مدرسة المشاريح بالضالع أنموذجا لواقع التعليم في الجنوب

> تقرير/ محمد صالح حسن

> آلة الحرب تنسف العملية التعليمية المحارِبة في جبهات عدة
تحقيقا لأهداف مبيتة منذ عقدين من الزمن..
كانت كثير من مناطق بلادنا ولازالت مسرحاً للصراعات والنزاعات المسلحة، وكنتيجة طبيعية لاستمرار الحروب وتوسع رقعتها توقفت، بل تراجعت للوراء أميالاً عجلة التنمية في جميع مجالات الحياة، فالأضرار التي تطال المؤسسات والمرافق الخدمية في منطقة ما تدمي أنفس سكانها حتى أصبحت الحياة بالنسبة لهم شريط فيلم باكٍ، مضطرين لتكرار مشاهدته يومياً مع قليل من الإضافات كتطاير الشظايا وأصوات البكاء والشعور باقتراب الاشتباك.

لم تسلم مؤسسات التعليم عمود دولة الجنوب الفقري من الإعاقة التي شلت تقدمه، فمنذ زمن يسير التعليم في مدارسنا بخطى سريعة إلى الخلف، حتى جاءت الحرب الأخيرة قبل خمس سنوات وبترت تلك القدم، ووضعت التعليم برمته في فوهة المدفع. هذا هو حال تعليمنا اليوم وتعمق جراحه مع كل قذيفة تطلق وكل قذيفة تحط أما المدارس فلم تعد إلا ساحات يعسكِر فيها أدوات الحرب أو ملجأ للهاربين من ويلات الصراع في أحسن الأحوال. مدرسة المشاريح في محافظة الضالع مثال شاهد على مدى تأثر العملية التعليمية، وانهيار المنظومة كاملة أمام صوت المدافع وأغطية النازحين. "الأيام" تنقل حقيقة المعاناة من داخل فصول المدرسة التي لم يتبق من كونها مدرسة سوى اسمها.

مدرسة الفقيد السيلاني هي الوحيدة في قرية المشاريح المحاطة بجبهات مشتعلة من جهتيها الغربية والشمالية، و 6 قرى أخرى هي: قروض، المرياح، الحومرة، جبوبة، قليعة، والحبيل، التي يفتقر أبناؤها للمدارس ويضطرون لقصد هذه المدرسة التي هي حالياً مدرسة وسكن للنازحين الفارين من مناطق الصراع المحاذي للمشاريح في آن واحد.

حسن محمد
حسن محمد
مدير المدرسة حسن محمد قاسم قال: "المدرسة تعج بالنازحين من المناطق المجاورة، وذلك عرقل سير العملية التعليمية، هناك كثافة طلابية في فصول المدرسة 515 طالباً وطالبة من الصف الأول إلى الخامس، منهم 110 طلاب وطالبات من النازحين".
وأكد المدير بأن حال المدرسة سابقاً لم يكن أفضل، فالمعاناة تتمثل أيضاً بنقص المعلمين والأثاث والحاجة للترميم، "لا يوجد سوى اثنين معلمين أساسيين إلى جانب أربعة متطوعين، وذلك بسبب توقف التوظيف رغم وجود الكادر المؤهل، وهناك 50 مقعداً مزدوجاً فقط داخل المدرسة التي تنقصها أيضاً الفصول الدراسية".

كما أشار إلى أن المدرسة تعاني من عدم توفر الكتاب المدرسي والسبورة المتحركة، وعدم وجود الطباشير التي كان يجري تأمينها من قبل مخزن التربية والتعليم في المحافظة، "الأهالي هم من اشتروا السبورات، لم تقدمها أي من الجهات المختصة التي وعدتنا قبل سبع سنوات ببناء ثلاثة فصول دراسية لم نرها حتى الآن".
وبسبب قلة الفصول الدراسية والكثافة الطلابية التي ضاعف منها وجود النازحين داخل المدرسة. يضطر طلاب الصف السادس والسابع للذهاب إلى مدرسة أخرى في قرية مجاورة للمشاريح، حوالي 70 طالباً وطالبة يتحملون عناء التنقل بشكل يومي، بينما البعض منهم -خاصة الفتيات- ترك إكمال التعليم لبعد المسافة التي تقدر بـ 3 كيلو متر.

أحد أعضاء مجلس الآباء في المشاريح شائف عبدالله محسن قال بأن المشاكل والتحديات التي تعاني منها المدرسة في القرية وتؤثر على سير العملية التعليمية، أهمها نقص الكادر، مشيراً إلى أن مجلس الآباء سبق وتابع لحل تلك الإشكاليات من خلال التواصل مع إدارة التربية والمجلس المحلي وكافة السلطات المحلية في المحافظة، لكن دون جدوى حتى الآن، مناشداً من له سلطة في محافظة الضالع للنظر إلى حال أبناء المشاريح ومدرستهم وتوفير ما يلزم وإصلاح وترميم الفصول لأجل الطلاب بناة المستقبل وأمل الوطن.
سبورة اسمنتية
سبورة اسمنتية

مدرسة الفقيد السيلاني في منطقة المشاريح نموذج يمكن تعميمه على باقي مدارس الضالع التي تجسد إصرار آلة الحرب على خلع أسس النهضة والتنمية في الجنوب، ففي الفاخر شمال الضالع وجدنا مدرسة سليم التي تعرضت لدمار جزئي ولا يزال الطلاب يداومون فيها كل صباح هم ومعلموهم رغم قربها من المواجهات المسلحة شمال المنطقة.
يضطر الطلاب أحيانا للدراسة خارج الفصول بسبب تحوّل بعضها سكناً للنازحين
يضطر الطلاب أحيانا للدراسة خارج الفصول بسبب تحوّل بعضها سكناً للنازحين

ويجبر إغلاق المدارس أو تدميرها الطلاب على التكدس في مدرسة واحدة على ما فيها من انعدام لمعالم المدرسة والأمان، فهنا يدرس معظم المطلاب المنتلقون من مدرسة أخرى شرق الفاخر حولها الحوثيون إلى ثكنة عسكرية يتمترسون على أسطحها.
نوافذ الفصل مغطاة بالكراتين
نوافذ الفصل مغطاة بالكراتين

انتقال الطلبة من شرق الفاخر إلى مدرسة سليم شمالاً لم يعزز من الكثافة الطلابية هنا كما هو الحال في المشاريح، فوقوع المدرسة على مقربة من خط النار حسر إقبال الطلاب على الذهاب إلى المدرسة حتى من المنطقة نفسها، فمعظم الأهالي غادروا إلى قرى أخرى خوفاً من الحرب وويلاتها، يقول أحد المعلمين هناك: "كان الفصل يضم أكثر من 100 طالب، الآن عدد الطلاب في الفصل أقل من 30 طالباً".
أحد الفصول تسكنه عائلة نازحة
أحد الفصول تسكنه عائلة نازحة

وتستمر قوة الهدم منهكة أصابع رقيقة تحضن قلما وممحاة حالمة برش ألوان زاهية على الواقع الضبابي المشحون بالبارود، ويستمر الخوف من أن يأتي الغد ونفجع بتلك الأصابع تعانق الزناد استجابة للعنف الذي لم يراع حرمة مؤسسات التعليم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى