نحن و ديناميكا السياسة

> كلنا يعلم أن الديناميكا علم مختص بدراسة حركة الأجسام تحت تأثير القوة أو القوى المسببة لحركة تلك الأجسام. وكذلك القرارات السياسية بمختلف مستوياتها، هي بطبيعتها نتائج ومحصلة لحركات القوى السياسية الفاعلة، سواء منها المتحالفة أم المتضادة، التي تأتي تحت تأثير تفاعلات تلك القوى فيما بينها، أو مع غيرها سلبا أو إيجابا بهدف الحصول على نتائج معينة متوخاة، لصالح تلك القوى السياسية ومن تمثله من قوى شعبية أو سياسية في هذا المجتمع أو ذاك. إن اتخاذ قائد ما لقرار سياسي صائب، هو في الحقيقة ليس سوى انعكاس لما يتوفر لديه من معلومات حقيقية وصائبة، من مصادر موثوقة، إضافة إلى القراءة الدقيقة للواقع ومتغيراته وثوابته الأقل عرضة للتغيير، وبالتالي فإن تغير السياسات، وبالتالي القرارات السياسية، يتم باستمرار كأمر حتمي تفرضه ديناميكية وتطور الحياة نفسها. بل إن الحياة و ديناميكيتها تتطلب في أحايين كثيرة اتخاذ قرارات سياسية استباقية تؤمن النتائج المرجوة المتمثلة في تحقيق المصالح الحياتية لشعب أو مجتمع ما، وفي حالة كهذه تتجلى براعة القائد والقيادة. وهنا علينا أن نوضح قولنا إننا نتحدث عن القائد والقيادة المتمكنة، المالكة لحريتها في اتخاذ القرار بنسبة مئة في المئة، ولا حديث لنا عن غيرها من أنواع القيادات التابعة لغيرها، أو من تسييرها مصالح وقوى أخرى.

دعونا نضرب مثالا عن تلك القوى ذات درجة الحرية الأعلى(كما يقال في علم الميكانيكا)، المالكة لقرارها، من خلال دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية. فخلال أقل من ستة أسابيع اتخذت قيادتها(وهنا لن نشخصن الأمور) قرارين مختلفين إلى درجة التضاد، الأول يصنف الحركة الحوثية بأنها حركة إرهابية والآخر يلغي القرار الأول ويرفع الحركة من القائمة. مثال آخر يتعلق بالقرار الأوروبي حول الأزمة اليمنية ،وقد حمل في طياته رؤية جديدة للأزمة في اليمن يتناقض بعضها بل وكثير من أفرع القرار مع قرارات سابقة له. وكلا القرارين لهما تبعاتهما ويفضيان إلى مترتبات جديدة تتجاوز غباء اتفاقية الرياض و من قبلها المبادرة الخليجية وحتى بعض مقتضيات قرار مجلس الأمن حول الأزمة في اليمن.

و نحن في الجنوب، وفي الطليعة منا قيادة المجلس الانتقالي الرافع والحامل السياسي للقضية الأم (القضية الجنوبية) والمطالب بحق شعبنا في استعادة حريته ودولة الجنوب وفقا للمواثيق الدولية والقانون الدولي، ينبغي لنا جميعا رفع صوتنا وتحريك كل قدراتنا و استشعار كل متغيرات اللحظة، وتفعيل تلك القدرات السياسية والعسكرية ووضع العالم أمام حقائق الحياة على الواقع.

إن الرهان على ترهات فات زمانها، ومناقشة وشرح أمور عفت عليها المتغيرات السياسية ليس سوى صنف من أنواع إهدار الوقت والقدرات على مما لا ترجى منه فائدة تذكر. علينا أن نعيد النظر في كل مواقفنا السياسية البينية، وتلك التي مع الآخر وبناء مواقف سياسية تستجيب لمتغيرات اللحظة ومعطياتها.
إن من الغباء السياسي أن نتبع أو نحاكي أو نطاوع سياسات مثل سياسة قيادة الشرعية (التي كيفنا أفعالنا السياسية على نهجها) والتي حسبت أن بإمكان العالم المحيط أن يستوعب مزاجها السياسي الاستاتيكي الجامد إلى ما لا نهاية. الوقت سيف إن لم تقطعه قطعك.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى