الطبيب ياسين قباطي.. "محارب الجذام" في القرى النائية

> منذ 3 عقود، يخوض الطبيب اليمني ياسين قباطي معركة جديدة كل يوم لإنقاذ الأرواح من مخالب المرض والتخلف في قرى يمنية معزولة عن العالم.
ولا يخفي استشاري الأمراض الجلدية باليمن أن أحد المواقف البالغة التأثير هو ما قلب مسيرة حياته ودفعه للخروج الإنساني إلى القرى والبلدات الريفية في أعالي جبال البلاد للتفتيش وعلاج المرضى خصوصا مرضى "الجذام"، الفئة المطاردة إثر التفسيرات الدينية الخاطئة تجاه هذا المرض.

ويعتقد سكان القرى الريفية المعزولة باليمن أن الجذام مرض معدي وخطر، إثر تصورات خاطئة وفهم مجتزأ من سياقه لحديث نبوي "لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، وفر من المجذوم كما تفر من الأسد".
وروى الطبيب القباطي لـ"العين الإخبارية" أن رجلا مسناً ونجله حضرا من محافظة ريمة البعيدة إلى مدينة تعز، حيث الإدارة المركزية لمرضى الجذام في اليمن، وكانا يبكيان بحرقة بالغة القسوة إثر طرد الأسرة لهما من البلدة، بضغط من أهالي المنطقة، خوفا من تفشي المرض.

وقال القباطي، وهو أبرز طبيب وناشط في المجال الإنساني والإغاثي: "وجدنا في محافظة حجة، على سبيل المثال، أن بعض البلدات تعزل مريض الجذام في الجبال القاحلة وحيدا لفترة، ثم ينفذ فيه أشبه بحكم الإعدام ويجري تصفيته بالرصاص عن بعد خوفا من العدوى، حينها "صممت التفرغ لمحاربة الجذام وأمراض الفقراء، وتركت كل أعمالي".

وتنقل الطبيب اليمني، بدعم من منظمات دولية، في عشرات القرى الريفية البعيدة، بدأت من الجعفرية بريمة حيث موطن المسن ونجله،  ثم إلى حجة وصعدة والحديدة وصعدة وحضرموت ولحج والمهرة وصولا إلى جبل "عيشة" في الغيضة، أقصى الشرق اليمني.

محارب الجذام
ما أن يُذكر الطبيب اليمني ياسين عبدالعليم قباطي إلا وتذكر مسيرته الطويلة في محاربة الجذام، والتي امتدت لأكثر من 45 عاما.
وخلافا لعشرات الجوائز المحلية والدولية، التي حازها قباطي، شكلت اتفاقية اليمن مع المنظمة الألمانية لمكافحة الجذام سنة 1989 - 2020، التي هندسها الطبيب اليمني، نقلة نوعية في مكافحة هذا المرض بالبلد، وتمويل الانتقال على المواطن الأصلية للمرضى.

كما عمل على التنسيق مع منظمة الصحة العالمية لتوفير علاجات مجانية ومرتبات طاقم طبي متنقل للوصول لسكان القرى الجبلية الوعرة في عمق اليمن، وحتى اللحظة هناك أكثر من 67 نقطة طبية تنتشر في جميع أنحاء البلاد، تعمل في الميدان.
يعرف قباطي الجذام بأنه مثل مرض جلدي تسببه بكتيريا سالبة، وله علاج منذ سنة 1956، ثم ابتكرت منظمة الصحة العالمية علاجا مجانيا، وتمتد فترة الشفاء من 6 أشهر إلى عامين على الأكثر.

ويرفض الطبيب اليمني عزل مريض الجذام، بل أنه يتعايش معهم بشكل طبيعي في محاولة لتحطيم النظرة المجتمعية لهذه الفئة، ويؤكد أن" عزل المريض أمر قاسي، ويتم تحويله إلى إنسان غير مرغوب في المجتمع، وتكون وصمة لأهله وللشارع ومحيط سكنه".
وحسب الطبيب اليمني، فإنه نجح مع فرق ميدانية في الوصول لأكثر من 12 ألف مريض على مدى السنوات الماضية، فيما تظهر سنويا 400 حالة إصابة، لا سيما في محافظتي حضرموت والحديدة.
وتذهب تقارير دولية إلى أن واحد من 100 ألف من اليمنيين مصاب بالمرض فقط، كما أن واحد من كل 100 مريض بالجذام هو شخص معدي إثر جينات وراثية والاختلاط المكثف في ذات أسرة المصاب.

قصتي مع الحوثيين
منذ 5 سنوات، والبرفسور قباطي لم يتمكن من زيارة أسرته في محافظة تعز (جنوب) إثر تهديد الحوثيين له بالقتل.
وكانت مليشيا الحوثي قد اختطفت قباطي منتصف 2015، وأودعته سجونها السرية في تعز، أبرزها مدرسة أروى ومدينة الصالح السكنية سيئة الصيت، كما اقتحمت منزله ونهبت سيارته وروعت الأطفال والنساء، قبل أن تتدخل الخارجية الألمانية للتوسط في إطلاق سراحه باعتباره ممثل اليمن للمنظمة الألمانية لمكافحة الجذام.

يقول الدكتور ياسين قباطي لـ"العين الإخبارية’": "مليشيا الحوثي اعترضت طريقي ثم اصعدوني دورية مكشوفة بين المطر والريح ثم أودعت سجنين سريين وتعرضت لأبشع التعذيب النفسي".
ولم تكتف مليشيا الحوثي بذلك، فبحسب الطبيب اليمني صادرت 4 سيارات مقدمة لفريقه الطبي في الميدان من منظمة الصحة العالمية وحرمت آلاف المرضى من خدماته الإنسانية.
ويضيف أن حرب الحوثيون "قيدت الحركة في الوصول للمرضى في الأرياف"، لافتا إلى أنه لا يستطيع منذ 5 سنوات زيارة أسرته: "لا استطيع أن أزور أطفالي.. لقد هددوني بالقتل إذا عدت إلى تعز".

صانع الحياة
مطلع العام الجاري، أضاف الطبيب اليمني إنجازا آخر إلى مسيرته الإنسانية، وتمثلت بتأسيس منظمة "أطباء في الميدان" بالعاصمة المؤقتة عدن، معتمدا على كوادر دربها على مدى أكثر من 4 عقود.
ومؤخرا تفرغ قباطي في محاولة صناعة حياة جديدة في مسقط رأسه في مديرية القبيطة شمالي محافظة لحج، والتي تعاني من تخلف شنيع، وطبقا للطبيب اليمني "هناك قرى معزولة بالفعل لم تصلها حتى الآن، ويستخدم الأهالي تابوت الموتى لنقل المرضى إلى أماكن يمكن إسعافهم فيها".

العين الإخبارية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى