المناصب القيادية والكادر القديم

> قلد الوظيفة العامة حق من الحقوق التي حرص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهود والوثائق الدولية المعنية بحقوق الإنسان على النص عليّه صراحة بعبارات وألفاظ لا تقترب منها مهام التفسير أو التأويل. والهدف المبتغى من وراء ذلك هو أن ينعم المواطنون بخدمة وطنهم والمشاركة بإيجابية في بناء ورسم سياسة دولهم.

ولا شك في أن الحياة داخل الوظيفة العامة والانتماء إلى مرفق من مرافق الدولة والتفاني في خدمة الوطن شرف عظيم، والشعور بالقدرة على كتابة تاريخ جيد وتدوين صفحات من المجد في سجلات المرافق العامة ورسم السعادة على جبين المواطنين المرتبطة حوائجهم بالموظفين العمومين يضفي على النفس البهجة وعلى المستقبل الأمل.

وتبذل الدول المتقدمة جهدا خارقا في توفير جميع الإمكانات المادية والضمانات النفسية، بهدف إعلاء شأن الموظف العام، نتيجة إيمانهم العميق بأن نجاحها وتقدمها لا يقوم إلاّ على أكتاف الموظفين العموميين.
لا يخالجنا الشك في أن المسؤول، في أي موقع جديد، في حاجة ماسة إلى كوادر فنية متميزة، يعتمد عليها اعتمادا مباشرا في نهضة العمل داخل القطاع الجديد، تستوعب أفكاره ومنهجه في تصويب الأوضاع التي يرغب في إصلاحها.
إن أصحاب المنطق الغريب أن المسؤول في حاجة أيضا إلى كل من اقترب منه في أثناء شغله وظيفته الأولى السائق والساعي ومدير مكتبه، حتى لا يشعر أنصاره ومحبوه ومؤيدوه.

ويمكننا القول أن القيادة الناجحة هي التي تعتمد شرف الرئاسة، فالنجاح يرتبط بقدرته على التعامل مع الموظفين بالمرفق، الذين يعلمون أكثر مما يعلم غيرهم، وهو يملك توجيهم وتفعيل دورهم تحت إشرافه ورقابته، وكما تقول الحكمة التي أتمنى أن تستقر في وجدان كل قيادة: "لا يوجد موظف سيئ، يوجد رئيس سيئ" فالموظف السيئ سيئ؛ لأنه لم يجد من يعلمه مناسك وظيفته، ويدرب حواسه على أداء مهام عمله، ومن يداوي سلوكه ويصلح عيوبه ويضبط إيقاع عمله.

والمواطن العادي يسأل بهدوء ما الجريمة التي ارتكبها المرفق الذي نقلت منه هذه القيادة حتى يحرم من الكوادر الفنية التي ارتأت القيادة نقلهم منه إلى المرفق الجديد، والتي كانت تقوم بأداء العمل المكلفة به بدقة وأمانة واجتهاد؟ وما مصير طائفة الموظفين في المرفق الجديد الذين يشغلون ذات الوظائف التي يشغل من تم نقلهم إلى هذا المرفق؟ خاصة أن الجديد محل ثقة وتقدير القيادة، وما حجم المعاناة النفسية والإحباط الذي يصيب أصحاب الوظائف الثابتة في المرفق الجديد.

والحقيقة أننا لا نملك في هذا المقام إلاّ أن نتمنى أن تكون القاعدة التي تحكم اختيار أصحاب المناصب القيادية للموظفين العموميين المعاونين لهم والمنفذين لبرامجهم قائمة على معيار الكفاءة والتفاني في العمل، وأن يكون الهدف من وراء ذلك تنفيذ السياسة العامة للدولة وتحقيق المصلحة العامة دون النظر إلى أي اعتبارات شخصية أخرى، وأن تكون الاستعانة بالحرس القديم أي (الموظفين القديمين) في أضيق الحدود والاعتبارات ترتبط ارتباطا وثيقا بالمصلحة العامة، وتفتضيها حالة الضرورة.

أما في يومنا هذا فلم تراعَ المقاييس عند تعين شخص ما، ولم يوضع الرجل المناسب في المكان المناسب. للأسف، صارت أحوالنا مثل صلاة المساجين أمام المسجد (مدمن) والمؤذن حرامي. ومهما تبوأ الإنسان منصبا رفيعا فإن الصغار يبقون صغارا، مهما كبروا أو أحتلوا مراكز مرموقة، وكما يقول المتنبي:

ودهر ناسه ناس صغار ** وإن كانت لهم جثث ضخام

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى