قصة قصيرة.. مؤامرة ذبابة

> صوفيا الهدار

> مسح على ربطة عنقه وكرشه، وعدل من جاكيته، وهو يتوجه للمنصة يتبعه جنديان مسلحان، وآخران ضخمان ببدلات رسمية ونظارات سوداء ومسدسات صغيرة.

وقف على المنصة التي تتزاحم فوقها ميكروفونات عليها شارات لوكالات إخبارية وقنوات فضائية محلية وعالمية.

تقدم أحدهم ليضبط له وضع الميكرفون، اصطنع له ابتسامة، ووزعها على باقي الحاضرين.

تنحنح، حيا الحاضرين، ومن خلفه وقف المرافقون الأربعة، تدور رؤوسهم وعيونهم في كل اتجاه.

انفرجت شفتاه عن نصف كلمة "آآآ..." قطعتها ذبابة حطت على شفته السفلى، بحركة لا إرادية، ارتعش وجهه ويداه لمحاولة إبعاد تلك الذبابة، أعاد محاولة ما كان يريد قوله "آآآ..."، لكن الذبابة عادت لتقف حيث كانت، كرر حركته بعنف أكثر هذه المرة، طارت على إثرها لتحط على صلعته، أبعدها بيده، وانكمشت ملامح وجهه وهو يحاول إلقاء كلمته، لكن يبدو أن الذبابة مصرة على مقاطعته فقد وقفت على أنفه الأفطس وراحت تحدق في عينيه، احولت عيناه للحظة وهو يركز نظره عليها، وأتى بحركة من يده أبعدتها، لكن ليس بعيداً بما يكفي، فقد حطت الذبابة على الورقة التي كانت في يده. ومع هذا فقد ارتاح قليلاً لهذه المسافة. فتح فمه ليقول "آآآ..."، لكن الذبابة العنيدة معجبة بشفته السفلى المدلاة إلى ذقنه، فعادت لتحط عليها!.

احمر وجهه، وحانت منه التفاتة غضب لمرافقيه، الذين سارعوا لتدارك الموقف، لكن لم يعلموا كيف يتصرفون. فتحلقوا حوله في محاولة البحث عن الذبابة المشاكسة وإلقاء القبض عليها، أو قتلها، كانت الأخيرة واقفة بتحد على الميكرفون، ضربها أحدهم فتردد صوت الضربة في أرجاء القاعة كلها.

اختفت الذبابة ولم يعد لها أي أثر. تنهد بارتياح، أشار لأحد أصحاب البدل السود بالبقاء قريباً منه تحسباً لظهور تلك المشاكسة، بينما أومأ للثلاثة الباقين بالعودة لأماكنهم خلفه، وكما توقع، فقد ظهرت الذبابة من جديد لتقف على خده هذه المرة، وقبل أن تصدر منه أي ردة فعل سارع مرافقه إلى طردها بتلويحة من يده، فطارت لتحط على وجهه هو. ارتاح سيادته لهذا التغيير في هدف الذبابة. تنحنح واستهل كلمته بـ "آآآ..".

كانت الذبابة المشاغبة تداعب أنف المرافق، وتعود كلما أبعدها، أربكت حركاته السيد الرئيس ولم يتمكن من إلقاء كلمته فبدا منزعجاً، نظر لمرافقه بعينين آمرتين بالابتعاد، لكن الذبابة نجحت في هذه اللحظة من دخول فتحة أنف المرافق فأفلتت منه عطسة قوية تناثر رذاذها على وجه سيادته. تلون وجه الرئيس وتبدل وأطلق من فمه كلمة "غبي".

رددت الميكرفونات صدى العطسة وكلمة غبي في أنحاء المكان. سمعت ضحكات مكتومة وهمهمات من الحضور. ارتجف المرافق وتعرق وراح يعتذر ويساعد سيادة الرئيس في مسح الرذاذ من وجهه. أبعدته يد الأخير، الذي تغيرت سحنته وبدا شديد الغضب.
صعد أحدهم إلى المنصة وصرف المرافق إلى مكان مجهول، ارتعد الثلاثة الباقون، وشتموا في سرهم تلك الذبابة اللعينة.

كانت القاعة لا تزال تضج بالأصوات من هنا وهناك، فأسكتتهم نحنحة السيد الرئيس، كان على وشك الانفجار، لكنه حاول السيطرة على انفعالاته، وعندما هم بالحديث ظهرت الذبابة اللعينة على طرف أنفه، بقي ينظر إليها لبرهة وهو يتمزق غيظاً، حاول إبعادها لكنها كانت تعود دائما لتقف في موضع آخر من وجهه. هنا تدخل ذلك الرجل الذي ظهر سابقاً وهمس لسيادته.. أخشى يا سيدي أن تكون هذه مؤامرة، اتسعت عينا الرئيس وبدت نظرته مستفهمة، ربما هي ذبابة مسيرة أرسلها العدو، قال ذلك الرجل. واستطرد، ربما تكون ذبابة تجسس أو... أو.... وتوقف عند هذه الكلمة ولم يكمل.

ظن المرافقون أنهم فهموا ما أراد قوله، فانقضوا على رئيسهم يحمونه، وبسحبة واحدة كان على الأرض وأجسادهم تغطيه، ملأت القاعة صيحات وجلبة قوية، وصعد إلى المنصة مجموعة كبيرة من الجنود يجرون السيد الرئيس خارج القاعة، تدافع الناس هروباً والذعر على وجوههم.

انقطع البث المباشر على القنوات المحلية والأجنبية، وبعد ساعة أعلن مذيع التلفزيون الرسمي نجاة السيد الرئيس من محاولة اغتيال دبرتها قوى أجنبية معادية.

وعلى الشاشة رأى المشاهدون ذبابة صغيرة تحط على جبين المذيع.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى