الدستور هو القانون الأساسي للمجتمع والدولة، ويحدد الأهداف والمبادئ الأساسية لتنميتهما، وللدستور تأثير كبير جدا على حياة كل فرد في المجتمع، وغالبًا ما يختلف الدستور والواقع عن بعضهما البعض، لذلك ليس من المستغرب أن ينظر إليه قسم كبير من المجتمع على أنه وثيقة رسمية، وليس قانونًا للعمل المباشر، يعيشون وفق قواعده دون أن يروه، بينما البعض الآخر يعرف أن هناك دستور يسمع عنه، لكن لا يراه ولا يعرف شكله ومصدره، مثل حالة السلطة في المادة 4 من الدستور اليمني ( الشعب مالك السلطة ومصدرها ....)، "بالاسم فقط " والباقي على حكمة الباري.

المشردون وعارضوا الأزياء ومقدمو البرامج وبائعو الخضار والفاكهة والدجاج في الدول المتحضرة يعرفون الدستور جيدًا، ويمكنهم حتى الاقتباس منه، لأنهم يعيشون في دول تعلمهم حقوقهم وتحترم عقولهم، بينما في اليمن من المؤسف أن نسمع أن بعض المدونين أنفسهم لا يعرفون الوثيقة الأساسية، فكيف بالمواطن البسيط.

الدستور اليمني منذ بداية الوحدة أسس لمصلحة طبقة معينة من المجتمع، وليس للعامة، أما تحقيق كل نقطة من نقاط الدستور، فهذا من المستحيلات، وبالذات فيما يخص مقياس الإنسانية والعدالة الاجتماعية تجاه "المرأة" التي يحاول البعض إخفاء وجودها السياسي والاجتماعي، بحصرها بين كماشة محدودية النصوص الدستورية والقانونية وضعف ثقافة المجتمع الدستورية.

أتمنى أن لا أري دستورا جديدا من قبل أولئك الذين يختارون خيارات الولاء الضيق، التي تمثل كل عام حصة متناقصة من الأمة المنقسمة، فقيمة الدستور من قيمة الإنسان والدولة في قواعده، والتعليم والتنمية والحقوق في سلم أولوياته، فالبلد بحاجة إلى دستور من أجل الجميع، دستور قوي وعادل، أكان ذلك بالاتفاق على دستور يلم الشمل من أجل وطن واحد، أو بالعودة إلى ما قبل 22مايو 1990، وكل واحد ودستوره، لأن الناس تعبت، و تريد وطنا لا تستيقظ فيه كل صباح وتعتقد أن كل شيء قد تغير نحو الأسوأ، كيف لا ولدينا حكومتان وجيشان ورئيسان وبرلمانان، والكل يقاتل ولا يدري مع من وضد من، أوضاع تدفعك إما للعلاج في مصحة "السلام" للأمراض النفسية، أو أن تهاجر على الفور .

ضعف تأثير الدستور اليمني على الدولة والمجتمع أوجد وضعا غير مفهوم في البلاد، إذ ليس لدينا أحزاب سياسية قادرة على تشكيل حكومات جديدة (لأن بالعادة حكوماتنا هي من تشكل أحزابا وليس العكس)، وليس لدينا "موائد مستديرة" سياسية (بل حروب ومشاحنات وفضائح على قنوات التلفزيون)، نحن عمومًا لا نملك قدرة السياسيين الحقيقيين على التفاوض، لأن الثقافة السياسية الوحيدة التي اعتدناها منذ ثلاثين عامًا هي ثقافة تهميش الدستور والآخر والإهانة والتدمير.