الإدارة الذاتية للجنوب المبررات والنتائج

>
لم يكن الجنوب العربي على مدار التاريخ جزءاً من أي دولة، بل كان باستمرارٍ كياناً مستقلاً بذاته له هويته وخصوصياته وعاداته وتقاليده لم يعرف النظام المركزي، بل كان ينتهج الإدارة الذاتية له ككيان أو كمكونات لهذا الكيان، وفي نهاية النصف الأول من القرن الماضي تكونت له مؤسسات موحدة: مجلس تشريعي وجهاز قضائي وحكومة بوزارات قطاعية ووحدات إدارية لأكثر من 23 وحدة إدارية كل منها تدير ذاتها، والعاصمة عدن إدارة بذاتها، وفي نهاية ستينات القرن الماضي تأسست دولة في الجنوب العربي  باسم (ج ي ج ش) مستقلة بذاتها كاملة السيادة إلى أن دخلت في مشروع وحدة مع (ج ع ي) في 22 مايو 90م، لكنها تعثرت وفشلت وشنت (ج ع ي) عليه حرباً في 94م لإخضاعه بالقوة ووقع تحت الاحتلال اليمني، حيث تم ضمه وإلحاقه بـ (ج ع ي) بالقوة العسكرية، لكنه ظل يقاوم ذلك الاحتلال سلمياً وعسكرياً، وتدهورت فيه الأوضاع من خدمات ومعيشة وأنشطة اقتصادية وأمن واستقرار، وقد كان ذلك الاحتلال يترنح تحت ضربات الحراك السلمي الجنوبي فجاءت غزوة 2015م من قِبل اليمنيين (الحوثيين) فوقف لهم شعب الجنوب بالمرصاد مقدماً التضحيات الجسام بعد هروب كل القيادات الإدارية والسياسية التي جاءت من صنعاء خلال فترة احتلاله لتحكمه، وترك وحيداً يقاوم ذلك الغزو حتى حرر أغلب أراضيه بدعم من الأشقاء في التحالف العربي، ولكنه حينها لم يكن يمتلك قيادة قادرة على التقاط الفرصة وتشكيل إدارة ذاتية، وتم تعيين قيادات إدارية وعسكرية له من قِبل الحكومة اليمنية التي تركتها وحيدة، وأرادت بذلك تقويض انتصاره وإعادة احتلاله مرة أخرى، وفي مايو 2017م تمكن من تشكيل كيان سياسي لإدارته هو المجلس الانتقالي الجنوبي، وحاولت الحكومة اليمنية الهاربة في الرياض التقويض من ذلك، لكنه مضى إلى الأمام وتمكن من السيطرة السياسية والأمنية على أرضه.

وبدأت الحكومة اليمنية بمحاربته ومعاقبة شعب الجنوب فيما سمي بحرب الخدمات كما اعترف بذلك وزير خارجية الحكومة اليمنية حينها، وقال إن حرب الخدمات هذه تهدف إلى منع شعب الجنوب من فك ارتباطه معها واستعادة سيادته على أرضه.
فتدهورت الخدمات (التعليم، والصحة، والكهرباء، والمياه، والإصحاح البيئي، والاقتصاد وتوقفت عجلة دورانه وغير ذلك)، وعانى شعب الجنوب وتدنى مستوى معيشته، وانتشرت الأمية والفقر والأمراض بعد أن نهب الاحتلال مؤسساته وثرواته وحاول طمس هويته، وفي مطلع 2020م عند وصول جائحة كورونا التي اجتاحت العالم أغلقت في وجه المصابين المستشفيات واختفى الأطباء، ولم تتوفر وسائل الوقاية والعلاجات الدوائية، إضافة إلى ما يعانيه من فقر مدقع حلت به كارثة الأمطار والسيول بسبب الإهمال للبنية التحتية والعشوائية التي انتهجها الاحتلال، وتضررت منازل السكان وغرقت بالمياه التي اختلطت بالمياه الآسنة التي لم تجد المنافذ لتصريفها، وانتشرت الأوبئة والحميات واشتد فقر الجوع، ونخر الفساد منظمات الإغاثة الإنسانية، وانقطعت خدمات المياه والكهرباء وأوقفت المرتبات على الموظفين والمتقاعدين والإعانات الاجتماعية، وكانت حكومة الفساد تنهب إيراداته وتتركه يعاني حتى لا يفكر كما قال وزير خارجيتهم بتقرير مصيره وفك الارتباط عنهم، فكان أمراً واقعاً ولزاماً على المجلس الانتقالي الجنوبي أن يعلن الإدارة الذاتية.

الإدارة الذاتية هي نظام اللامركزي في إطار الدولة البسيطة تنظم الإيرادات، وحسن استخدامها لخدمة السكان المحليين، وإضافة إلى الأسباب المذكورة آنفاً التي أدت إلى إعلان الإدارة الذاتية فلها من الأسانيد القانونية ما يجيز إعلانها وممارستها، وقد باشرت عملها برؤية إستراتيجية، وواجهت جائحة كورونا وبقية الحميات وواجهت آثار كارثة السيول بتنظيف المدن الرئيسية ومعالجة مشاكل المياه والكهرباء والرواتب ومعاشات التقاعد والإعانات الاجتماعية ولازالت في بداية الطريق، والمؤشرات تبيّن نجاحاً باهراً في مختلف المجالات التي ذكرناها سابقاً، وتم فتح حساب للإيرادات المحلية وتشكيل لجان إشرافية ورقابية على المؤسسات الخدمية والاقتصادية، والتي تخطط قيادة الإدارة الذاتية لتأهيلها وتدريبها لتأدية مهامها، وفي المقدمة مكافحة الفساد.

1 - ظل الجنوب العربي لقرون عديدة يتمتع بإدارة مستقلة، ولم يكن يوماً من الأيام جزءاً من دولة أخرى.
صحيح وقع تحت الاحتلال لعدة مرات، لكن لم يفقد هويته وخصوصيته، بل ظل يتمتع بهويته الخاصة واستقلالية تامة، وحتى في إطاره الخاص لم يكن ذا نظام مركزي شديد، بل كانت مكوناته دائمة النزوع إلى الاستقلال الذاتي، فكانت تلك السلطنات والمشيخات التي تكون في اتحادها الجنوب العربي لحوالي ستة قرون تتمتع بالإدارة الذاتية.
2 - كانت الوحدات الإدارية المكونة للجنوب العربي تتمتع بحدودها وملكياتها وإدارتها الخاصة العرفية والقبلية والماطرة في شكل عقود بسيطة بين أفرادها.
3 - يمتلك الجنوب خبرات تراكمت في إدارة شؤونه كانت ناجحة، وكانت فترة ضمه وإلحاقه بصنعاء فترة تدهور وانهيار في مختلف جوانب الحياة.
4 - توجد مقومات اجتماعية واقتصادية وثقافية ومؤسسية وإدارية وقيادية وحاضنة شعبية للإدارة الذاتية.
5 - تدهور الأوضاع الصحية وانتشار الأوبئة والتدهور البيئي والخدمي والاقتصادي والأمني لا تمكن مجابهة تحدياته إلا بالإدارة الذاتية وحشد كل الجهود المحلية لذلك.
6 - تخلي السلطة المركزية عن تأدية مهامها بشكل متعمد، كما أوضح وزير خارجيتها الأسبق ظناً منها أن بذلك تمنع شعب الجنوب من فك ارتباطه بصنعاء.

وهناك أسباب أخرى كثيرة قد لا يتسع المجال لتعدادها، ونكتفي بما تم ذكره آنفاً الأسباب.
لقد تأخر إعلان الإدارة الذاتية للجنوب التي كان يفترض أن تعلن بعد تحرير عدن وبقية محافظات الجنوب من الغزو اليمني الحوثي في 2015م، وجرت بعد ذلك بحوث ودراسات لإمكانية تطبيق الإدارة الذاتية للجنوب، وتضمن إعلان عدن التاريخي في 4 مايو 2017م تفويض القيادة السياسية في إدارة الجنوب، ووضعت خطة متكاملة لذلك بعد تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي تحديداً بعد إعلان تشكيل هيئة رئاسة المجلس، وجرت محاولات عدة لإعلانها كان أبرزها بيان 3 أكتوبر 2018م، وأصبحت الأوضاع الصعبة والمعاناة التي تعيشها عدن وبقية المحافظات لا تحتمل استمرار السيطرة المركزية لحكومة الفساد التي تخلت عن احتياجات شعب الجنوب، بينما يلتهم الفساد موارده، وشعبه يعاني الأمرين.

وبناءً على توصية الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي في دورتها الرابعة المنعقدة بعدن قد اتخذت قراراً بشأن إدارة الجنوب، وكلفت الهيئة الإدارية للجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي بمتابعة ذلك، حيث قامت الهيئة الإدارية بإعداد دراسة خلصت إلى عدة توصيات بشأن الإدارة الذاتية التي قدمت لهيئة رئاسة المجلس الانتقالي الذي كلف الهيئة الإدارية للجمعية الوطنية والأمانة العامة لهيئة الرئاسة بتقديم رؤية لتنفيذ ذلك، والتي على أساسها صدر قرار رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي بتشكيل اللجنة العليا للإدارة الذاتية برئاسة اللواء الركن أحمد سعيد بن بريك رئيس الجمعية الوطنية.

وتم تكليف اللجنة القانونية بإعداد اللائحة الداخلية للجنة العليا للإدارة الذاتية واللائحة الداخلية للجان الرقابة، وشكلت اللجنة الاقتصادية ولجاناً أخرى لم تعلن بعد، وتوجد قائمة بأسماء اللجان الإشرافية والرقابية في القطاعات والمؤسسات العامة والوحدات الاقتصادية (على المستوى الرأسي)، والوحدات الإدارية (على المستوى الأفقي) أي على مستويات السيادة، ولازال أمام قيادة الإدارة الذاتية المزيد من الإجراءات التنظيمية والإدارية والتطوير المؤسسي لممارسة مهام الإدارة الذاتية بشكل منظم، فهذا البناء المؤسسي هو واحد من النتائج لعمل قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي في إطار الإدارة الذاتية، ولا بد من الإشارة إلى أن المجلس الانتقالي قد بني على أساس مستويات السيادة لإدارة الجنوب، وحقق نجاحاً على المستوى الأفقي (الوحدات الإدارية)، وكان هناك نقص على المستوى الرأسي، وهو ما غطاه قرار رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي بشأن تشكيل لجنة الإدارة الذاتية.

إن الإدارة الذاتية برئاسة اللواء أحمد سعيد بن بريك، وبالتفاف جماهير شعب الجنوب حولها قد حققت نجاحات على صعيد مكافحة فيروس كورونا، وبقية الحميات وواجهت تدهور الوضع الصحي بشكل عام بإعادة افتتاح المستشفيات والمستوصفات والمراكز الصحية بجهود ذاتية، ودعم الرأسمال الوطني الجنوبي، كما واجهت كارثة الأمطار والسيول بتنظيف أحياء وشوارع عدن من مخلفات تلك الكارثة، وفتح ملف الإغاثات الإنسانية وإنقاذ قطاع المياه وقطاع الكهرباء من حالة التدهور التي كانت تشهدها المحافظة، ووصلت المياه إلى أحياء لم تكن تصلها من سنوات، واستتب وضع الكهرباء برغم أن ذلك دون الطموح، لكن من المهم التشديد على الإدارة الذاتية بالوفاء بالعهود، وفي وقتها بالتحسن في وضع الكهرباء، وتم الحفاظ على الأمن والاستقرار، وحالياً تجري معالجة دفع مرتبات العسكريين، كما تم التحفظ على النقود من الطبعات الجديدة التي كانت في طريقها للفساد وإحداث التضخم الكبير وانهيار العملة برغم أن حكومة الفساد تتحكم بعائدات النفط المصدر من ميناء الضبة والنشيمة والتصرف بالطبعات المتتالية من النقود التي تقدر بحوالي ترليوني ريال يمني.
ولازالت الإدارة الذاتية في بداية المشوار، وتحتاج إلى تكثيف الجهود لتطوير وتحسين الأداء.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى