الحوثيون وأزمة «اتفاق الرياض»

> صادق الطائي

>
بات التوتر سمة الوضع في جنوب اليمن، توتر تحول إلى صدامات مسلحة لم يوقفها اتفاق الرياض الذي رعته السعودية في نوفمبر 2019، إذ بقي تقاسم السلطة والنفوذ على الأرض دون تغيير منذ ذلك التاريخ، فقوات حكومة عبدربه منصور هادي المدعومة سعوديا تسعى جاهدة لاستعادة مواقعها في عدن عاصمة الجنوب التي طردتها منها قوات المجلس الانتقالي برئاسة عيدروس الزبيدي المدعومة إماراتيا، وفي محاولة لتفعيل الجانب السياسي من "اتفاق الرياض" قامت السعودية مؤخرا بالضغط على حكومة هادي والمجلس الانتقالي لتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم عناصر من الشمال والجنوب ويتشارك فيها الحليفان، ويتم إلغاء قرار الإدارة الذاتية الذي أطلقه المجلس الانتقالي في أبريل في المدن التي يسيطر عليها في جنوب اليمن كخطوة أولى في طريق الانفصال، لكن يبدو أن الواقع على الأرض مازال رافضا للتقارب بين جناحي الجنوب، الممثلَين للتحالف الذي يقود حربا على قوات الحوثيين المدعومة إيرانيا في الشمال.

واقع الصراع على الأرض
تجددت الاشتباكات بمحافظتي أبين وعدن جنوب اليمن يوم 31 يوليو بعد يومين فقط من الإعلان السعودي عن الاتفاق الجديد الذي عرف إعلاميا باسم "اتفاق الرياض 2" لوقف إطلاق النار بين قوات حكومة هادي وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي، إذ شهدت مناطق الصراع مواجهات عنيفة بين الطرفين رافقها قصف مدفعي متبادل. وهذا الأمر يعني عدم نجاح المساعي السعودية في احتواء الصراع بين الشركاء، وتمسك الإمارات بحصة الأسد التي لا تريد التنازل عنها عبر دفع ممثلها، المجلس الانتقالي، إلى مزيد من التزمت وفرض سياسة الأمر الواقع على الأرض، بالرغم من تنازله عن قرار الإدارة الذاتية في المناطق التي يسيطر عليه الذي أعلن عنه في أبريل، إلا أن المجلس الانتقالي الجنوبي كسب فوزا سياسيا بالحصول على صفة التمثيل الشرعي مناصفة مع حكومة هادي، فانتقل من جناح المتمرد إلى جناح الشريك الحكومي.

من جانب آخر تجدر الإشارة إلى موقف فصيل يمني مؤثر في جنوب اليمن هو "المجلس الأعلى للحراك الثوري لتحرير واستقلال الجنوب" الذي عرف بمواقفه المناوئة للسعودية والإمارات، والذي طالب مرارا بخروج التحالف الذي يصفه بـ "الاحتلال" من المحافظات الجنوبية، وقد أعلن المجلس رفضه أي اتفاقات تنتقص من مطلب انفصال الجنوب، في إشارة إلى التعجيل في تطبيق "اتفاق الرياض" الموقع بين حكومة هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي لتطبيع الوضع في عدن عاصمة الجنوب اليمني. إذ قال حسن باعوم رئيس المجلس في كلمة مسجلة يوم 3 أغسطس إننا نرفض "أي اتفاقات أو مبادرات لا تلبي تطلعات الشعب (سكان الجنوب) في إقامة دولته المستقلة". وأضاف أنه وجه "قيادات الحراك في كافة المحافظات الجنوبية بتصعيد العمل الثوري، وتشكيل لجان للتواصل مع مختلف القيادات الجنوبية، بما فيها العسكرية والأكاديمية المؤمنة بالتحرير والاستقلال". وأوضح أن هذه الخطوة "تأتي من أجل رص الصفوف لمواجهة من ينتقص من الحق الجنوبي"، في إشارة إلى المجلس الانتقالي، المدعوم إماراتيا.

الموقف الحوثي
ويبدو أن الوضع المتوتر في الجنوب يصب في مصلحة حركة أنصار الله الحوثية المسيطرة على شمال اليمن والعاصمة صنعاء، إذ إن انشغال جناحي الخصوم في صراعات داخلية سيضعفهم بالتأكيد، ويشغلهم عن الصراع مع خصمهم المشترك، هذا بالإضافة إلى المكسب السياسي الذي اتضح للمراقبين منه أن طرفي النزاع الجنوبي المدفوعين بأوامر سعودية وإماراتية لا تهمهما مصالح اليمنيين بل يهمهما تنفيذ أجندات رعاتهما السعوديين والإماراتيين فقط، بالإضافة إلى العزف على نغمة انفصال الجنوب التي يتغنى بها أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي، بينما يؤكد الحوثيون على ضرورة وحدة اليمن، كل ذلك اعتبر نقاطا تسجل لصالح الحوثي في صراعه مع حكومة هادي والمجلس الانتقالي.

من جانب آخر يبدو أن الجهود الأممية في المصالحة بين حكومة عبدربه منصور هادي وحركة أنصار الله لا تحرز تقدما يذكر على الأرض، فمع كل خطوة تخطوها المفاوضات إلى الأمام يصر طرفا الصراع على الرجوع خطوتين إلى الوراء عبر تصعيد القتال وفتح جبهات جديدة تزيد الطين بلة في الوضع اليمني المأساوي.

وقد شدد مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن جريفيثس، يوم الثلاثاء 29 يوليو، في إحاطته لمجلس الأمن الدولي حول الوضع في اليمن على ضرورة التوصل إلى حلول جذرية لإنهاء الحرب في البلاد، ووقف الأزمة الإنسانية والاقتصادية. وقال جريفيثس "من المهم أن يواصل الطرفان المشاركة في المفاوضات، ويجب أن تكتمل المفاوضات قبل فوات الفرصة السانحة"، في إشارة إلى الحكومة اليمنية والحوثيين. وتهدف هذه المفاوضات إلى التوصل إلى إعلان مشترك يتضمن اتفاقاً حول وقف لإطلاق النار في البلاد، وتدابير اقتصادية، وإنسانية، واستئناف العملية السياسية الهادفة إلى إنهاء الصراع بشكل شامل.

وذكر المبعوث الأممي أن الوضع العسكري لم يتحسن في الشهر الماضي، وذكر في إحاطته "لم يتحسن الوضع العسكري خلال الشهر الماضي. وقد تسبب استمرار الحملة العسكرية ضد مأرب في عواقب إنسانية واقتصادية وخيمة، كما يمكن لاستمرار تلك الحملة أن يقوض بسهولة احتمالات التوصل إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق النار في عموم البلاد لإنهاء القتال الدائر. لا ينبغي الاستهانة بالأهمية الاستراتيجية لمأرب، ولهذا أشرنا إليها في العديد من المرات. وأدعو إلى اتخاذ خطوات فورية وعاجلة لوقف التصعيد الآن أكثر من أي وقت مضى".

أما الوضع في الحديدة، الميناء الذي يعد الشريان الحيوي الأخير لإيصال المساعدات الإنسانية لشمال اليمن، فإن مارتن جريفيثس يقول بشأنه "لم ينخفض مستوى العنف في الحديدة، وزاد عدد انتهاكات وقف إطلاق النار. ولا تزال لجنة تنسيق إعادة الانتشار والآليات المشتركة لتنفيذ اتفاق الحديدة لا تعمل"، كما أدان المبعوث الأممي الضربات الجوية ضد الأهداف المدنية والتي تسببت بكوارث إنسانية نتيجة الضربات الصاروخية وهجمات طيران التحالف الذي تقوده السعودية، إذ يذكر جريفيثس "أنا أشعر بالقلق، إزاء الهجمات الصاروخية التي هددت وأصابت مدنيين في مأرب، كما استهجن الهجمات الجوية على الجوف وحجة والتي أودت بحياة ضحايا مدنيين منهم العديد من الأطفال. إنني أدين جميع الهجمات ضد المدنيين والأهداف المدنية، وأدعو جميع المنخرطين في النزاع إلى الوفاء بالتزاماتهم بحماية المدنيين، والأطفال بشكل خاص، بموجب القانون الإنساني الدولي".

الموقف الإيراني
التوجهات الإيرانية كانت رافضة لاتفاق الرياض منذ اليوم الأول لتوقيعه، إذ جاء في التصريحات الرسمية الإيرانية التي صدرت عن وزارة الخارجية الإيرانية في نوفمبر 2019 تعليقا على اتفاق الرياض المبرم بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، إن "اتفاق الرياض بين حكومة منصور هادي والمجلس الانتقالي منقوص، ولن یسهم في حل أزمة اليمن ومشاكله". وأضاف البيان، أن "اتفاق حكومة هادي والمجلس الانتقالي يهدف إلى تثبيت الاحتلال السعودي لليمن مباشرة أو عبر وكلاء"، وتابع "الشعب اليمني لن يسمح باحتلال جنوب اليمن من قبل قوات أجنبية". كما شددت الخارجية الإيرانية على أن "طهران تؤكد أن الخطوة الأولى للحل في اليمن هي وقف إطلاق النار ورفع الحصار الجائر عن الشعب اليمني، وأن الخطوة التالية للحل في اليمن تتمثل في إجراء حوار يمني يمني للتوصل إلى اتفاق بشأن المستقبل السياسي لليمن".

ويشير الكاتب سامويل راماني، الباحث في السياسة والعلاقات الدولية في كلية سانت أنتوني في جامعة أكسفورد، في دراسته عن موقف إيران من (اتفاق الرياض) إلى أن "رغبة إيران في منع التوصل إلى تسوية سلمية بشروط سعودية تنعكس أيضاً في الانتقادات الإيرانية للمفاوضات المدعومة من الأمم المتحدة والتي تتم برئاسة الدبلوماسي والمبعوث الخاص البريطاني مارتن جريفيثس. والحال هو أن التزام الأمم المتحدة المستمر بقرار مجلس الأمن الدولي 2216 الذي يحمّل الحوثيين مسؤولية إشعال شرارة الحرب الأهلية اليمنية، هو مصدر قلق شديد لصنّاع السياسات الإيرانيين. وفي هذا الصدد، تزعم شخصيات بارزة في مجال السياسة الخارجية الإيرانية أن القرار 2216 منحاز للمصالح السعودية ويقطع الطريق على الانتقادات للسلوك العسكري السعودي في اليمن. وادّعت وسائل الإعلام الإيرانية أيضاً أن الأمم المتحدة تنزع نحو التقليل من شأن ما تسببت به السعودية من سقوط ضحايا في صفوف المدنيين في اليمن. وتعتبر هذه الوسائل الإعلامية أيضاً أن الأمم المتحدة تركّز، عن غير وجه حق، على الجوانب البنّاءة في السياسة السعودية في اليمن".

من الواضح أن إيران تسعى إلى قطع الطريق على السعودية كي لا تنفرد بفرض شروط عملية السلام في اليمن، ومن جانب آخر ونتيجة للصعوبات المختلفة التي تعاني منها إيران سيبقى النفوذ الإيراني في اليمن محدوداً، لكن لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتخلى ايران عن دورها في الصراع اليمني وما يمثله الملف اليمني بالنسبة للسياسة الخارجية الإيرانية من أهمية استراتيجية.

"القدس العربي"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى