بسبب فيروس كورونا والحميات الأخرى.. أهالي عدن سجناء بمنازلهم وقصص تدمي القلوب

> تقرير/ وئام نجيب

> حال انتشار وباء كورونا في العاصمة عدن أمام الكثيرين من أبناء المدينة دون تأدية أعمالهم وممارسة هواياتهم اليومية، وجعل الغالبية العظمى أشبه ما يكونون سجناء في منازلهم، لا يبارحونها إلا في حالات الضرورة.

ومنذ أن سجلت الجهات المسؤولة أول حالة إصابة بالمدينة في العاشر من شهر أبريل الماضي، بالتزامن مع انتشار حميات أخرى، تزايدت مخاوف الأهالي لاسيما مع تسجيل الجهات المعنية عشرات الوفيات بشكل يومي، الأمر الذي اضطرت بموجبه العديد من الأسر إلى منع أبنائها من مغادرة منازلهم لتأدية أعمالهم في المرافق التي ينتسبون إليها كما هو الحال معي.

إجراء أعاقني من ممارسة مهنتي المفضلة بإعداد التقارير الميدانية والتي عادة ما تعكس هموم ومعاناة أبناء المدينة التي باتت محاصرة بالأوبئة الفتاكة، دون أن تواجَه حتى اليوم بأية إجراءات ناجعة ولو للتخفيف من مخاطرها من قِبل الجهات ذات العلاقة.

مشاهد الحزن والألم أصبحت لا تفارق المواطنين حتى وهم في منازلهم "الحجر الصحي"، سواء من أرض الواقع وذلك من خلال ما يمر في حواريهم وأمام منازلهم من جثامين لعدة وفيات بشكل يومي، أو من خلال ما يشاهدونه من عالم شبكة التواصل الاجتماعي والذي هو الآخر بات يعج بمنشورات طغت عليها أنباء الوفيات والإصابات بالحميات ووباء كورونا الذي انتشر كالنار في الهشيم على مستوى العالم ككل.

رفض استقبال المرضى
ولضعف الجانب الصحي ورفض العديد من المستشفيات استقبال المرضى تحت مبررات كثيرة، لجأ السكان المحليون لاسيما النساء إلى استشارة بعضهن بعضاً إذا ما أصيبت إحداهن بإحدى الأعراض، وكذا توضيح نوعية العلاج الذي يمكن أن تستخدمه، وهو ما يزيد عن مخاطر المرض وقد يؤزمه أو يؤدي إلى حالة الوفاة لا سمح الله.

وبات من يقعد بجوار نافذة بيته ليستنشق هواء نقي نتيجة للانقطاعات المتكررة لتيار الكهربائي، لن يفوته سماع أحاديث الجيران وخاصة كبار السن والذي يحتل فيه وباء كورونا نصيب الأسد من الحديث. ولعل الحديث الآتي والذي دار بين عدد من النساء كبيرات السن في الحارة، بينما كنّ يتحدثن مع معضهن من نوافذ منازلهن المتقابلة، يعكس حقيقة الواقع كما هو في المدينة، وفيما يلي نص نقاشهن باللهجة العدنية، تقول الحاجة أم محمد: "ويه نعم فيروس كورونا أجا من الصين، ترد عليها أخرى هذه خبابير الحكومة كدابين لا تصدقيهم يشتوا يأكلوا فلوس من ظهر الشعب"، وتضيف: "فين عدن كانت تعرف حمى الضنك أو المكرفس، تقاطعهن امرأة أخرى بالقول: "يا أمي خلوا لنا أحوالنا من المخازي هذه يكفي ما بالشعب دا، يلّا هي بالأول والأخير موتة إن تقدمت أو تأخرت ولو صدق دخل كورونا زيما يقولوا دوناك الناس وقضى علينا يتحمل ذنبنا المسؤولون، لكن الله لا سامحهم لا دنيا ولا أخرة".

ومن نافذة غير بعيده تشارك الحاجة (ص) بالقول: "يا حريم اسمعوا قالت لي بنت ابني نعم شافت بالفيس أن الوباء طلع "طاعون رئوي" مش كورونا، هيا قرّوا يا حريم، وسرعان ما ردت عليها أم محمد: "طيب الطاعون دا له علاج، يعني لو قدر الله علينا واستوى بنا هذا الطاعون ورحنا للمستشفى بيعالجونا وإلا بنموت زي اللي اتقفلت أبواب المستشفيات بوجههم".

فقدان الثقة
وخلقت الإصابات والوفيات المتزايدة بالحميات حالة هلع في نفوس الأهالي وبات من يبدأ عليه ظهور بعض الأعراض يسارع بالذهاب إلى إحدى الصيدليات القريبة منه لأخذ بعض المسكنات، لتأكدهم من أن أبواب المستشفيات ستغلق أمامهم كغيرهم من المرضى الذين سبقوهم، الأمر الذي يعني تأزيم لحالة المرضى وانتظار قضاء الله حتى يحل أو البحث عن طرق بديلة من قِبل أهاليهم، كما حدث مع أحد أفراد الأسر والذي أصيب بحمى وصداع شديدين أقعداه على الفراش خلال الأسبوع الماضي، وسبب الخوف من الاختلاط في المستوصفات الطبية التي أصبحت مزدحمة بالمرضى في الفترة الأخيرة، تم التواصل هاتفياً مع أحد الأطباء وتم شرح الحالة وأعراضها له، وبموجبها حثنا على ضرورة التوجه إلى مستوصف لإجراء فحص دم شامل (CBC)، وهو ما تم، غير أن نتائج الفحص كانت غير واضحة كما أفادنا الدكتور بعد أن تسلمها منا برسالة، ولكن لخبرته الطويلة في المجال الطبي أوضح بأن الأعراض تتطابق تماماً مع مرض "الصُفار" وعلى إثره ووصف حقنة لتهدئة الطفل، وهنا بدأت رحلة شاقة للبحث عن ممرض أو ممرضة لضرب الحقنة للطفل ابن (12 عاماً)، كان الجميع يتهرب من المجيء للمنزل خوفاً من الوباء والعدوى، فيما أفادت الممرضة القريبة من منزلنا بأنه قد تم منعهم من إعطاء حقنة في منطقة العضل خاصة في ظل الأوبئة المنتشرة حالياً حتى لا تتسبب في حدوث نزيف، هنا سلمنا الأمر لله واكتفينا بوضع كمامات وتدليك للرأس إلى أن بدأ الطفل بالتحسن الملحوظ مع إعطائه مضاداً حيوياً بنظام غذائي كان قد وصفه له الطبيب.

التخلي عن أشياء كثيرة
وأدى الوباء المنتشر في العاصمة عدن إلى تخلي المواطنين عن عادات ألفوا ممارستها منذ زمن طويل، كما بات الموت في زمن كورونا يجري بدون عزاء واكتفى المعزون بتقديم واجب العزاء عبر الاتصال بالهاتف، أما الجنائز فلا يصاحبها إلا القليل من المشيعين بخلاف ما كان في السابق، أيضاً التكافل الاجتماعي الذي عُرف به أبناء المدينة كاد يختفي بسبب التزام الناس بالحجر المنزلي، فضلاً عن تأخر حفلات الزواج، بسبب الوباء الذي كان من تداعياته أيضاً إغلاق صالات الأعراس، وفي بادرة مشرفة أطلق أبناء المدينة الخيرون عدة مبادرات لتقديم مساعدات طبية للمحتاجين.

كورونا وتداعياته
ترك وباء كورونا وغيره من الحميات مآسياً كثيرة ومازال يحصد الأرواح وبتصاعد مستمر دون أن توجد أية بوادر للتخفيف منه أو احتوائه حتى الآن، إذ بات من يتابع منصات التواصل الاجتماعي لاسيما "فيس بوك" يجد ما يدمي القلب، كما هو حال هذا الشاب الذي نشر قصته أحد الزملاء بصفحته في المنشور التالي والذي يدل على مدى عمق المعاناة التي حلت بالمدينة واكتوى بنيرانها الكثيرون: "منذ أسبوع أتى إليّ شاب طيب الخلق حاملاً صحن حلا جاء يطعمني منه، ولاحظت بأن وجه الشاب غير طبيعي، عيناه حمراوان وضحكته مثل المجنون، ولكنه يرتدي ملابس أنيقة ولهجته عدنية، قلت له ما شاء الله الحلا طعمه لذيذ، سألته هل أنت من صلحته، قال لي: "لا هذا صلحته زوجتي، قلت له ربي يحفظها لك فنانة، فقال لي ماتت الآن لكن باقي حلا مليان بالثلاجة صلحته لي، صعقني بالرد وقلت له أيش، تعال تعال من اللي ماتت، قال زوجتي بس باقي معي حلا مليان في الثلاجة، تبين لي من خلال حديثه ومعرفة مدى ألمه وجراحه، بأنه قد ظهرت عليه علامات الجنون، رحل عني ومضى يوزع للناس من الصحن ذاته والناس تعتقده يبيع".

تشكيك وهلع
وعلى الرغم من تزايد الوفيات بشكل يومي، هناك من يشككون في انتشار وباء كورونا، فيما يشكك الكثيرون من صحة الإحصائيات التي تنشرها الجهات المسؤولة، خاصة مع تزايد أعداد الوفيات يومياً وتطابق أرقام الإحصائيات اليومية في بعض المديريات والمناطق بشكل يومي، وبين هذا وذاك هناك من يؤكد بأن الوباء القاتل في المدينة هو "الطاعون الرئوي".

ولجأ السكان المحليون كإجراء وقائي من الأوبئة، إلى تناول بعض الفيتامينات كفيتامين سي، وكذا البابايا "عمبا"، والحُمر والثوم البلدي والبرتقال والكيوي وشرب خليط العسل وحبة السوداء، واللجوء إلى استنشاق بخار الماء والغرغرة بالماء والملح.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى