يمننة "لكل حسب قوّة ساعده"

> من شعارات زمن الأحلام كان شعار "من كلٍ حسب قدرته، ولكلٍ حسب حاجته"، ومن شعاراته أيضا "يمن ديمقراطي موحد نفديه بالدم والأرواح، وأشعلناها ثورة حمراء بعنف العامل والفلاح".
هذه الأحلام الطوباوية تلاشت، وتلاشى معها العامل والفلاح، لكن لا زالت العقول المتخشبة من بقايا ذاك الزمن الدامي متوقفة عند مربع الشعارات ذاك، ولم تجد من يعيد برمجتها لتستوعب المتغيرات التي فرضت نفسها على واقع اليوم.

كان والدي -رحمة الله تغشاه- يطلق على جيلنا صفة "الجيل اللقيط" واصفا إياه بأنه جيل مشوّه الثقافة، ويقول "لا دخلتم العصر وأخذتم بتلابيب العصرنة، ولا تمسكتم بثقافة آبائكم وحسنتموها، ولهذا ضعتم بالوسط".
حالنا مع وهم اليمننة لا يشذ عن أوهام "الجيل اللقيط" فقد أثبتت الوقائع أن اليمن الديمقراطي الموحد كان مجرد سراب، فلم نلمس ديمقراطية، ولم يأخذ كل حسب حاجته، وما لمسناه هو ديمقراطية "ما لها إلا علي"، ولكل "حسب قوة ساعده".

لم نرَ اندماجا مجتمعيا أو اجتماعيا، وكل ما رأيناه هو أن ابن الجنوب العربي ذهب لصنعاء ليرى كيف يعيش الإنسان في مجتمع الغابة حيث يأكل القوي الضعيف، ويأتي ابن العربية اليمنية إلى عدن ليبحث عن الفيد، لا ليرى ثقافة وحياة الناس في الجنوب، حتى أن أحد قادة الجيش اليمنى قال "أمانة أنكم تستحقون حق الحِفاظة، فقد حافظتم على كل شيء في الجنوب وجعلتموه ملكية عامة عشان نجي نبزّه".

أم الكورث هي أن العقول المتخشبة لا تجهل متغيرات الواقع فقط، ولكنها تجهل حتى التاريخ القريب أيضا، وقد نغفر هذا التجاهل للمستعمر اليمني، حسب وصف الفريق علي محسن الأحمر، ممن يدافعون عن مسروقاتهم في الجنوب بشعار الوحدة واليمننة، لكننا نستغرب ذلك من قيادات جنوبية شاركت بشكل أو بآخر في ذبح الجنوب وإفراغه من كل المقومات الوطنية بما في ذلك ثقافته وإرثه.

هناك مسلمات هي:

- إن اليمن جهة وليست كيان، ولم يشهد التاريخ كيان سياسي باسم اليمن إلا في عام ١٩١٨م، عندما حول الإمام مسمى دولته من الهاشمية إلى اليمنية، ولم تكن أي من إمارات وسلطنات ومشيخات الجنوب العربي جزءاً منه.

- إن الجنوب العربي تمت يمننته في ١٩٦٧م برغبة الجبهة القومية، وهذا ما تؤكده وثيقة الاستقلال، وما أكده رموز ذاك الزمن، ومنهم الرئيس البيض والرئيس علي ناصر وغيرهم.

- إن مسمى اليمن ليس عيبا أو نقيصة، ولكنها تزوير للتاريخ اتخذها البعض شعارا لتملك الجنوب العربي.

- إن الوحدة هي وسيلة وليست غاية، وطالما لم تحقق مصلحة للناس فقد انتفى مبرر وجودها.

جدير بالإشارة أن هناك فرق بين الجنوب العربي ودولة اتحاد الجنوب العربي.

مستقبل الجنوب اليوم على المحك، ويتحمل وزر ما ستؤول إليه الأحداث كل معاصريها بدون استثناء، ولن ينفع النواح بعد فوات الأوان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى