عدن ... والثور الهائج

> على مدى عقود طويلة ظلت عدن "مدينة الأحلام" لكل الزائرين من الرحالة والباحثين المستشرقين والسائحين بمختلف جنسياتهم. وكانت هذه المدينة الهادئة تقدم لهم كل الخدمات بالترحاب والود المعجون به العدني والمغروس في طبائعه ووجدانه، ولهذا أحبها كثير وفضل العيش بها، فمثلت ملتقى لكل الأجناس من الشرق والغرب بمختلف دياناتهم، ومارسوا كل طقوس عباداتهم بحرية تامة، بل وبنوا معابدهم وكنائسهم بجوار مساجد المسلمين، وخصصوا لهم مقابر خاصة لدفن موتاهم، حيث عكس ذلك صورة حضارية راقية من التعايش الديني مبنية على الاحترام والتسامح.

في ظل حقبة الإنجليز ازدهرت عدن، وتطورت عمرانيا، ونهضت تجاريا، حتى عرفت بـ"هاف لندن" وظلت محط أنظار الجميع، وإليها يأتي التجار من جميع دول الجوار؛ لشراء حاجاتهم. فقد مثلت سوق ترانزيت مهمة لتجارة الشرق والغرب بحكم موقعها الجغرافي العالمي المهم ملاحيا.

كان أهم ما يميزها عند زائريها هو روائح شوارعها العطرة التي تفوح منها كالأخضرين والزعفران، فضلا عن الفل والكادي التي تملأ محلاتها في أسواق (عدن الصغرى) التي يطلق عليها (كريتر). وكان الهدوء، الذي تخترقه أصوات الباعة وهدير السفن في المرافئ، وأصوات أبواقها هي الأخرى تشق جدار الصمت ليلا، كما تمتاز بأصوات الغربان صباحا.

هذه الصورة التي نتذكرها اليوم ونحن نرى حال عدن بهذه الصورة التراجيدية المؤلمة في مخبرها، فضلا عن مظهرها لا تسر عدوا فضلا على صديق، حيث أصوات وفواجع الانفجارات والموت بدمه وروائحه النتنة، فرائحة الجثث والبارود المتلاحقة للمجازر الوحشية التي كان آخرها تفجيرات المطار هي ما يميزها اليوم.

هذا الحال ذكرني بحكاية الثور الذي فر من المجزرة للذبح وسكين الجزار وهو ملطخ بدمائه خائفا من الموت ليقتل أحد المارة بالشارع وتلتقيه نقطة أمنية ليصوب أحد جنودها رصاصته في فخذه ويسقط أمامه لكنه سرعان ما ينهض وترميه البندقية من جديد لكنها تقتل بعض من المارة ولا تصيبه، ليكون هذا الثور حديث المجالس، وهو الذي أتى دخيلا على عدن ثقافة اجتماعية، فضلا عنها سياسية بكل علائقها المحملة بإرث الثيران لتحويلها كحلبة صراع للثيران... فهل تترك عدن لمثل هذه (الثيران الهائجة) ؟! لك الله يا عدن زمان!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى