الإدارة الذاتية والهدف الإستراتيجي

>
منذ إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي للإدارة الذاتية برزت رؤى مختلفة حول علاقة هذه الإدارة بالهدف الإستراتيجي للمجلس الانتقالي والمثبت في وثائقه والمتمثل في (استعادة السيادة وبناء الدولة الجنوبية الفيدرالية  المستقلة كاملة السيادة على حدود ما قبل 22 مايو 1990م)، والتبس المفهوم عند البعض فيما تعمد البعض الآخر على تكييفه لصياغة رؤية تخدم أهدافه.

هناك من يسأل: هل أعد المجلس الانتقالي نفسه للإدارة الذاتية؟ وهل هو جاهز للتعامل مع ردود الأفعال المختلفة؟ وهل هو أيضا قادر على حل كل المشكلات والخدمية في مقدمتها؟ وهل التحالف والمجتمع الدولي معنا؟ وبشكل عام يمكن يقال هل نحن لا نلاقي صعوبات ولا أحد يعترض طريقنا أو يحاربنا ولن نفشل؟
هذه الأسئلة وغيرها يمكن النظر إليها باهتمام لكن علينا النظر للوجه الآخر.

هل عندما يتطلب الواقع منك مواجهة التحدي تقول لا أنا لست جاهزا، والتحالف والمجتمع الدولي غير موافق لي  ولا أستطيع مواجهة ردود الفعل ولن أستطيع حل المشكلات وفي المقدمة الخدمية؟ وبالتالي عليّ أن أتخلى عن معاناة شعبي أو أستدعي الحكومة لتعود ثانية لتعبث فيه وفي حياته وأفتح لهم الخط من شقرة لدخول عدن ونفرط بالإنجازات التي تحققت بتضحيات جسام تحت مبرر أننا لسنا جاهزين، وهل لو حصل هذا فعلا ستحل هذه المشكلات التي يتوقع أن تعترض طريق الإدارة الذاتية، ولماذا لم يعملوها خلال السنوات المنصرمة؟

إننا حين نقول إن إعلان الإدارة الذاتية جاء استجابة منطقية للواقع والوضع الحالي فإن ذلك يعني الكثير والذي يجيب على مثل هذه الأسئلة.
وبشكل عام فإن المجلس الانتقالي كقيادة سياسية وكيان وطني جنوبي ومعه أغلب الجنوبيين يمضي بخطى ثابتة في  الإدارة الذاتية استنادا إلى إعلان عدن التاريخي الصادر في 4 مايو 2017م، في مادته الثالثة التي تفوض القيادة السياسية بإدارة الجنوب، فيما ذهب البعض إلى المساواة بين الإدارة الذاتية والخدمات، بل وأضافوا أن المجلس الانتقالي لم يأتِ من أجل حل مشاكل الخدمات بل من أجل الهدف الإستراتيجي، كما ذهب آخرون إلى الاتجاه الآخر وتصوير أن الإدارة الذاتية هي تراجع عن الهدف الإستراتيجي واستمرار ليمننة الجنوب العربي، أما الحكومة اليمنية فترى أن هذا انقلاب على السلطة وتساوي بينه وبين انقلاب الحوثي في صنعاء بل وإدارة فوهات مدافعها ودباباتها وجيوشها من مواجهة الحوثي واتجهت نحو الجنوب وتقدمت إلى شقرة وبدعم وتضامن من بعض القبائل اليمنية والشرائح السياسية التي تحمل أفكارا عنصرية واستعمارية تجاه الجنوب وشعبه وسيادته وهويته وثرواته، وسلمت مواقع كانت فيها لمواجهة الحوثي في نهم والجوف ومأرب والبيضاء للحوثي، وطلبت، كما أشار محمد البخيتي عضو المجلس السياسي للحوثيين، بأن يكثفوا هجومهم على جبهات الضالع وبقية الجبهات مع الجنوبيين للتخفيف عليهم في جبهة شقرة وليسهل عليهم الانقضاض على عدن، وهناك من يرى أن إعلان الإدارة الذاتية في هذا الظرف والمحافظات الشرقية لازالت تحت الاحتلال اليمني ما هو إلا تطبيق للأقاليم الستة وتقسيم الجنوب إلى إقليمين، وآخرون يرون أن التركة ثقيلة وأن المجلس الانتقالي لا يستطع إدارة الجنوب وسيفشل في أول الطريق.

إن كل تلك الرؤى يمكن أن تؤطر في رؤيتين أساسيتين: رؤية مع إعلان الإدارة الذاتية وأخرى ضدها، وإن اختلفت المبررات وصياغة الأفكار داخل كل رؤية.
الرؤية الأولى وتتمثل في المضي إلى الأمام في الإدارة الذاتية والتي تنظر إليها بخلاف الرؤى الأخرى بأنها خطوة ضرورية وملحة على طريق تحقيق الهدف الإستراتيجي.

فهي تمكن الجنوبيين من إدارة وطنهم وبناء الأسس الأولية لدولة الجنوبية المنشودة وهي في نفس الوقت تحرير للجنوبيين من الابتزاز بمختلف صوره، وأهمها السياسية ومقايضتهم بأهدافهم وتطلعاتهم النبيلة بالفتات من الخدمات والمعاشات، ولو كانوا جادين لعملوا شيئا خلال الثلاثين العام الماضية وليس تدمير كل ما كان قائما من خدمات ووظائف ورواتب وغيرها، ونشر الفساد والنهب وتكريس السلوك والأخلاق المشينة ونشر الفوضى وزعزة الأمن والاستقرار هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا يمكن أن يترك المجلس الانتقالي الجنوبي شعب الجنوب يتعذب في معيشته وخدماته وأمنه واستقراره، نتيجة للممارسات الحكومة اليمنية، فعليه واجب وطني وأخلاقي وإنساني في إنقاذ الشعب من خلال الإدارة الذاتية ولا يمكن أن يترك الجنوب ضحية ورهينة لحين تحقق قوى سياسية وإقليمية أهدافها، فكان إعلان الإدارة الذاتية استجابة منطقية لذلك الواقع ولا يوجد خيار آخر للمجلس الانتقالي الجنوبي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه غير هذا السبيل. 

الرؤية الأخرى وهي أكثر تشعبا وأكثر التباسا وتدليسا وانتهازية وووو... فمن غير المنطقي أن يُترك جزء مهم من الشعب الجنوبي في عدن والمناطق المسيطر عليها الانتقالي لعبث حكومة الفساد اليمنية لحين تحرير بقية المحافظات من مليشيات تحالف حرب 94م ضد الجنوب، والتي تتحكم في إنجازه عدة عوامل تأتي بعضها في إطار تحالف الضرورة للمجلس الانتقالي مع الآخرين ولا يعني ذلك بأي حال من الأحوال تقسيم الجنوب أو التنازل عن جزء حيوي وهام لدولة الجنوبية المنشودة أو السير في ركب الحوار اليمني في موفمبيك بصنعاء، بل إن إعلان الإدارة الذاتية في هذه المناطق يعني خطوة أولى على طريق أن يشمل كل الجنوب بحيث يد تعمل في المناطق المحررة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه وتحسين معيشة وخدمات الناس ومجابهة الكوارث والأوبئة وبناء أسس الدولة المنشودة، ويد أخرى تدافع وتناضل لاستكمال دحر القوات المعتدية والناهبة لثرواتنا، وهذا الأمر ينطبق على من يطرح أن الإدارة الذاتية تتناغم مع العودة ليمننة الجنوب.

أما القول بأن المجلس الانتقالي جاء من أجل الهدف الإستراتيجي وليس من أجل الخدمات، فهو طرح مردود عليه  أولا، لأنه يساوي بين الإدارة الذاتية والخدمات، ولا يرى أن الإدارة الذاتية خطوة على طريق تحقيق الهدف الإستراتيجي وهو لا ينطلق من فكرة أن علينا أن نصل بشعبنا إلى يوم الخلاص بأقل تكاليف وهو صحيح ومتعافٍ وخالٍ من كل الأمراض.. فإذا لم ينقذ الشعب من هذه الكوارث والأوبئة وحرب الخدمات والرواتب وتضل تلك الضروريات مرهونة إلى ما بعد تحقيق الهدف الإستراتيجي فهو أمر قد يجد فيه المجلس الانتقالي نفسه بعيدا عن معاناة شعبه وقد يوصلهم إلى يوم الخلاص وهم جثث هامدة.

والأهم من ذلك هو أن يرتب المجلس الانتقالي الأولويات الأكثر إلحاحا ويستنهض كل الطاقات الجنوبية المعطلة ويستفيد من خبرات الكوادر والأكفاء والنزيهين، وأن يبدع في إنتاج آليات العمل والرقابة وتحقيق نجاح سريع، وفي نفس الوقت على الشعب في الجنوب أن يلتف حول قيادته وأن يصبر ويتحمل حتى ترتب الأمور، لأنه ليس بيد المجلس الانتقالي عصا سحرية ينهي من خلالها تركة 30 عاما.

إننا سنصبر وسنتحمل وسنضحي من أجل مستقبل آمن ومزدهر لأجيالنا القادمة ومن أجل عزتنا وكرامتنا وحريتنا وهويتنا.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى