الكتاب المدرسي غياب في المدارس وحضور على الأرصفة !!

> تقرير/ ملاك نبيل

> شهد التعليم في مدينة عدن تدهورا مريعا وأزمات متلاحقة، بدءا من تعطل الدراسة في العام الماضي بسبب جائحة كورونا، ومرورا بإضرابات المعلمين وأزمة الكادر التعليمي، وصولا إلى أزمة الكتاب المدرسي.
وتحولت أزمة الكتاب المدرسي إلى أزمة كبيرة هذا العام، يشتكي منها مختلف أطراف العملية التربوية، بدءا من المعلم ومرورا بأولياء الأمور وانتهاء بالطالب الذي يعد محور العملية التعليمية والحلقة الرئيسة التي تتعرض للإهمال.

أغلب مدارس عدن تشتكي من انعدام الكتاب المدرسي، وفي أفضل الأحوال يحصل كل طالبين على كتاب، بينما تباع المقررات الدراسية في الأرصفة والأكشاك.
يقول الطالب أحمد إنه لم يتسلم جميع كتب المقررات الدراسية حتى أمس، ولجأ إلى استعارة الكتب من زملاء في صفه وقام بطباعتها. وأضاف الطالب في حديثه لـ "الأيام": "تصوير الكتب الدراسية يتطلب مبالغ كبيرة، ويضاعف من أعباء أولياء أمور كثير من الطلاب من أصحاب الدخل المحدود والموظفين، خاصة مع تأخر صرف الرواتب وارتفاع الأسعار".

"أمر محبط"
من جهته قال الطالب حسن: "إدارة المدرسة سلمتنا بعض الكتب ولكن كل ثلاث أيام مع طالب. وأضاف: "حالتنا المادية لا تسمح لنا بشراء الكتب ولا طباعتها، أنا أنتمى إلى أسرة مكونة من ثلاثة إخوان، وحالنا لا يسمح، فالزي المدرسي والمستلزمات الدراسية الأخرى من حقيبة ودفاتر أسعارها مرتفعة جدا هذا العام، وذلك أثر فينا، وبسبب نقص الكتاب المدرسي تأخرنا كثيرا في المستوى الدراسي حد الشعور بالإحباط.

الطالبة نجوى في المرحلة الأساسية قالت: "استلمنا بعض الكتب من مستودع المدرسة. وهي تعود إلى السنة الماضية وعليها كتابات الطلاب، وهذا لا يساعدنا في حل الواجبات المنزلية والبعض مصحح من العام الماضي".
أمأ الطالبة فاطمة وليد فقالت: "إدارة المدرسة صرفت لنا بعض الكتب، ولم يتم تسليم الكتب المهمة، وليس لدينا المقدرة على الشراء من السوق السوداء؛ فسعر الكتاب المطبوع 500 والكتاب الرسمي 700 ريال.
أزمة الكتب المدرسية في عدن ليست وليدة اليوم، وتعدّ الأسوأ هذا العام، وتؤثر سلبا على مستوى التحصيل العلمي للطلاب، في عدم استيعابهم لما يقوله المعلم وفي التقصير في الواجبات المدرسية".وفقا لتربويين.

"صعوبة المراجعة"
أم معاذ. ولية أمر أحد الطلاب قالت: "انعدام الكتب المدرسية يسبب تأخر الطالب في الحفظ والمذاكرة.
ولي أمر أحد الطلاب قال: "الأزمة الاقتصادية الخانقة لا تسعف الغالبية العظمى من أهالي الطلاب في تصوير الكتب المدرسية لأولادهم أو شراء الكتب من السوق السوداء، لأن سعر الكتاب الواحد يصل إلى 500 ريال في حده الأدنى، فيما بعضها معدوم تماما".

أم الطالب محمد، الذي هو في المرحلة الأساسية، قالت إن ابنها يدرس في المرحلة الأساسية وإن إدارة المدرسة كانت تصرف الكتب فور تسجيلهم، وقالت: "تغير الوضع، أجبرونا على شرائها من السوق السوداء، ولأنني لن أفرط في تعليم أطفالي سأحاول شراء الكتب لهم على حساب مصاريف البيت".
وأضافت: "نقص الكتب في المدارس أثر على مستوى الطلاب، وعندما لا يوجد الكتاب مع الطالب لا يستطيع المراجعة في البيت أو الاطلاع على الدرس قبل إلقاء المعلم، وأيضا في أثناء تقديم الدرس من المعلم يجد الطالب صعوبة في الفهم، ويشعر الطالب بالملل وعدم الانتباه، فضلاً على كَمّيَّة الكتابة المضاعفة التي تفرض على أبنائنا".

"مناهج محرفة"
مشكلة أخرى ظهرت في السنوات الأخيرة، وهي الخوف من وصول طبعات محرفة سواء تلك التي طبعت في مطابع الكتاب الواقعة تحت سيطرة الحوثيين بصنعاء أو المطابع التجارية التي تمثل أحد استثمارات جماعة الإخوان في مأرب وتعز، وتطبع كميات كبيرة من الكتب للمداراس الخاصة التابعة لجماعة الإخوان.
فجماعة الحوثي قامت بالفعل باستبدال بعض المقررات الدراسية في المنهج الدراسي لما يخدم فكرة الولاية عند الجماعة، في حين توجد كتب مطبوعة أخرى بمطابع خاصة في المناطق المحررة تكرس فكرة الخلافة وفقا لرؤية جماعة الإخوان الطرف المهيمن على التعليم في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية.

وعبر عدد من أولياء أمور الطلاب عن مخاوفهم من انتشار نسخ من المناهج الدراسية المعدلة أو المحرفة التي تحتوي على اتجاهات طائفية تخص مليشيات الحوثي أو الجماعات الأخرى خاصة بعد أن قامت الأجهزة الأمنية بعملية ضبط إحدى المطابع في مديرية دار سعد، تعمل دون ترخيص رسمي على طباعة الكتاب المدرسي، الذي بقيت طباعته حكرا على مطابع الكتاب المدرسي الحكومية خلال عقود من الزمن.

"طبعات أخرى!!"
معلمة في ‘حدى المدارس الخاصة طلبت حجب هويتها قالت: "يتم طباعة الكتب في مطبعه تتعامل معها المدرسة، ولاحظنا أحد كتب الوطنية للصف الخامس فيها تحريف وتم سحبها من الطلاب على الفور".
وأضافت: "إن اثر التحريف سيرتبط بوعي الطالب من خلال تقديمات خاطئة لا تغرس المبادئ بقدر ما تقدم رؤية طائفية".
وتابعت حديثها: "المشكلة الجوهرية تكمن في اختفاء الكتب المدرسية، وهو الأمر الذي يستثمره البعض لتمرير ما يريدون".

"أين الخلل؟"
من جهتها الأستاذة نازك عبد الرحمن قالت: "الكتاب المدرسي ليس معدوما، ولكن يتم توزيعه بالقطارة، المقررات لا توزع كلها، ويتم تعويض النقص القادم من التربية من خلال الاستعانة بالكتب التي أعادها الطلاب نهاية العام وكثير منها قديمة وبعضها ممزقة، ونستغرب لماذا يباع الكتاب المدرسي في الأرصفة؟ وهل الفساد يكمن في المدارس؟ أم في مطابع الكتاب؟ ومحزن جدا أن يضطر أولياء الأمور إلى شراء كتب يمنع بيعها وتصرف الدولة عليها مليارات لتوزع بشكل مجاني لأبنائنا الطلاب.

وقالت إحدى المعلمات: "تم توزيع الكتب لبعض المواد حسب ما توفر من التربية مثل كل عام، وأسباب اختفاء الكتاب المدرسي هو عدم وجود رِقابة على الكتاب في التربية، وهذا ما سهل إخراجها من المدارس و بيعها في السوق السوداء".
وأضافت: "تحريف المقررات الدراسية رأيناه بكثرة في المناهج المطبوعة في المناطق الشِّمالية".

وقالت المعلمة أميرة منصور سرور: "لم يتم تسليم كل الكتب، ويوجد نقص في كثير من المقررات لمختلف المستويات الدراسية".
وأرجعت أميرة أسباب النقص إلى الفساد واستثمار حاجة الطالب من خلال توفير الكتب في السوق السوداء في الأرصفة والأكشاك.

وقالت: "ما زالت المناهج التعليمية جامدة، لم يطرأ عليها أي تحديث من قبل الجهات المعنية في الوزارة ومراكز البحوث، ولم تراع متغيرات اليوم في البلاد وما يشهده العالم من تحول تكنولوجي ومعرفي، ويمكن القول أن مقررات المرحلة الثانوية لم يتم تحريفها بسبب توفر كميات كبيرة مطبوعة منذ سنوات، وما تم تغييره لا يزيد عن الأغلفة وسنوات الطباعة.

"غياب الرقابة على صرف الكتب"
وقالت إحدى المعلمات إن بعض المراحل التعليمية لم يتم تسليم الطلبة لمقرراتهم الدراسية، وأرجعت أن إهمال الإدارات المدرسية استعادة الكتب المدرسية من الطلاب نهاية كل عام، فاقم من الأزمة، لا سيّما مع عجز مطابع الكتاب المدرسي عن طباعة كتب جديدة تكفي الجميع.
وأكدت المعلمة، التي تحدثت للأيام وفضلت حجب هويتها، أن بيع الكتب المدرسية يؤكد اختلال يؤدي إلى تسرب الكتب من المدارس وبيعها من قبل الإدارات المدرسية، وهذا الاختلال ناتج عن غياب الرقابة على صرف الكتب في المدارس. وبالنسبة للتحريف أو تغيير المنهج لا يوجد في المناطق الجنوبية حسب قولها.

ويقول معلمون إن أزمة الكتاب القائمة منذ سنوات طويلة تشكل هاجسا كبيرا لدى المعلم ولدى الطلاب وأولياء أمورهم على حد سواء، فالمعلم الذي يعاني من الكثافة الطلابية يضطر إلى إعادة شرح المقرر أكثر من مرة، وإن التأخير في تسليم الدفاتر، وكتابة الملخص على السَّبُّورَة يأخذ من المعلم وقتا طويلا على حساب شرح الدرس واستيعاب الطلاب.

"إمكانات محدودة"
لمؤسسة مطابع الكتاب المدرسي ثلاث مطابع إحداها في صنعاء وأخرى في عدن والثالثة في حضرموت.
بقيت المطابع على مدى سنوات توفر الكتاب المدرسي لمختلف مدارس البلاد، ومع سيطرة الحوثيين على صنعاء ومحافظات أخرى منذ انقلابهم على السلطة الشرعية، سيطرت الجماعة على مطابع الكتاب المدرسي بصنعاء، وخرجت المطابع عن سلطة الشرعية، وباتت تطبع مناهج غير وطنية وفقا لرؤية طائفية.

بينما مطابع الكتاب المدرسي في عدن منذ العام 2015 تعاني مشكلات كثيرة، ويقول عاملون في المؤسسة إن المطابع تعتمد في مواردها على توقيع عقود طباعة مع وزارة التربية.
وشهدت المطابع تنفيذ وقفات احتجاجية لموظفي المؤسسة بسبب تأخر صرف رواتبهم.

ويقول موظفون في مطابع الكتاب إن عملية طباعة الكتب المدرسية يفترض أن تبدأ مطلع كل عام ميلادي ولكن لم تتم طباعة أي كتاب هذا العام، وما تم طباعته حَسَبَ الإمكانات المتوفرة لدى المؤسسة.
وبحسب معنيين في مطابع الكتاب، إن السبب الرئيس لنقص الكتاب هذا العام هو عدم قدرة المطابع على توفير المواد الخام الداخلة في عملية الطباعة، التي يتم استيرادها من الخارج وإن ثمّة عراقيل كثيرة منها ارتفاع صرف العملة الأجنبية مقابل الريال.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى