذين شجعوه وضعوا في حساباتهم أن هذا الفعل ليس من أفعال دولة تعي حجم المسؤولية الوطنية.

حتى مؤتمر الحوار الوطني رغم كل المديح الذي أصبغوه عليه، كان مقدمة لمأساة مدمرة لكل الأحلام التي أرادها الذين طالبوا بالتغيير، ذلك أن المشاركين لم يدركوا عمق الصراعات التي كانت القوى المسلحة تستعد لها بينما هم غارقون في منتجع موفينبيك يتجادلون حول نظريات حالمة ما كان لها أن تتحقق؛ لأن الذين كانوا يديرون البلاد فعلياً ظلوا في مواقعهم متشبثين بها دون رغبة في التخلي عنها، وكانت لهم مشاريعهم المتناقضة مع مفهوم الدولة الحقة والمصالحة الوطنية والسلم الاجتماعي، وكان همهم الحقيقي هو تقاسم السلطة والحصول على نصيبهم من خيراتها.

اليوم وبعد أكثر من 8 سنوات أصبح وجود هادي معضلة حقيقية ليس لليمنيين الذين لم يعد يمثل لهم أي قيمة سياسية أو وطنية، لأنه لا يفعل ما يجب على أي رئيس دولة القيام به تجاه وطنه ومواطنيه.. ولكنه يمثل أزمة حقيقية للإقليم الذي أخطأ منذ البداية بعدم وضوح المسؤوليات بنصوص مكتوبة ومعلنة، وهي ما قبل هادي التنازل دون مقاومة جادة وتركها للتحالف.

وحين يجد الإقليم نفسه عاجزاً كلية عن مواصلة هذه الحرب، فإن هادي سيصبح جزءاً من الماضي، وسيعجز عن أي فعل؛ لأنه أصبح معزولاً عن وطنه وعن الناس الذين تركهم لمصيرهم في مواجهة الفقر والدمار والأوبئة والأمراض.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى