قبح الله من شوه وجهك الجميل يا عدن

> ظلت عدن منذ فجر التاريخ بندر الدنيا وقبلتها بما تميزت به من حضارة ونظام وأمن وأمان وتعايش سلمي بين أطياف المجتمع العدني الذي قدم إليها من مختلف أصقاع الكرة الأرضية. فمنهم من جاء من أوروبا، ومنهم من جاء من الهند والباكستان وأرض فارس، ومنهم من جاء من شبه الجزيرة العربية، ومن القرن الأفريقي، وهناك كثيرون ممن نزحوا إليها من مناطق الجنوب الشرقية والغربية، ومن مختلف مدن ومناطق اليمن الشمالي، جميعهم قدموا إلى بندر عدن لممارسة التجارة والعمل في المهن والحرف الفنية المختلفة، فضلا على العمل في مختلف الخدمات المدنية والعسكرية والأمنية. جاءوا فاستقروا في هذه المدينة المتميزة بالصفات الطبيعية الخلابة، فتعددت عناصر المجتمع العدني. تعددوا لكنهم اجتمعوا تحت سقف واحد، سقف المحبة والتعاون والاحترام فيما بينهم. جلهم توحدوا تحت مظلة الأمن والنظام والقانون الذي هو فوق الجميع. كلهم متساوون في الحقوق والواجبات؛ فتعايشوا في مجتمع مدني حضاري مسالم.

وبحكم موقعها الجغرافي الاستراتيجي المتميز، الواقع على طرق الملاحة العالمية بين الشرق والغرب، ازدهرت عدن ازدهاراً كبيراً، وشكل ميناؤها الشهير الذي احتل المركز الثالث بين مواني العالم - شكل دورا اقتصادياً هاماً كان له أثر إيجابي على المستوى الاقتصادي لأفراد المجتمع، إذ كان يستقبل مئات السفن التجارية شهرياً القادمة من مختلف القارات.

وشهدت عدن منذ القرن التاسع عشر ازدهارا تعليميا من خلال إنشاء عشرات المدارس وعشرات المعاهد التقنية والفنية التي خرّجت المئات من الكوادر المتخصصة في مختلف المجالات، فكان التعليم بكل فروعه وتخصصاته حجر الزاوية في ازدهار المجتمع ورقيه ومستوى وعيه الحضاري.

وشهدت عدن نهوضا في العديد من الصناعات والحرف الفنية مثل صناعة السفن والقوارب، فتم إنشاء شركات متخصصة في صناعة السفن والقوارب وصيانتها منذ مطلع عشرينات القرن المنصرم، وتأسست عدة شركات لصناعة الملح وتصديره، إذ يعود تاريخ إنشاء أول شركة للملح إلى العام 1886م، وهو نفس العام الذي تأسست فيه الغرفة التجارية والصناعية العدنية التي اضطلعت بدور تنظيم التجارة والعناية بالتجار وأصحاب الصناعات. وخلال خمسينيات القرن المنصرم شهدت عدن إنشاء أكبر مرفق اقتصادي تمثل في إنشاء مصفاة عدن لتكرير النفط التي دشنت إنتاجها في الـ 29 من يوليو 1954م، وتزامن ذلك الحدث مع افتتاح أكبر منشاة صحية، وهو مستشفى الملكة (إليزابيث الثانية)، فكان أكبر مستشفى على مستوى الجزيرة والخليج، وشكل مرفقا صحيا مرجعيا لعدن والمناطق الجنوبية شرقا وغربا وللمناطق الشمالية في المملكة المتوكلية اليمنية وبعض بلدان الجوار.

وقبل ذلك شهدت عدن تأسيس أول نادٍ رياضي على مستوى عدن وبلدان الجوار وبعض دول العالم العربي، ذلكم هو نادي M.c.c الذي ظهر في العام 1905م، فسبقت عدن في الجانب الرياضي دول الجوار وعددا من الدول العربية.

وفي الجانب الثقافي والإعلامي ، تأسست عدد من الصحف والمطابع بدءا من العام 1940م الذي تأسست فيه مطابع وصحيفة "فتاة الجزيرة"، ودشنت إذاعة عدن بثها في العام 1954، وكانت ثاني إذاعة في الوطن العربي بعد إذاعة صوت العرب. وأُنشئ تلفزيون عدن في العام 1964م، وكان أول تلفزيون على مستوى دول الجزيرة والخليج. أما دُور السينما والمسارح الثقافية، فقد ظهرت منذ مطلع العشرينيات.

هكذا كانت عدن كما عرفها أهلها، وعرفها العالم مدينة الحضارة والعلم، مدينة الثقافة والاقتصاد، مدينة الأمن والأمان، مدينة التآخي والحب والانسجام بين أبنائها بمختلف انتماءاتهم المناطقية، عدن التي يؤمها الزائرون من كل بقعة في الأرض، ويعجبون بها.

ولكن اليوم، بفعل الفاعلين الحاقدين على هذه المدينة، تحولت عدن إلى مدينة، بل قرية، حلت فيها المصائب، وأشيعت فيها الفوضى، وتردت جميع الخدمات، وضعفت مؤسسات العلم والتعليم، وانتشر فيها مرض المناطقية والقبلية الجاهلية، وحلت الكراهية فيها بدلاً من الحب بين أفرد مجتمعها، كل ذلك بفعل الحاقدين على عدن الذين دمروا المؤسسات الاقتصادية والخدمية، ودمروا المعالم الحضارية والتاريخية، وقبل ذلك دمروا القيم النبيلة والأخلاق الفاضلة، وعمموا الجهل والعنجهية، وشجعوا البلطجة لدى ضعاف النفوس، فترى كثيرا من شبابنا قد استبدلوا كتب العلم والمعرفة باقتناء أدوات القتل والتدمير من مختلف أنواع الأسلحة، وتجد العديد منهم مدججين بالأسلحة يجوبون شوارع وأسواق المدينة وهم حفاة وشعر رؤوسهم كثيف. مناظر تثير الرعب والاشمئزاز لدى الناس وخاصة من عاصر القوانين المدنية، ومنها قانون العصار الذي صدر عام 1964م والذي نظم وحدد نوع ووزن العصا التي يحملها المواطن في هذه المدينة الحضارية مدينة السلم والسلام.

ختاما، لابد من صحوة سريعة ترمم هذا الضرر الذي لحق بعدن، وتعيد ولو شيئا من قيمها وأخلاقها الماضية التي اندثرت بفعل الحاقدين الذين يتشدقون كذبا وزورا بحبهم لعدن.

نسال الله أن يعيد لهذه المدينة مجدها وعزتها إنه على كل شيء قدير.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى