الخليج.. تهدئة على طريق المصالحة

> عبدالوهاب بدرخان

> ما كان وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح ليدلي ببيان متلفز، الجمعة الماضي، لو لم تكن الاتصالات بين أطراف الأزمة الخليجية وصلت فعلاً إلى توافق على الحلحلة. لم يحصل ذلك طوال الأعوام الثلاثة الماضية، ولم تخرج التصريحات السابقة عن إطار التمنيات بأن تتوصّل الوساطة الكويتية إلى هدفها المنشود: المصالحة... ويمكن إيجاز ما حققته جهود الأسابيع الأخيرة بأن السعودية ومصر والإمارات والبحرين وكذلك قطر، فضلاً عن الولايات المتحدة، بلورت اقتناعاً بوجوب الخروج من الأزمة. أما الأسباب فتوجد في المتغيّرات التي طرأت على المنطقة خصوصاً بعد اتفاقات تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وبالتالي التهيؤ للتعامل مع الإدارة الأمريكية الجديدة سواء بالنسبة إلى الصراع مع إيران أو تسوية الأزمات الإقليمية المتفرّعة عن هذا الصراع.

ويُستدلّ من تصريحات وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أن هناك مساراً جدّياً وواضح المعالم، من قوله إن تحقيق اختراق لحل الأزمة «بات وشيكاً»، إلى تأكيده وجود «احتمالات إيجابية للغاية» للتوصّل إلى «اتفاق نهائي»، والأهم إشارته إلى أن الدول الأربع «ستكون مشاركة في الحل النهائي»، ما ينفي تباين المواقف في ما بينها، إضافة إلى تصوّره «حلّاً (قريباً) يغطي كل الجوانب ويرضي الأطراف المعنيّة كافةً».

هذه التوقعات بما فيها من تفاؤل تقاطعت مع مواقف مشابهة لوزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، لكنها انطوت على شيء من الشك في حصول «انفراج وشيك» أو بإمكان «تسوية الأمر برمته في يوم وليلة». والواقع أن أحداً من المطّلعين، رغم السريّة المضروبة على مضمون الاتصالات، لا يتوقع في هذه المرحلة اتفاقاً شاملاً.

دأبت المواقف الخليجية الرسمية، خصوصاً الإماراتية، على لفت الدوحة إلى أن الحلّ في الرياض وليس في مكان آخر، وأبدت الدوحة دائماً استعداداً لتسوية مع الجار الأكبر وميلاً إلى استبعاد أي تقارب مع الجارتين الخليجيتين الأخريين أو مع مصر.

لم تمانع الرياض اتفاقاً على إجراءات تسهّل حياة المواطنين عموماً عبر الحدود البريّة سواء للتواصل بين العائلات المتداخلة أو لزوم الحجّ والعمرة، لكنها توقّعت تغييراً في السلوك الإعلامي القطري وتوجّها أكثر تكيّفاً مع السياسة الخارجية السعودية في ما يتعلّق بحرب اليمن والعلاقات مع إيران وتركيا، كما أنها التزمت التضامن مع شركائها الثلاثة في المطالب الـ 13 من قطر.

والشائع الآن، من دون معلومات مؤكدة، أن التوجّه إلى «الحل النهائي» سيكون بإجراءات تدريجية، وقد يشهد في مرحلة أولى تهدئة إعلامية (تحديداً من الجانب القطري) وتخفيفاً جزئياً للحظر الجوي على الطائرات القطرية وفتحاً جزئياً أيضاً للحدود البريّة.

ماذا عن الخطوات اللاحقة وصولاً الى الحلّ؟ لا بد أن حواراً سيجرى، ولو أنه لم تتم الإشارة إليه أو إلى آلية معينة لمساره، خصوصاً أن الدول الأربع تتلاقى عند مطالب مبدئية عامة من الدوحة، لكن ثمة مطالب ثنائية لا تقلّ أهمية. في المدى المنظور ستستمر الاتصالات عبر الوسيط الكويتي، وكان الوزير الشيخ أحمد ناصر الصباح أكد حرص الأطراف جميعاً على «التضامن والاستقرار الخليجي والعربي، وعلى الوصول إلى اتفاق نهائي يحقق ما يصبون إليه من تضامن دائم بين دولهم وتحقيق ما فيه خير شعوبهم». وتندرج تحت هذا المبدأ العام، «التضامن»، مسائل كبرى مثل أمن الخليج وتماسك مجلس التعاون والتزام موحّد بالأمن القومي العربي سواء في ما يتعلق بمكافحة الإرهاب أو بمواجهة التدخّلات الإيرانية والتركية في الشؤون الداخلية للدول العربية.

هذه كلّها مسائل واجهتها قطر بالدفاع عن قرارها المستقل والسيادي، في حين أن ورقة الدول الأربع طالبتها بـ «أن تكون منسجمة مع محيطها الخليجي والعربي» على الصعد العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. بل طالبتها بخفض التمثيل الديبلوماسي مع إيران وقصر التعاون معها على المجال التجاري «بما لا يخلّ بالعقوبات (الأمريكية) المفروضة عليها، وبما لا يخلّ بأمن دول مجلس التعاون الخليجي». إضافة إلى ذلك طالبوا الدوحة أيضاً بـ «إغلاق فوري» للقاعدة العسكرية التركية و «وقف أي تعاون عسكري داخل الأراضي القطرية».

يصعب الاعتقاد بأن الدول الأربع ستتعايش مع هذه القاعدة التركية، خصوصاً إذا كانت الولايات المتحدة تتطلع إلى تعاون خليجي متماسك معها (بما في ذلك قطر) في مواجهة إيران، فحتى لو كانت إدارة جو بايدن أقلّ تشدّداً من إدارة دونالد ترمب تبقى خيارات البنتاجون وثوابته هي السائدة، وهو كان ولا يزال الأكثر إلحاحاً على إنهاء أزمة الخليج.

لعل هذا ما يفسر، بين دواعٍ أخرى، إيفاد الرئيس الأمريكي مستشاره وصهره جاريد كوشنير، في ربع الساعة الأخيرة من ولايته، ليدعم المساعي الكويتية ويضع الأزمة على سكّة الحلّ. كان الوزير الشيخ أحمد ناصر زار واشنطن ليعرض بلوغ وساطة الكويت مرحلة مشجّعة لكنها تحتاج إلى خطوة أمريكية.

ولعل ما برّر مهمة كوشنير الأخيرة أن الأزمة اندلعت بناءً على التوجّهات الأساسية لترمب، لكن قرب مغادرته البيت الأبيض يتطلّب إغلاقاً للملف لئلا تستغله إدارة بايدن سواء لتأجيج الخلاف أو لأن تكون «عرّابة» الحلّ. وفي كل الأحوال، تدلّ المواقف العربية والدولية المرحّبة ببداية انفراج الأزمة إلى مدى تأثير دول المنطقة في المناخ السياسي الدولي عموماً، والعربي خصوصاً، والخليجي تحديداً. وفي الوقت نفسه بات حلّ الأزمة يناسب مصلحة أطرافها جميعاً، إنْ لم يكن للتكيّف مع إدارة بايدن فعلى الأقل لأن استمرارها مع ما تراكم جراءها من خسائر لأطرافها جميعاً وقد فاقمها أيضاً تفشّي وباء كورونا.

ولا ضير في أن يكون الحلّ تدريجياً، ولا في أن يكون «براغماتياً»، فالمهم أن يفتح صفحة جديدة في «تعزيز الأمن الخليجي» و«مجلس تعاون أكثر تكاملاً» و «تكريس إطار تعاوني قوي لدول الخليج العربية»، وفقاً لوزير الخارجية السعودي.

"الوطن السعودية"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى