​قصة قصيرة.. تغيير بسيط

> محمد الخضر

> شهر أو أقل ربما، منذ رحيلها برفقة ابنتهما الصغيرة، وهو الآن يستعد لملاقتهما لرؤية ابنته الوحيدة، كما استعد قبل ذلك ليقول لها:
بعد رحيلك لم أقم بأي تغيير في نمط حياتي، صحيح أن فراقك لم يكن بالأمر السهل، وأنه يجب علي التعايش معه، مع ما فيه من الصعوبة التي لا يمكنني أن أصف بدقة فداحتها، إلا أنني بكل صراحة لم أحدث أي تغيير يستحق الذكر إلا ما كان من شيء بسيط، ولأنه في اعتقادي غير جدير بالذكر، أو لنقل ليس بتلك الأهمية -في نظرك- فقد ذكرته أخيراً.

فأنا لم أجر أي تغييرات على أثاث الغرفة، فالطاولة المستطيلة، والأواني الفخارية التي جلبناها سوياً من سوق الخزف بعد مساومة البائع التي أخذت وقتاً ليس بالقصير، مما اضطرك إلى استقطاع مبلغ زهيد من مصروفك، ودفعه مكرهة، والتلفاز المسطح، كلها لا زالت تشغل أماكنها الأولى.
حتى الساعة المعطلة التي حاولت إصلاحها ثم رميت بها، بعد عدة محاولات، لازالت في مكانها، ولا أكذب إن قلت: إن عقاربها لازالت تشير إلى الساعة الثانية والنصف، تماماً كما تركتها.

والشتلة التي داومت على سقايتها كل يوم مساء، لا زالت في مكانها، ولم يحدث أي تغيير فيها يستحق الذكر، إلا ما كان من غصن صغير يتلصص أحياناً مع هبوب الريح من خصاص النافذة.
وكأس الشاي الذي كنت تجلبينه دائماً مع ملعقة السكر الصغيرة لا زلت أرتشفه بعد صب السكر فيه وتحريك الملعقة بروية لإذابة كريات السكر البلورية الصغيرة.

وصراحة قد يأخذ مني سرد التفاصيل وقتاً ليس بالقصير، كما أنك لازلت تذكرين كل التفاصيل، ولست بحاجة لمن يذكرك إياها.
حقيقة لم أقم بأي تغيير شكلي في حياتي، كل ما في الأمر أنه وبعد رحيلك الثالث هذا، لم أعد أتعامل مع رجوعك واستمراريتك كسبب للسعادة.

وهذا لا يعني أنك غير قادرة على خلقها في نفسي، لا، الأمر ليس كذلك بالطبع، بل على العكس من ذلك تماما، ما أعنيه هنا أن كمية السعادة التي يخلقها وجودك لا تقارن؛ لهذا فوجودك يكنس مع زواله كميات كبيرة من السعادة، لا أستطيع على المدى القريب ولا البعيد التعويض عنها.
لهذا أحببت أن أوضح لِمَ لجأت إلى شطبك من قائمة ما يسعدني، وتذكري في الأخير أنني -مكرهاً- قمت بذلك، كما قمت سابقاً بفراقك مكرها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى