قصة قصيرة.. رسالة لم تصل

> صالح العطفي

> البارحة كان الجو شاحباً والبرد يفتك بعظامنا، فقد تجمعنا حول بعضنا البعض، وأشعلنا المدفأة كي نحتمي بها، وكنا نضحك وأسنانا تصطك ببعضها، فيزيد ضحكنا أكثر وأكثر.
آه ما أجمل منظرنا هذا، لكنك كنت بعيداً عنا، فكان ينقصنا شمسك الدافئة، فحياتنا تنقصها شمسك، فنحن دونك لا ظل لنا ولا ساتر يظللنا. ننتظرك دائما، فالبيت كصحراء شاسعة فحين يخيم الليل علينا تصيبنا الوحشة.

ظل يراقب هاتفه وهو جاري الكتابة، فقد أكل جسده الاشتياق فهم في خيم الصقيع وهو بعيد عنهم، فمن يأتي لهم بجذوة تحميهم من صقيع شتات الخيام.
يموت في اليوم ألف مرة فذكراهم لا تفارق مخيلته، وكم من مرة لاك لقمة أبت أن تنصاع له فيخرجها من فيه وهو يبكي.. وتلبسه الأمنيات أن تكون هذه اللقمة في فم أطفاله وزوجته.

أمسى ينظر إلى لوحة الهاتف، لعلها ترمي له برسالة تخفف عنه وطأة الفراق وشوك الاشتياق.
انتظر كثيراً فحمل هاتفه وجاب به في كل أرجاء الغرفة فبيته قد حطمته الحرب.

خرج يبحث عن تغطية لهاتفه متلهفاً لرسالة تأتي من مخيم الصقيع البعيد.
جاب كل الأماكن وهو يبحث عن تغطية تأتي له برسالة.

ذبلت درجات البطارية وهو يبحث في الشوارع المدمرة عن ولادة رسالة تأخرت كثيراً.
يمسح دموعه ويحمّلها وزر التغطية (أمنيات). تخلل المطر ملابسه المهترئة دون أن يحس به.

يولد الصباح كئيباً كلون هذا الوطن.. يجر قدميه التائهتين.. يرمي بجسده المنهك على كرسي متهالك في مقهى يكاد لا يرى مرتاديه.
الساعة السادسة صباحاً من إذاعة: (الطيران الحربي يضرب مخيم اللاجئين) يسمع الخبر، لكن جسده لم يعد قادراً على تحمل أكثر من هذا الثوب الأسود.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى