سِحْر الدولة

> أتت حكومة وذهبت حكومة، ولا شيء من سِحْر حكومة الجنوب، ولا قطرة من عطرها ولونها وجمالها.

* كانت دولة بملء الرحاب، وصلت إلى سفوح الجبال وبطون الأودية. الوزراء الجُدد يعلمون أن التعاونية الاستهلاكية كانت في كل منطقة، فيها ما يكفي من الدقيق والقمح والأرز والسكر والسمن والحليب وغيرها، بسعر مناسب.

* هو سِحْر الدولة، كيس القمح بـ 107 شلنات، الدقيق "الطابونة" عالي الجودة بـ 114 شلنا، كرتون الحليب دانو بـ 150 شلنا. إنّه سِحر الدولة، وجمال الحكومة وبهاء العدل، ورونق النظام.

* لن أتحدث عن الماء الذي كان يجري 24 ساعة في الحنفية، ولا عمود الكهرباء الذي كان يشتعل في الصباح والمساء، ولا عن التعليم والتطبيب المجاني، ولا المواصلات المتاحة للموظف والطالب والمسافر. سأتحدث فقط عن "الخُبز".

* كان "الروتي" وكان "الخبز" وكان "الأرز" والدنيا بخير. حكومة أشبعت بطون الناس والبهائم. يروي سكان القُرى أنهم كانوا يسقون "الكباش" الصغيرة حليباً كامل الدسم في رضاعات إذا شحّت المراعي. اليوم يموت أطفال اليمنيين البؤساء من الجوع!

* حتى قطط المنازل أخذت نصيبها من شرب اللبَن. كان صُبح العدل يُسفر كل يوم في حياة الناس ومعايشهم، يمسون على عدل وينامون على عدل.

* لا حكومة بعد عام 1990 فعلت مثل هذا، ولا العُشر ولا حتى ربع العُشر!

*ما رأى الناس فقراً ولا أحسّوا بفاقة ولا أصابهم عَوَز، الفلّاح في الريف، الذي كان يسعى في الصباح بمنجله في مزرعته يجدُّ ويثابر، كان ولده يدرس في روسيا أو المجر أو تشيكوسلوفاكيا أو رومانيا أو بلغاريا أو ألمانيا الديمقراطية، يدرس والدولة تمنحه كل سُبل العيش الكريم خارج وطنه.

* كان "الخبز" يا حكومة الكفاءات يدور على الناس في كل مكان، ما رأينا متسولاً في المساجد ولا في المطاعم ولا في الطرقات، بينما اليوم، الموظف المدني والعسكري اضطرته الحكومات إلى التسول أمام الوزارات ومكاتب البريد والمؤسسات؛ للمطالبة بالراتب، الذي هو حق أصيل. حسبنا الله ونعم الوكيل.

*لم يكن لدى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية حقول من النفط ولا الغاز المسال ولا جبال من المعادن، لكن كان لديها رجال نالوا حظاً من الشهامة وافراً، فاتصفوا بأخلاق الكرام، فقدموا دروساً في الوفاء والإخلاص والنزاهة والتضحية.

* تذكّروا جيداً أن المحاسب الذي كان يصرف الراتب بانتظام نهاية الشهر كان يحمل معه نقوداً معدنية "شلنا، نصف شلن، عانة حمراء، عانة بيضاء"، يعطيك راتبك وافياً غير منقوص إلى آخر فلس. إنّه سِحر الدولة وإشراق العدل.

* ما شكا الناس من نفاذ "الراشن" في بيوتهم، بل صار الخير والبركة، وشاعت قيم الرحمة والتكافل بينهم، بينما يطلب الناس اليوم من المصلين في المساجد كيلو من الدقيق أو الأرز في مشاهد حزينة أراقت فيها الحكومات ماء وجه المواطن، وداست كرامته. حسبنا الله ونعم الوكيل.

* حكومة اليمن الديمقراطية أشبعت أطفال المسلمين حليباً وبسكويتاً، واليوم يتضوّر أطفال اليمنيين البؤساء جوعاً، وقد أحاطت بهم أمراض سوء التغذية، وأصبحت صور أطفال اليمن مثالاً للفقر والفاقة والمجاعة في كل وسائل إعلام العالم.

حسبنا الله ونعم الوكيل.

* أيتها الحكومات لن نسامحكم، أنتم غرماء المواطن يوم العرض على الله حين يُقال "اليوم تُجزى كل نفس بما كسبت"، "وقفوهم إنهم مسؤولون".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى