> محمد عبدالله مخشف
كان فضلاً وكرماً من المولى تعالى، أن اختار يوماً مباركاً وفضيلاً -أول أيام عيد الفطر المبارك- لينتقل إلى جوار ربه أخونا الأكبر وأستاذنا محمد حامد عولقي، سكرتير تحرير صحيفة «الأيام» في عهد مؤسسها الأول الأستاذ محمد علي باشراحيل في حقبة الستينيات.
والأستاذ محمد حامد عولقي من مواليد عام 1934م، وهو من جيل شباب عدن الذي خرج إلى الحياة في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات، مع بداية نشوء نهضة عدن، والتي شهدت على يدي هذا الجيل نهضتها التنويرية والتعليمية والاجتماعية والصحافية والنقابية والسياسية والمطلبية والحزبية.
العولقي من بيت دين وفقه
والأستاذ محمد حامد عولقي من أبناء حافة حسين العريقة في عدن، ومن بيت دين وفقه، إذ كان جده لأبيه فقهياً شهيراً يرتاد "كتابه" العشرات من الصبيان لتلقي علوم الدين والفقه وحفظ القرآن الكريم.

ثم بعد سنوات قليلة، رأيت الأستاذ محمد حامد شخصياً في مكاتب صحيفة «الأيام»، عندما كنت أتردد عليها، لعمل أكليشيهات للصور بصحيفة "فتاة الجزيرة"، التي كانت قد التحقت بها في أول حياتي العملية كمحرر تحت التدريب.. وكانت تلك الصور تخص لاعبي ونجوم كرة القدم والفنانين لاستخداماتها في صفحات الرياضة والفن.. إذ لم يكن في عدن معمل لصنع أكليشيهات الصور ، إلا في «الأيام» الذي كان الأستاذ باشراحيل قد استجلبه إلى عدن لأول مرة في مطلع الستينيات.. وبذلك أمكن الحصول على أكليشيهات الصور محلياً، بدلاً من السفر بها إلى القاهرة وانتظار عودتها لأيام.
العولقي ألحقني بـ«الأيام»
وفعلاً، بعد يومين بالضبط، اتصلت هاتفياً إلى «الأيام»، وأجابني أ. باشراحيل بكله، وعندما أبلغته من أنا وغرضي من الاتصال، قال لي: فينك يا وُليد أنت، نحن ندور عليك، تعال بكرة بعد الظهر.
وعلى الفور باشرت عملي في «الأيام»، بعد أن أعطاني أ. محمد حامد قائمة بمواعيد نشرات أخبار الإذاعات العربية والأجنبية المهمة لتسجيلها وتفريغ عناوينها، ثم تفريغ أي أخبار مطلوبة لنشرها في الجريدة، كما أوضح أن عملي سيكون أيضاً في تصحيح البروفات الأولية لأي من صفحات الجريدة.
وفي «الأيام» ترسخت تجربتي وتفتحت مداركي واتسعت معرفتي بأسرار وخفايا وخبايا العمل الصحفي والمطبعي.
وفي «الأيام» توطدت علاقتي بالأستاذ عولقي، وقربني إلى أسرته الكريمة، الفاضلة الحجة الوالدة، والأخت الفاضلة ست البيت أمها أم شوقي، وأحسسني أنه أكبر لي لما شملني به من رعاية.
كرم وشهامة
ومن مميزات أ. عولقي التي يفتقد إليها في هذا الزمان، أنه كان شهماً وكريماً سخياً ومعطاءً بلا حدود لا يهنأ بلقمة غذاء، إلا مع لمة من الزملاء في الصحيفة حول "برتن أبو البراتن" يأتي يومياً من بيته، أو في أيام الجمعة في بيت العائلة، إذ كان غذاء "الجمعة" عبارة عن مأدبة عامرة تضم ما بين 10 - 15 شخصاً، ويحضر لها من اليوم السابق الخميس، الفنان المرحوم الشيخ أحمد عوض الجراش، الصديق المقرب للأستاذ محمد حامد، الذي يأخذ 10 دنانير أي 200 شلن فقط من أ. عولقي لشراء كل مستلزمات المأدبة من لحوم وكبدة ودقة وأسماك وخضار وفواكه وغيرها.
رحيل من دون وداع
رحمك الله أ. محمد حامد عولقي، وأسكنك فسيح جناته، وألهمنا الصبر والسلوان، وستبقى ذكراك العطرة في قلوبنا ما حيينا.
والأستاذ محمد حامد عولقي من مواليد عام 1934م، وهو من جيل شباب عدن الذي خرج إلى الحياة في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات، مع بداية نشوء نهضة عدن، والتي شهدت على يدي هذا الجيل نهضتها التنويرية والتعليمية والاجتماعية والصحافية والنقابية والسياسية والمطلبية والحزبية.
العولقي من بيت دين وفقه
والأستاذ محمد حامد عولقي من أبناء حافة حسين العريقة في عدن، ومن بيت دين وفقه، إذ كان جده لأبيه فقهياً شهيراً يرتاد "كتابه" العشرات من الصبيان لتلقي علوم الدين والفقه وحفظ القرآن الكريم.
وقد التحق الأستاذ محمد حامد في أول عهده بالحياة العملية في منتصف الخمسينيات، بسلك التربية والتعليم مدرساً للغة العربية في مدرسة الخساف.. وفي مطلع الستينيات التحق بصحيفة «الأيام» كمراجع ومدقق لغوي، إلا أنه سرعان ما تولى سكرتارية الصحيفة، نظراً لسرعة اكتسابه المعرفة الكاملة والخبرة بخبايا وخفايا وأسرار العمل الصحافي، إضافة إلى اكتساب ثقة رئيس التحرير واعتماده عليه.
وبالنسبة لي شخصياً، فقد عرفت الأستاذ محمد حامد بالاسم قبل أن أعرفه شخصياً، وذلك من خلال مراسلاتي لـ«الأيام»، ببعث أولى محاولاتي الكتابية إلى باب "أنت تكتب ونحن ننشر"، أو باب الطلبة "الجيل الصاعد"، وكنت أخاطبه بصفته وشخصه في مراسلاتي تلك التي كانت تجد طريقها إلى النشر سريعاً.. وهو ما كان يثلج صدري ويسعدني ويشجعني على أن أواصل محاولاتي تلك.

العولقي ألحقني بـ«الأيام»
كانت «الأيام» قد تعرضت لإغلاق قسري من قِبل السلطات البريطانية، استمر لعدة أشهر من منتصف 1964م حتى مطلع عام 1965م، وفي أثناء ذلك التقيت أ. محمد حامد صدفة في شارع سوق الطويل عصر ذات يوم، وسألني هل لازلت في الفتاة؟، فأجبته نعم، فقال لي: شوف نحن نستعد لإعادة إصدار «الأيام» قريباً، قد نحتاج لك وسوف تكون لك فرصة طيبة معنا، فرحبت بعرضه على الفور، وأجبته: تحت أمرك أ. محمد، متى تريدنا؟، قال: خليك على تواصل معنا هذان اليومان وبيقع خير.
وكان ذلك الظهر في الساعة الواحدة من يوم الثلاثاء 7 فبراير 1965م، وكنت بلا غذاء طبعاً، لكن بعد ساعة تقريباً، أقبل أ. محمد حامد ببشاته ورحب بي، وسألني: هل تغذيت؟ قلت له: لا أجيت الساعة الواحدة، قال: ولا يهمك بايجي الغذاء بعد قليل ونتغذى سوى.
وهكذا.. بدأت في «الأيام» مع الأستاذين باشراحيل والعولقي، بخطى واثقة وبراتب محترم 300 شلن بعرف ذلك الزمان.
وفي «الأيام»، لم أكتف بمهامي الرسمية في تسجيل وتفريغ الأخبار من نشرات الإذاعات، وتصحيح البروفات.. وإنما وجدت المجال واسعاً لأصول وأجول في ممارسة مختلف أنواع الكتابة الصحافية من صياغة الخبر إلى كتابة المقال والعمود اليومي إلى التغطيات الصحافية الميدانية.. وكل ذلك وجدته وما دفعني إلى خوضه، التشجيع والتحفيز والدفع الذي وجدته من الأستاذين باشراحيل وعولقي.
كرم وشهامة
ومن مميزات أ. عولقي التي يفتقد إليها في هذا الزمان، أنه كان شهماً وكريماً سخياً ومعطاءً بلا حدود لا يهنأ بلقمة غذاء، إلا مع لمة من الزملاء في الصحيفة حول "برتن أبو البراتن" يأتي يومياً من بيته، أو في أيام الجمعة في بيت العائلة، إذ كان غذاء "الجمعة" عبارة عن مأدبة عامرة تضم ما بين 10 - 15 شخصاً، ويحضر لها من اليوم السابق الخميس، الفنان المرحوم الشيخ أحمد عوض الجراش، الصديق المقرب للأستاذ محمد حامد، الذي يأخذ 10 دنانير أي 200 شلن فقط من أ. عولقي لشراء كل مستلزمات المأدبة من لحوم وكبدة ودقة وأسماك وخضار وفواكه وغيرها.
رحيل من دون وداع
ويحز في نفسي الألم، إنني على مدى السنوات القليلة الماضية، كنت أعتزم وأخي تمام باشراحيل، البحث عن عنوان أو هاتف أ. محمد حامد لزيارته والسلام عليه، ولكن يبدو أن مشاغل الدنيا ودوران عجلاتها المتسارعة، عجلت برحيل أستاذنا من دون وداع، إلا من على صفحات «الأيام»، التي أحبها وأحبته وشهدت أزهى سنوات عمره وأعمارنا.