عملة واحدة ولكن لها قيمتان!

> لقد طغى على نهج الحكومة في زمن الحرب تراخ وضعف في جوانب عدّة، ومنها الجانب الاقتصادي والمالي، وكان لذلك أثره الخطير على حياة المواطنين، حيث أدى ذلك إلى حدوث انهيار كبير في قيمة عملتنا المحلية، ولم يتأتَّ ذلك إلا حين أفسحت الحكومة مجالا واسعا كي يستشري الفساد المالي والإداري بأبشع صوره، فالمناطق والمحافظات المحررة بدلا من أن تنهض وتسخّر جميع طاقاتها وإيراداتها المالية في دعم الاقتصاد الوطني، ظلت مكانها تختلق صراعات وبطولات، من أجل أن تسهّل للانفلات الأمني مكانا، وتفسح لبعثرت الإيرادات ونهب بعضها مجالا، فذلك كله شوه صورة التحرير، بل عكسها، وصنع لها إطارا آخر هو احتلال يبحث عن الغنيمة والنهب.

ما تشهده اليوم العاصمة عدن من احتجاجات العسكريين على توقف صرف بعض رواتبهم، الذي هي حقوق شرعية، ومن أهم واجبات السلطة الوفاء بها، ومعاناة الناس من الغلاء الفاحش، كل ذلك نتاج تلك السياسات الخاطئة، التي أدت إلى تضعضع الاقتصاد وانهيار قيمة العملة، وكذلك المعالجة الخاطئة التي قامت بها الحكومة لمواجهة العجز بتعويم العملة، فإتاحة من خلال ذلك الفرصة لمراكز الصرافة بالمضاربة في سعرها، مما زاد في حدة التضخم، فالعبث بالعملة ليس بالأمر اليسير، فهو عبث باقتصاد البلاد، الذي فيه مستقبلها، وفيه حاضر حياة الناس، فتذبذب قيمة العملة ينعكس بشكل مباشر على لقمة عيش المواطن.

كما أنه من العجيب والمستغرب، ما حدث خلال فترة الحرب، عندما فقدت العملة توازنها، وتتطلب ذلك إلى طباعة مئات المليارات من نفس الفئات المتداولة وذات الفئة العالية، ثم دعت الحاجة لطبع فئة المئة ريال لفقدانها في السوق، فجاءت الطبعة الجديدة لتلك العملات مختلفة إما في الحجم أو النقش أو كلاهما، فهذا التجاوز في طباعة شكل آخر للعملة غير مألوف وغير منطقي، فكان يفترض طباعة نقود مشابهة تماما للمتداولة، لكن وكما يبدو لم يكن هناك أي تقدير لخطورة ما تنطوي عليه هذه الخطوة، لذا مرت تلك المليارات بأوراق مختلفة الشكل والحجم، وكأن ذلك الأمر لا يعني شيئا، أو ربما كانت تحت مبرر القاعدة الاقتصادية الشهيرة التي تقول دعه يعمل دعه يمر، مع أن تلك الطبعة المختلفة كانت قد قدمت خدمة كبيرة للمليشيات الحوثية، واستفادت منها عظيم الاستفادة، حيث سحبت الطبعة القديمة من المناطق المحررة، واحتكرتها في تعاملها المالي، كعملة خاصة بها، وبسعر صرف خاص، وأقوى من سعر العملة الجديدة، المتداولة في المناطق المحررة، فزادت تلك الخطوة التي أقدمت عليها المليشيا الانقلابية في تعقيد الحسابات المالية، فأضافت ضربة أخرى لقيمة عملتنا الضعيفة وذات الحجم الصغير!

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو، إلى أي حد ستستمر عملتنا الجديدة في تقهقرها؟ من الواضح أن ضعف السلطة وتشتت الإرادة السياسية هما من أهم الأسباب في جعل مصير عملتنا قاتما، فما لم تُتخَذ إجراءات مدروسة بصورة دقيقة من قبل خبراء ومتخصصين أكفاء في شئون الاقتصاد والنقد، وتجد تلك الإجراءات سبلا مفتوحة لتنفيذها بحزم، فإن مصير أوراقنا النقدية الجديدة هو الاستمرار في التخبط، وقيمتها في التهاوي إلى أديم الأرض.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى