اللاجئون السوريون في اليمن: عندما تصبح كورونا أقسى الحرب

> تقرير/لجين حاج يوسف - محمد فضيلات - عبير محسن

> أوضاع اليمن تضاعف معاناة اللاجئين
"طلعنا رافعين رؤوسنا"، تلخص السورية شاناي الدروبي 9 سنوات من حياة اللجوء في اليمن قبل أن تتبدل أوضاع العائلة بفعل جائحة "كورونا"، وتجد نفسها عاجزة عن توفير الطعام.
في يوليو 2012، غادرت الثلاثينية وزوجها وطفلتهما التي كان عمرها سنتين ونصف السنة، يرافقهم عدد من أفراد العائلة مدينة مَنْبِج في ريف حلب، واتّجهوا إلى العاصمة اليمنية صنعاء بعدما وصلت الاضطرابات التي أعقبت اندلاع الثورة في سوريا، إلى محيط سكنهم.

تقول شاناي: "بداية 2011 فرض منع التجول منذ الساعة السادسة بسبب عمليات القصف والقنص والاختطاف".
وعن أسباب اختيار اليمن لتكون بلد لجوئهم، تجيب: "في وقت الأزمة لم نكن نملك خيارات، وبحكم أن زوجي عمل في اليمن لمدة 6 أشهر عام 2010، تعرف خلالها إلى البلد، ولأن كلفة الحياة رخيصة هنا، رأى زوجي أنه قد يحصل على فرصة في صنعته باليمن".

ومن العوامل الإضافية التي شجعت العائلة على اختيار اليمن "أسعار تذاكر الطيران إلى اليمن والتي كانت أرخص الموجود، دفعنا 45 ألف ليرة سورية (710 دولارات) [1] للتذكرة الواحدة"، توضح شاناي.
نقل فراس الدروبي -زوج شاناي وابن عمها- معه خلال رحلة اللجوء ماكينة تشكيل المعادن التي كان يملكها ليؤسس في صنعاء ورشة صغيرة ساعده شقيقاه وشقيق شاناي على العمل فيها.

بلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين على قوائم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في اليمن 4005 لاجئين، وذلك حتى نهاية نوفمبر 2020م.

رغم الصراع
وفرّت ورشة تشكيل المعادن حياة كريمة للعائلة، وعن ذلك تقول شاناي: "كان معدل مصروفنا 100 دولار في اليوم. عشنا حياتنا كما كنا معتادين في سوريا، أكل متنوع وفواكه وحلويات، لذلك كان مصروفنا كبيراً، ونحن بالأساس عائلة كبيرة، لذلك كان مصروفنا كبيراً".
في 10 أبريل 2020م أعلن تسجيل أول إصابة بفيروس "كورونا" في اليمن، فيما أضاف انتشاره "مستوى جديداً من البؤس على حياة اليمنيين"، كما وصفت منظمة هيومن رايتس ووتش الوضع.

أنجبت شاناي ثلاثة أطفال في اليمن، فيما أنجبت زوجة شقيق فراس طفلاً، ليصبح عدد أفراد العائلة الذين يعيشون في بيت مستأجر واحد 11 فرداً.
"البيت مكون من أربع غرف. أنا وزوجي بنَّام في غرفة، وبينام شقيق فراس المتزوج في غرفة مع زوجته، وفي غرفة للأطفال وغرفة بينام فيها شقيقي وشقيق فراس العازبان"، تشرح شاناي.

تفجر الصراع في اليمن لم يلحق بالعائلة أضراراً فادحة، إذ واصلت الحصول على معدلات دخل كافية لتلبية متطلباتها المعيشية، كما تروي شاناي لـ "روزنة".
ويشهد اليمن منذ سبتمبر 2014 نزاعاً مسلحاً، تطور في مارس 2015 إلى حرب طاحنة بين "الحكومة المعترف بها دولياً والحوثيين".

وشكلت صنعاء، حيث تعيش عائلة اللاجئة، ساحة رئيسة من ساحات الصراع الذي تسبب بـ "أكبر كارثة إنسانية في العالم"، وفق الأمم المتحدة. [2]
عام 2015 تعرض المشغل للقصف، ما أدى إلى توقفه لمدّة شهرين قبل أن يعود إلى العمل مجدداً من دون أن تتأثر حياة العائلة. وفي نوفمبر 2018 اعتُقل فراس وشقيق شاناي، بسبب نزاع على مستحقات مالية لعمل أنجزوه لمصلحة جهات يمنية، قبل أن يفرج عنهم في يناير 2019.

تقول شاناي: "بعد الإفراج عن زوجي وشقيقي صدر قرار بمنع جميع أفراد العائلة من العمل، فقام زوجي بتسليم المشغل وبيع البضاعة كخردة مقابل 40 ألف ريال (160 دولاراً) فقط".
"لا يضع القانون اليمني قيوداً على عمل اللاجئين السوريين" بحسب ممثلة مجتمع اللاجئين السوريين لدى المفوضية في اليمن، آلاء التل.

تقول التل: "المفوضية تقدم مساعدات نقدية لفئة قليلة من اللاجئين، تنحصر بالأرامل والمطلقات وأصحاب الإعاقات العقلية والجسدية والأمراض المزمنة غير القادرين على العمل، فيما تستثني معاييرها اللاجئين دون الستين عاماً القادرين على العمل، من دون أي مساعدات نقدية".
حرمت تلك المعايير عائلة الدروبي المسجلة على قوائم المفوضية، الحصول على أي مساعدة نقدية حتى بعدما خسرت مصدر رزقها -المشغل- ومنع أفرادها من العمل بقرار من جهة أمنية، تخبرنا شاناي.
تجاهلت العائلة القرار، فعمل أفرادها الرجال بالمياومة، فيما بدأت السيدات بتصنيع المنظفات ومواد العناية الشخصية داخل بيتهن وبيعها. تقول شاناي: "بعدما كان شبابنا أصحاب مصلحة اشتغل الأربعة عمالاً"، مشيرة إلى تراجع دخل العائلة، لكن ليس إلى الحد الذي منعهم من توفير الاحتياجات الأساسية.

ماذا بعد "كورونا"؟
في 10 أبريل 2020، أعلن تسجيل أول إصابة بفيروس "كورونا" في اليمن، فيما أضاف انتشاره "مستوى جديداً من البؤس على حياة اليمنيين"، كما وصفت منظمة هيومن رايتس ووتش الوضع. [3]
عائلة الدروبي لم تكن بعيدة من البؤس الذي فرضه "كورونا" على اليمن، إذ سرعان ما انهار الاستقرار "الهَشّ" الذي حافظت عليه العائلة خلال الأشهر التي سبقت الجائحة.

في البداية تقلصت أيام العمل التي يحصل عليها أفراد العائلة، كما توقف أصحاب العمل عن سداد الأجور بشكل منتظم، وتطور الأمر ليخسر الجميع أعمالهم.
تقول شاناي: "كان زوجي أجيراً مياوماً (يعمل بالأجر اليومي)، ولم يكن يأخذ أجرته كاملة، لما كنا نحتاج أغراضاً، كان يأخذ مبالغ من صاحب العمل. وأخوه كان يعمل من الثامنة صباحاً حتى الواحدة ليلاً، مقابل 8 دولارات، وحالياً ومن أشهر لا أحد في عائلتنا يعمل".

لا إحصاءات رسمية حول أعداد الإصابات بفيروس "كورونا" بين اللاجئين السوريين في اليمن، فيما تكشف أرقاماً تقديرية عن إصابة 500 لاجئ سوري توفي اثنان منهم منذ الإعلان عن أول إصابة في اليمن حتى نهاية نوفمبر 2020م.
بموازاة ذلك، تراجعت صناعة السيدات المنزلية، و "كانت الدّلالات (التاجرات) يشترين الفيري ومرطبات البشرة والشامبو، لكن بعد كورونا توقفن عن العمل، وكان هناك تاجر يشتري منا كميات كبيرة، أيضاً توقف عن ذلك. الآن نبيع بالقطعة للجيران".

تتخوف شاناي من خروج الشباب إلى العمل في حال توفره، كي لا يلتقط أحدهم الفيروس وينشره بين أفراد العائلة: "إذا حدا انصاب بكورونا ما عندنا قدرة نروح على المستشفى، وبنخاف نروح على المستشفى بسبب الاكتظاظ وغياب إجراءات السلامة"، تقول.

التكيف "المستحيل"
كيف تعيش عائلة الدروبي اليوم؟
"تعبنا كثيراً لكننا مجبرون على هذه الحياة" تجيب شاناي قبل أن تجهش بالبكاء.
فرضت الأزمة على العائلة نمطاً قاسياً من التكيف، بدءاً بإزالة اللحم من قائمة الطعام، وصولاً إلى عدد الوجبات اليومية "كنا نأكل ثلاث وجبات في اليوم، صرنا نكتفي بوجبتين، فطور متأخر، ووجبة مع المغرب هي الغداء والعشاء. نطبخ مرّة كل يومين أو ثلاثة، المهم أن يأكل الأولاد أولاً، ونحن الكبار نتدبّر أمورنا".

واجهت العائلة صعوبات في سداد أجرة المنزل البالغة 120 دولاراً، وتراكمت عليها أجرة ثلاثة شهور "فضحنا صاحب البيت في الحارة، قبل فترة أتى إلينا وصار يصرخ بصوت عال (اطلعوا من بيتي يا نصابين)"، تقول شاناي.
ضمن خطة الاستجابة لجائحة "كورونا" التي أطلقتها المفوضية في اليمن [4] حصلت العائلة في منتصف 2020 على 350 دولاراً لمرة واحدة، وهو مبلغ ساعد العائلة على توفير بعض الاحتياجات الملحّة.

مصدر الإنفاق الوحيد للعائلة هي الأموال التي يقترضها فراس من صديقه اليمني، تقول شاناي: "صاحب زوجي يساعدنا، لما كانت أوضاعنا جيدة زوجي قدّم له شغلاً بأسعار منخفضة، والرجل أراد رد الجميل. يقرضنا على أمل أن تتحسن أوضاعنا في المستقبل ونسدد الديون".
وعلى رغم سداد رسوم المدرسة لطفلتي شاناي والبالغة 400 دولار، إلا أنها قررت عدم إرسالهما إلى الصفوف في العام المقبل إذا بقيت الأوضاع على حالها.

أكثر ما يؤرق شاناي عدم قدرتها على علاج ابنتها الصغيرة (3 سنوات)، والتي تعاني من ارتفاع ضغط العينين، تقول، "بنتي تعاني من المياه الزرقاء منذ الولادة، ساعدتنا الأمم المتحدة بثلاث عمليات، ويجب فحص عينيها كل 6 أشهر، إضافة إلى قطرة يومياً"، تتابع: "فاتنا موعد الفحص ونحن ننتظر المفوضية لتدفع لنا ثمنه، في أيام كثيرة لا أملك ثمن قطرة لعينيها، إلى أن توفرها المفوضية".

منتصف نوفمبر 2020م تقدمت شاناي بطلب إلى المفوضية لمساعدة أفراد عائلتها للسفر إلى أوروبا أو العودة إلى سوريا، بعدما فقدوا القدرة على مواصلة الحياة في اليمن.
تؤكد التل أن كثراً من اللاجئين السوريين في اليمن باتوا يرغبون في العودة إلى سوريا بسبب التحديات التي فرضتها جائحة "كورونا"، وما رافقها من نقص في المساعدات المقدمة.
*أُنجز هذا التحقيق بدعم من منظمة دعم الإعلام الدولي IMS بالتعاون ما بين مؤسّسة "روزنة" للإعلام، ومنصّة "خيوط" اليمنيّة وموقع "درج" اللبناني.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى