في ذكرى رحيل الأستاذ

>
إذا كان هناك من يستحق أن يطلق عليه أعلى الألقاب وينال أرفع تقدير ووسام في السياسة اليمنية جنوباً وشمالاً، فهو الأستاذ عبدالله الأصنج الراحل بجسده  والباقي بتاريخه النظيف وأعماله ورؤيته الصائبة والواقعية وتواضعه وتعليقاته الشفافة، وتعلمت أنا والكثيرون منه ومن الحديث والحوار معه، واستفدنا ولا أكون مبالغاً في التصريح أنه من أكثر السياسيين والمفكرين الذين تعلمت منهم، واستفدت من نصائحه وتوجيهاته، وفي مراحل مختلفة كنت أراه نموذجاً كبيراً وقريباً وخاصة أنه كان صديقاً مقرباً للعم المرحوم محمود صديق، وبعد مرور سنوات تكررت اللقاءات في أثناء زياراته إلى لندن والقاهرة، وكان آخر لقاء معه في جدة، حيث كان يقيم منذ مغادرته لصنعاء وقام يومها بمرافقتي إلى المطار. وتوفي بعدها بأسابيع وكأنه الوداع الأخير.

لازلت وعدد من الأصدقاء نعتز بكوننا طلاباً في مدرسة الأستاذ ولا زلنا نتذكره بحب وامتنان وتقدير عالي، فقد كان يتمتع بقدرة وذاكرة وعقل وتحليل سياسي منقطع النظير برغم معاناته والإجحاف بمكانته وتعرضه للاعتقال والسجن والحكم بالإعدام الجائر من قبل الهالك علي عبدالله صالح، وشجاعته في محاكمة هزلية كيدية باطلة أصدرت حكماً بإعدامه، ولولا التدخل من الأشقاء والضغط العالمي لكانت جريمة أخرى تضاف لدلك العهد البائد.

كنت مرافقاً للأستاذ أثناء لقاءاته لعدد من الشخصيات السياسية والمفكرين، وأدركت مدى التقدير والإعجاب الذي يكنه الجميع له رغم اختلاف عدد كبير منهم معه سياسياً في مواقف وأحداث مختلفة، فهو رجل سياسة في الجنوب وفي الشمال، وأتذكر عندما قمنا بزيارة للبرلمان البريطاني بدعوة منهم ومازحته قائلاً: أبو محمد كنت في شبابك تطالبهم بالتحرر والاستقلال واليوم نتحدث معهم عما وصل الحال إليه في عدن من تدهور وحالة كارثية.. ابتسم، وقال: كنا نطالب باستقلال عاقل مش جنان، ولا زالت قفشاته وتلميحاته اللاذعة نتداولها مع العديد من محبيه والأصدقاء، وعندما أقابل من عرفوه عن قرب يتذكرونه دوماً بكل خير.

للأستاذ عبدالله الأصنج بصمات تاريخية لا تمحى، فقد أسس مع زملائه المؤتمر العمالي واتحاد النقابات كأول اتحاد للنقابات في الشرق الأوسط بعدن بعد لندن، كما كان وزيراً للخارجية في صنعاء، وفي ظروف استثنائية استطاع إيقاف حرب بين الشمال والجنوب حينها.

هناك الكثير مما يمكن أن يقال بحق السياسي بالفطرة وصاحب التجربة والداهية كما وصفه العديد ممن عرفوه وعملوا معه، وقطعت عهداً أن أكتب عنه أكثر في أقرب فرصة ممكنة، فهناك الكثير مما يمكن أن تتعلمه الأجيال القادمة، وبالتأكيد يستحق كل التقدير.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى