أيـوب.. شانْزُل عدن !

> كانوا يسمّون السّفَر إلى المدينة "نزول"، ويُقال لعدن "مَنْزَل"، ليس السفر من مناطق الشمال فحسب، بل من أرياف ومناطق الجنوب. هو سَفَرٌ ونزولٌ سهل يُحاكي سعة المدينة ورحابة صدرها!

* ولمّا قال الشاعر "شانْزُل عدن"، رأى أنها منزل كل الناس وبيتهم الدافئ، فهو أراد النزول فجراً وكلُّهُ اشتياق، كأنه يُخبّي لوعة اللقاء بالمدينة بين ضلوعه من الليل!

* هو المُرهف ينتظر أول إشراقة من الصُّبح ليطير مع البكور، فقد تمنى لو أنه "طير ما يحمل مرور"، ثم غرّد:

"ياليت وانا طير ما يحمل مرور

شانْزُل عدن فجر شامسي في حجور!".

* ولمّا قالوا عن عدن "مَنْزَل" قالوا عن الشمال "مَطْلَع"، فالأول سهل والثاني صعب، لكن بعض الساسة والعسكر مع مرور الزمن أغراهم سهولة النزول طمعاً في الاقتحام والسيطرة، وليس حُبّاً في السفر إلى مدينة يجتذب ألقها الأرواح!

* لقد كان "يوم السَفَر" يومٌ من زمان، حتى أن أيوب طارش لما نزل إلى المدينة من بلاده الأعبوس تغنّى بهذا اليوم، بعد أن شَحَنَ مؤلف"يوم السفر" قصيدته بكلمات تشي بالشوق والحنين والشجن، فكان إحساس بلوعة الفراق ومرارة الهجر إلى درجة البُكاء في محراب الحُب!

بكى الحبيب من ساعته وقال لي

أين تروح يا وحشتي يا خلّي؟!

* ثم يجئ زمنٍ قاسٍ، بدت معه القلوب قاحلة، استحال خلاله كبار القوم إلى طواغيت، فصار النزول إلى عدن بالدبابات والعربات المدرّعة بحسب خريجي أكاديمية 7يوليو التي أسسها نظام صنعاء المتغطرس!

* لقد عُلِمَ من التجربة أن النزول بـ "الحرب" ليس سهلاً كالنزول بـ " الحُب"، فشتّان بين "الشيئين"، فالمدينة تأتي طوعاً لمن يُحبّها، لكنها تستعصي على من يحاربها، فتقاوم حتى تنتصر!

* إنّ الشاعر الذي حَبَكَ "شانْزُل عدن فجر" جعل المسافة بين عدن وحجور قريبة، من الصباح إلى المساء وربما العودة، فهو شاعر أصيل يعشق الوحدة، بينما الذين جاؤوا من بعده مزّقوا الآصرة، وباعدوا في السفر، وظلموا عدن في السِلم والحرب كما ظلموا حجور!

* أين الوحدة التي كانت نشيداً رائعاً يملأُ نفس "الفضول" ويملأ نفوس الشعب في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية؟!

ـ كأنها ذُبِحَت في 94 ومُزِّقت كل ممزّق في 2015، وربما تذروها الرياح في حرب أبين 2020، إنْ لم نعُد إلى رشدنا ونتدارك الأمر، ونضع بعجلَة حدّاً لهذا النزيف الذي أصاب الوطن في مقتل. أليس كذلك؟!

* لقد لانت عدن من زمان لأخواتها مدن الشمال، وما ردّت وافد، ولا صدّت عن السبيل، حتى جعلت من أرضها ما قيل عنه "بلاد الجبالية" و"سوق الأعمور"، ثم الذين لا يعرفون الجميل ردّوا بآلة الحرب والدمار!

*أيُّها السادة، أمّا وقد عجزتم عن تنفيذ اتفاق الرياض فادفنوا رؤوسكم في التراب، وتواروا عن المشهد، مع أن بقية أمل ما زال يحذونا للخروج من هذا النّفَق العسير، إنْ كان في البلد حكمة وبقية عقل!

*نحن يا عدن بين زمانين، زمنٌ كان النزول فيه إليك يحفّزه الحُب والاشتياق، إما لطلب العلم وإما لطلب الرزق، وزمنٌ جاء من بعده صار النزول إلى المدينة يُحفّزهُ حُب السلطة وحُب الثروة ولو بآلة الحرب والدمار!

ولكم أن تختاروا الآن بين الأمرين، إما الوحدة وإما الانفصال!

فلقد استبان الطريق والبادئ أظلَم!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى