ترتيب البيت الجنوبي أولوية قصوى

> قاسم عبدالرب العفيف

> أعرف أن ما سأتطرق إليه حساس، وأن البعض سيقوم بتأويل ذلك بطريقة خاطئة، والبعض سيقول ليس وقت هذا الطرح، والكثير من الآراء هنا وهناك، لكن لا يوجد شيء غير مسموح التطرق إليه خاصة أن الشأن الذي نتحدث عنه هو شأن عام وليس شأناً شخصياً، وأن الجميع مشتركون في الوطن ولهم الحق في الإدلاء بآرائهم حول مستقبله.

نحن في زمن ثورة الاتصال والتواصل على نطاق واسع، والكل يستطيع أن يتحول إلى صحفي وإلى محلل وزعيم سياسي وعسكري، والكل يدلي بدلوه حول كل ما يخطر على بال أحد، أي الجميع على المحك ولا توجد أسرار دولة أو أمن قومي، وباستطاعة أي شخص الدخول إلى أماكن كانت قبل سنوات تحمل طابعاً سرياً ممنوع الاقتراب منها فما بالك بقضية شعب مثل قضية الجنوب الذي يفترض أن تكون كل مداولاتها تأخذ طابع الشفافية والوضوح، وخاصة أن شعب الجنوب منخرط فيها ومشارك بها بشكل فعال.

تطورات سريعة ودراماتيكية تجري على الوضع في اليمن وفي الجنوب بشكل خاص ووصول الحرب إلى نهايتها المحتومة في نفس الوقت على أبواب حل معضلات كبرى في الإقليم المجاور، وتغييرات هائلة على مشهد التحالفات القادمة تتطلب العمل السريع في لملمة البيت الجنوبي، وتحصينه من الاختراق يعتبر مهمة وطنية لا بد أن تحظى بالأولوية.

لا جدال بأن المجلس الانتقالي أتى بتفويض شعبي ولا جدال بأن المجلس أصبح يمثل القضية الجنوبية ولا جدال بأن المجلس أصبح معترفاً به إقليمياً ودولياً، كما لا جدال بأن هناك إنجازات قد تحققت. كل ذلك لا يجب ترك الباب مغلقاً أو موارباً أمام قوى جنوبية تشاركه هم القضية الجنوبية وهي موجودة ولا يجب إهمالها وتركها. ولذلك فالمجلس بطبيعة مهمته الأساسية هي انتقالية وهو حامل سياسي لها ولظرف مؤقت، وتنتهي مهمته عند تحقيق المهمة الموكلة إليه حتى نصل إلى تلك المرحلة يتطلب، بل الواجب أن ينفتح على بقية القوى السياسية لمناقشة قضايا تخص المستقبل قبل أن تبنى جدران سميكة بينه وبين القوى السياسية الجنوبية الأخرى، وهناك من يتربص ويعد العدة لبناء تلك الجدران والعمل بهذا الأمر جارٍ على قدم وساق، وإن تم ذلك سيكون تخطيها صعباً، وسيكلف الجنوب الكثير من الآلام.

تاريخنا القريب زاخر بالدروس من الضروري التعلم منه وأخذ العبر، وعدم تكرار إقصاء القوى السياسية الأخرى من المشاركة، وكلما كانت المشاركة أوسع من الطيف السياسي تحصنت الجبهة الداخلية، وكلما زادت قدرتنا على إجبار الغير بالاعتراف بقضيتنا وأخذ الاستحقاق الكامل دون نقصان لا تستطيع أي قوة أن تجبرنا عن التنازل عن حقنا الوطني المشروع. إن كنا موحدين لهذا فترتيب البيت الداخلي الجنوبي يتطلب أن يكون أولى أولويات المجلس وكل القوى الجنوبية الحية وهي الضمان الأوحد وصمام الأمان لجبهتنا الداخلية للوصول إلى الهدف المنشود، ولا يجب أن يغيب عن بال الجميع أننا أمام معضلة في غاية الخطورة تدخل فيها المحلي والإقليمي والدولي، وتضارب المصالح هي الأخطر في هذه المرحلة الحساسة من تاريخنا المعاصر، ولمواجهة ذلك يتطلب الإجماع الجنوبي

ترتيب البيت الجنوبي، ولا تعني الدعوة لهدم ما تم بناءه أو التوقف عند هذه النقطة، لكن هي دعوة لتحصين جدران البيت وزيادة سماكته لمجابهة الحجم الكبير من الأعداء المتربصين بالجنوب لتفتيته وتمزيقه. كما أن ترتيب البيت الجنوبي لا يعني تقاسم الوظائف أو مزاحمة أحد على الامتيازات، لكن هناك مهاماً نضالية ووطنية بالغة الأهمية لن تتحقق إلا بمشاركة واعية من قبل الناس والقوى التي تمثلهم على الأرض، وهناك شواهد كثيرة على أهمية جذب الناس ليس فقط نحو مشاركتهم في تحقيق مكاسبهم، لكن في أهمية مساهمتهم بالدفاع عنها والحفاظ عليها، لذا يتطلب من المجلس فتح النوافذ والأبواب أمام كل جنوبي حريص على وحدة الجنوب مع استعادة كرامته وهويته ودولته.

ترتيب البيت الجنوبي يعني قطع الطريق أمام من يعتقد بأنه سيكون حصان طروادة من الجنوبيين الذين عبرهم يتسلل أعداء الجنوب، وبواسطتهم يمكن الدخول إلى البيت الجنوبي وتمزيقه إرباً أرباً.
ترتيب البيت الجنوبي يعني ترتيب أولويات المهام المطروحة أمام الجنوب والالتفاف حولها والسير بها حتى نهاياتها وحشد التوافق الشعبي حولها، وباختصار ترتيب البيت الجنوبي هو للحفاظ على وحدة أراضي الجنوب.

واليوم الجنوب أمام المحك يعيش حصاراً عسكرياً من كل الاتجاهات، إضافة إلى أن قوى سياسية تجاهر بإذلال الجنوبيين في قوت يومهم وخدماتهم الضرورية مثل الكهرباء والماء، وفي نفس الوقت تجاهر في نشر الفساد والإرهاب. كل ذلك يستخدم كأسلحة دمار شامل، وعلى إثرها نشاهد الناس تموت كمداً وقهراً وهم يبحثون عن صرف مرتباتهم وحقوقهم المشروعة، وهذه الممارسات غير الإنسانية غير مسبوقة في تاريخ الجنوب وتعتبر الأسلحة الأخيرة في المعركة الأخيرة التي يمارسها أعداء الجنوب لهزيمته، لكن بوحدة وتماسك الجبهة الداخلية الجنوبية ستتحطم هذه الممارسات غير الإنسانية على صخرة الصمود والوحدة الجنوبية.

لا توجد لدي وصفة جاهزة لمعايير ترتيب البيت الجنوبي، وهذا متروك للحوارات الجادة التي يجب أن يديرها المجلس الانتقالي لضمان المستقبل الآمن للجنوب، وأن يتم التوافق على كل ما يتعلق بالمهام (لليوم التالي) فيما يخص نوع الدولة القادمة وشكل نظام الحكم ووظيفة القوات المسلحة وانتشارها، وكيفية طرق التداول السلمي للسلطة، وكثير من القضايا التي تشغل بال الناس في هذه المرحلة، وكذا ضمان إدارة شؤونهم دون أزمات أو كوارث.

وبالأخير إذا لم يستوعب أحد الدروس القاسية فالكل راحلون، والشعب والوطن باقيان وستبقى الذكريات إن كانت جميلة أو حزينة تحلق فوق الأجيال القادمة فلا خيار أمامنا إلا أن نكون أو لا نكون عند مستوى المسؤولية، والله من وراء القصد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى