استقلال اليمن الجنوبي من منظور المجلس الانتقالي الجنوبي

> واشنطن «الأيام» عبد السلام مسعد:

> منذ العام 2015 لا تكاد تتوقف الدعوات الدولية لوقف الحرب في اليمن، وهي دعوة عريضة وراءها رغبة دولية مفهومة بوقف المأساة الإنسانية ومعاناة اليمنيين، التي زادتها وعززتها ويلات الحرب. وفى هذا الصدد يرى العالم، في مقدمته الولايات المتحدة الأميركية، أن للمملكة العربية السعودية الحق في بناء تحالف يبعد خطر الحوثيين عن حدودها على مبدأ أن لا توجد دولة تسكت عن حقوقها إذا ما تم الاعتداء عليها. أما بالنسبة لنا في الجنوب فكان قتالنا للحوثيين في هذه الحرب منطلقاً من جوهر واحد هو تحقيق مشروع القضية الجنوبية.

وبعد سنوات من الحرب المكلفة إنسانياً في اليمن استمر المجلس الانتقالي الجنوبي، ومعظم من يمثلون الشارع الجنوبي في اليمن محافظين على إيمانهم بأن كل المنعطفات التاريخية الأليمة التي يمر بها شعبنا تؤكد لنا على واقعية إصرارنا على استقلال جنوب اليمن، والانطلاق مرةً أخرى إلى بناء دولتنا الجنوبية على أسس ديموقراطية برلمانية فاعلة ومنتجة لسكان الجنوب الذين عانوا عقوداً من التهميش والقمع.

منذ بداية الحرب، وهجمات الحوثيين المزعزعة لاستقرار اليمن والمنطقة، كان جوهر قتالنا لهم هو تحقيق المشروع الجنوبي باستعادة الدولة الجنوبية، الذي هو مشروع وهدف واضح، ويخرج منذ العام 2013 ملايين الجنوبيين في شوارع الجنوب بمظاهرات عارمة للتأكيد على الاستقلال، وهو أمر لا يخجل من التعبير عنه بصراحة أي جنوبي، فمن منطلق التاريخ هو أمر محق حيث كانت دولة جنوب اليمن دولة مستقلة ذات سيادة، ومن منطلق الواقع فإننا قد جربنا الوحدة ورأت الأجيال الجنوبية على مدى أكثر من عقدين من الزمن أن الاندماج ضمن حكومة وحدوية يعني قتلاً ونهباً وظلماً واستبداداً وفساداً وسرقة لحقوق ومقدرات وثروات الشعب الجنوبي. وعلى الرغم من أن المجتمع الدولي قد بدأ مؤخراً فقط في الاهتمام بالمعاناة الإنسانية في اليمن، إلا أن هذا التدهور ابتلى الجنوب لفترة أطول.

ما جرى من إهمال من قبل حكومة هادي لما تعاهدنا عليه في اتفاق الرياض الموقع في الخامس من نوفمبر العام الماضي يشبه إلى حد كبير ما جرى قبل عقود مع نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح، فبينما قبلنا بالسير خطوة باتجاه الأمام لتحقيق طموحات شعبنا بالاستقلال، وانتزاع حقوقه في السيادة على أراضيه عبر اتفاق الرياض والتفاهم على المضي بنوع من التقاسم السياسي لتجنيب المنطقة المزيد من الصراعات الأهلية، قامت الحكومة الشرعية بتجاهل الاتفاق ومحاولة الالتفاف على تطبيقه، بل زادت في الفترة الأخيرة من الإهمال المتعمد الذي تتعامل به حكومة الهادي ضد أهلنا في الجنوب ليعايش الجنوبيون أهل الأرض والمقدرات التي تحكمت بها حكومة هادي طيلة سنوات الحرب الأخيرة من ويلات الجوع والفيضانات وانتشار الأوبئة والأمراض، وفى مقدمتها وباء الملاريا المستمر في منطقتنا، إلى جانب تفشى وباء فيروس كورونا. في غضون ذلك لم نتمكن من تحقيق حقوقنا ليس فقط فيما يتعلق بالتمثيل السياسي وصناعة القرار السياسي، بل أيضاً حقنا في الحصول على المساعدات وعائدات النفط والممرات المائية القادرة على تحسين الوضع المعيشي في مدننا.

وحين أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي الإدارة الذاتية في محاولة لأخذ الخطوة باتجاه تصحيح هذا الوضع الذي لم ينقذه اتفاق الرياض، عادت الحكومة الشرعية إلى سلوك النظام الوحدوي السابق نفسها المتمثل في تهديد شعب الجنوب بالآلة العسكرية والمزيد من القمع والمحاربة، إلا أن المختلف اليوم هو أن المجلس الانتقالي الجنوبي الملتزم بمشروع استقلال شعب الجنوب يملك الآن القوة اللازمة للوقوف في وجه القوة التي استخدمها النظام دائماً لقمع الجنوب طالما أن مسار التفاهم ممثلاً باتفاق الرياض لم يتحقق.

نؤمن بأن مسار الانتقالي الجنوبي البرغماتي سيقود الجنوب إلى انتزاع حقوقه أخيراً، فبوصلتنا الوحيدة هي مشروع استقلال الجنوب فلا يقيدنا "محور ممانعة" وشعارات كاذبة كالتي تحرّك جماعة الحوثي التي ترتبط سيطرتها بالقوة والعنف بمشروع إيران الخبيث في المنطقة، ولا تقيدنا إيديولوجية إخوانية ومصالح متنافرة ورغبات بإرضاء جماعات متطرفة.

والعلاقة التي بنيناها مع أبو ظبي، ويكثر الحديث عنها فهي علاقة عملية بحتة قائمة على اقتناع الإمارات بأن مشروعنا البرغماتي يدور حول هدف يمثل شعبنا ولا يعادي المنطقة، ولا يرغب بحروب أبدية مستمرة لا تنتهي، وعلاقتنا معهم هي جزء من توجهاتنا المنفتحة على كل من يؤمن بحق حلم شعبنا القديم الذي لم يموت رغم سنوات القمع.

كما نؤمن أيضاً بأن قيام دولة مستقلة في الجنوب سيساهم، بشكل إيجابي، في إرساء الاستقرار في محيط هذه المنطقة الملتهبة، وستكون عاملاً يرسي الاستقرار ويحارب التنظيمات المتطرفة مثل تنظيم القاعدة التي نعتبرها بمثابة آفة زرعها نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح في مناطق الجنوب، ويستخدمها اليوم نظام هادي لضمان عدم عودة الجنوب وأهله إلى ما كانت عليه دولة الجنوب كحاضرة عربية يؤمن أهلها بالاعتدال والتعايش. وعليه فنحن عازمون على إنهاء حكم الإرهاب في المناطق الجنوبية، وتنفيذ حملات لمكافحة الإرهاب ضد التطرف المدفوع بالقمع.

في الواقع، لطالما كان الجنوب مجتمعاً تعددياً، ولا ينبغي أن يُنظر إليه على أنه ممثل فقط بمدنه المتعثرة التي واجهت تحديات اقتصادية عميقة منذ قيام الوحدة المشؤومة منذ عام 1990. فصحيح أن اليمن عموماً بما في ذلك الشمال لم يعش في بحبوحة سواءً في عهد صالح أو هادي، إلا أن الجنوب تحديداً عانى من شلل كامل متعمد من قِبل الحكومات المتعاقبة بالقطاع الاقتصادي في أرباح النفط المتواجد بمدننا التي لم نكن نرى منها أي عائد ينعكس على الوضع المعيشي.

وخلال عملنا على معالجة هذه التحديات الداخلية، فنحن نمد أيدينا إلى جميع أفراد المجتمع اليمني، ونسعى لمحاورة الجميع، ونقبل بأي جهة تمثل مشروع الجنوب بأن تكون جزءاً من مشروع المجلس الانتقالي، كما نلقى تجاوباً معنا من خلال مبادرات الدول الوسيطة في المنطقة أو العالم، ولذلك نرى أننا ماضون بالاتجاه الصحيح نحو الاستقلال.

كانت لغة القوة هي اللغة الوحيدة التي استخدمت ضدنا لعقود، لذلك فإن التكافؤ في القوة هو ما قد يغير هذا المسار برغم استعدادنا وانفتاحنا المستمر على المقترحات الإقليمية والأممية لإرساء السلام والاستقرار والمضي لتوافقات سلمية عادلة لشعبنا. باختصار لقد طلبنا أبسط حقوقنا، ولهذا السبب عدنا الآن إلى حلمنا بالاستقلال من أجل الأجيال التي لم ترَ دولة مستقلة ذات سيادة، لكنهم يدركون أن التاريخ لا ينكر أن عدن كانت حاضرة للتعايش والجمال والاستقرار الاقتصادي والسياسي.

عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى

*عبد السلام مسعد هو رئيس مكتب الإدارة العامة للشؤون الخارجية للمجلس الانتقالي الجنوبي في مكتب واشنطن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى