انتفاضة الأسلحة

> سالم فرتوت

> طال أمد الحرب وملت الأسلحة وكلت بمختلف أنواعها واحتجت، إذ اعتراها الصدى جراء الرعب الذي أثاره فيها ما تحدثه من دمار وإهراق للدماء وتمزيق لجثث الأحياء، ذلك أنها صارت ذات آذان وعيون ومشاعر تنازل عنها مشعلوها، وولت هاربة تستغيث بالمدافع والدبابات والطائرات والبنادق لتحميها من جنون أصحابها.

تمردت الأسلحة على مستخدميها لعلهم يفيقون من ضلالتهم بيد أنهم أخذتهم العزة بالإثم، وهددوها بالويل إذا هي كفت عن تأدية الغرض الذي صنعت خصيصاً. لأجله قيل لها (أنت مجرد أدوات بيدنا)!، وعلى مضض استأنفت دورها التدميري، رأت المباني تنهار ودوى بأسماعها المستجيرة بها أنين الحجارة تحت الأنقاض، وأشفقت أعينها على الحجارة الناجية وهي تولي فراراً وقد نقضت عهدها مع بعضها بعضا وصغارها تبكي خوفاً من هول الدوي وحده، ما بالك بوقع دانات المدافع والدبابات وصواريخ الطيارات على رؤوسها؟.

تدافعت الحجارة وهي تفر من النيران، يدوس بعضها على التي تعثرت جراء الفزع.
وكان بنو الإنسان قد التمسوها من الجبال والوديان فلم تبخل بها عليهم.

لقد أشفق كل منها على نفسه من هذا المصير الذي يطال تلك المدينة غير مستثنٍ مباني تراثية لطالما اعتزت بها ولسان حالهن يقول: "أف لوكنا نعلم أنكم أقسى منا لما أتينا ههنا!"

كان ثمة صخرة صماء على مدخل المدينة مر بها متحاربون قديما صلصلت سيوفهم بالقرب منها تضرجت بدمهم ولم تتململ من سباتها، لكنها الآن راحت تتململ متوجسة شراً جراء دوي الانفجارات بالقرب منها. لقد صحاها ذلك الدوي الذي روع القاصي، فما بالك بالداني؟ تلفتت يمنة ويسرة حذرة. فمذعورة كعصفور وما لبثت أن تحاملت على نفسها وفرت كعجوز بدينة بحثاً عن النجاة من هذا الهول.

اتخذت لها موقعاً أكثر أماناً، وجعلت ترقب ما يجري بخوف افتقده بنو هذا الكائن الذي يفترض أنه أعقل مخلوق على الأرض.

وبالقرب منها طال صاروخ عمارة غاية في الجما والمتانة، رأتها تنهار والنيران تشتعل فيها، وكاد يصرعها الذهول، وما لبثت أن صاحت لعل صوتها يبلغ أحداً من المتحاربين: "اتقوا الله يا شر الدواب"، وشر الدواب صم بكم لا يعقلون ولا يفقهون فمنذ الأزل وهم يقتلون ويدمرون، ويلعبون بالنار هنا وهناك لا تهدأ بقعة في الأرض إلا وأشعلوا بقعة أخرى! فلا يسلم من جنونهم مخلوق. انظر تلك الوردة وقد اختنقت من الدخان، وتساقطت بناتها اللواتي في عمر الزهور خوفاً مما يجري ترقرقت دمعتان بعيني مدفع كان بالقرب منها، وتحجرت دموع المتحاربين، وتلك حمامة بيضاء اغتالها صاروخ، وهي تطير بأقصى سرعة أطلقته طيارة عبثاً تحاول أن تحاكيها. لم يستطع الصاروخ تجنبها فاغتالها وهي في الجو هاربة.

أه أزت الطيارة متوجعة، ونسي المتحاربون كل شعور جميل!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى