المستشفيات الخاصة.. تجارة حرب تضاعف أوجاع اليمنيين

> تقرير/ محمد راجح:

> ​تشهد المستشفيات والمرافق الصحية الخاصة توسعا مضطردا في اليمن، رغم ما يمر به من حرب وصراع طاحن منذ ست سنوات، كان القطاع الصحي أبرز ضحاياهما نظراً لتردي وضعيته المزرية، خصوصاً في المنشآت والمرافق العامة، والتي تعد بمثابة شاهد عيان على ما فعلته الحرب باليمن واليمنيين. ويأتي ذلك في الوقت الذي يواجه فيه اليمن جائحة صحية في ظل تفشي فيروس كورونا.

وتبدو الصورة قاتمة في أغلب المرافق والمستشفيات الخاصة التي تعمل، وفق مراقبين ومرضى تعاملوا معها، على استنزاف الجيوب ومضاعفة أوجاع وآلام المواطنين، إذ ينصب تركيزها على الفاتورة أكثر من الخدمة التي تقدمها للمرضى الذين يلجأون إليها هروباً من تردي أوضاع الخدمات في القطاعات الصحية العامة.

هذه الصورة القاتمة يوضحها المواطن عباس العوني، الذي قدم من إحدى مناطق ريف صنعاء للعلاج في مستشفى خاص بالعاصمة اليمنية ليجري عمليات خاصة بالكلى بأسعار مخفضة، إذ يعاني، كما يؤكد، من مشاكل في كليته تتطلب تدخلا جراحيا يتمثل بإجراء عملية بأشعة الليزر بعدما استخدم كافة الوسائل الطبية والوصفات الدوائية والتي لم تحقق أي فائدة مرجوة سوى تضخم فواتير علاجه في المستشفيات الخاصة، وفق حديث العوني لـ"العربي الجديد".

تكاليف باهظة
تصل تكاليف هذا النوع من العمليات الجراحية إلى ما يقارب 450 ألف ريال (الدولار = نحو 600 ريال في صنعاء)، في المستشفيات والمرافق الطبية الخاصة التي تستخدم أشعة الليزر في مثل هذه التدخلات الجراحية، لكن ما تعلن عنه من تخفيضات لا ينعكس على الفاتورة التي تقدمها للمريض.

كما يوضح العوني، والذي دفع أكثر من 400 ألف ريال بعد إجراء مجموعة من الحسابات المتعلقة بالتدخل الجراحي الذي خضع له والمرافقين والأيام التي أمضاها بالمرفق الطبي، إضافة إلى أسعار الأدوية وغيرها من الإجراءات التي أثقلت كأهله وتكاليف خسائره على المستشفيات والمرافق الخاصة منذ أكثر من عام.

كما اضطر المواطن هشام غانم إلى دفع 300 ألف ريال، كما يقول لـ"العربي الجديد"، لإجراء عملية جراحية لإزالة "الزائدة الدودية" في مرفق طبي خاص، والذي رفض إجراءها إلا بعد دفع المبلغ المطلوب في الفاتورة بالكامل، وهو ما فعله هشام مجبراً بعدما رهن ذهب زوجته لدى أحد الميسورين لدفع تكاليف هذه العملية.

تجّار الحرب
لا تتوقف تجارة الحرب في اليمن عند السوق السوداء للوقود والكهرباء والعملة والتعليم ومختلف الخدمات الاقتصادية، بل تشمل أيضا أهم المرافق الخدمية المتمثلة بالقطاع الطبي والمستشفيات الخاصة التي اجتذبت حصتها من أموال الحرب، إذ ساعد تخلي الدولة في اليمن عن مسؤوليتها في تقديم مثل هذه الخدمات للمواطنين أو تحسين ما هو متاح منها، في تسلل تجّار الحرب إلى هذا النوع من الأعمال وتوسعته وانتشاره في ظل ارتفاع خيالي في تكاليف الخدمات الطبية التي يقدمها.

وتأتي العاصمة اليمنية صنعاء في مقدمة المدن التي تنتشر فيها المنشآت والمستشفيات والمرافق الطبية الخاصة، والتي زاد عددها خلال سنوات الحرب إلى أكثر من 80 مرفقا من 65 مرفقا قبل الحرب.

من هذا العدد، وفق تأكيدات مصادر طبية رسمية، فإن 11 مستشفى من المرافق الصحية الخاصة العاملة فقط مطابقة للمواصفات والمعايير المطلوبة، بينما 15 مستشفى تفتقد لأبسط الإمكانيات والأجهزة الطبية الضرورية واللازمة في عملها، في حين يحتاج أكثر من 40 مرفقا إلى مراجعة عمله وتصحيح أوضاعه.

توسيع الاستثمارات الطبية
وساهم إغلاق مطار صنعاء بسبب الحرب الدائرة في اليمن في توسيع الاستثمارات في الخدمات والمرافق الطبية وارتفاع تكاليف الاستثمار في هذا النوع من الأعمال، كما يتحدث لـ"العربي الجديد" أحد المستثمرين في القطاع الصحي بالعاصمة اليمنية صنعاء، الذي فضل عدم ذكر اسمه، إذ يشير إلى أنه استثمر أكثر من 80 مليون دولار لإنشاء مستشفى خاص ورفده بأحدث الأجهزة الطبية للمساهمة، كما يقول، في تخفيف الأعباء عن المواطنين المرضى في مناطق شمال اليمن والذين لا يستطيعون السفر للعلاج في الخارج، كما اعتاد بعضهم، بسبب إغلاق مطار صنعاء ومشقة التنقل بين المناطق اليمنية للوصول إلى المطارات الوحيدة العاملة في كل من عدن وسيئون.
 
وسمح قانون الاستثمار اليمني الصادر قبل الحرب للقطاع الخاص بمشاركة القطاع الحكومي في تقديم الخدمات الصحية بهدف توسيع البنية التحتية الأساسية لهذا القطاع وزيادة الكوادر المؤهلة وتوسع نشاط البرامج الصحية المختلفة.
وتعمل كثير من مستشفيات القطاع الخاص على تحقيق معدلات جيدة من الربح بنظام إدارة الأعمال المعتمد على تحقيق أعلى مستوى من الجودة بأقل كلفة.

فوضى أسعار الخدمات
يؤكد مختصون أن غياب الرقابة شجع مثل هذه القطاعات الصحية على الإمعان في استغلال واضطهاد المواطنين الذين لم يجدوا رعاية طبية في القطاعات الصحية العامة التي ارتبطت عملية تدميرها بتقوية مراكز ونفوذ القطاعات الطبية الخاصة، والتي ترفض بعضها العملة الوطنية وتطالب المرضى بتسديد فواتير علاجهم بالدولار، إذ تصل كلفة مبيت مريض لليلة واحدة في مستشفى خاص إلى نحو 150 دولارا.

هذا الاستغلال شكل عبئاً كبيراً على المواطن اليمني الذي جردته الحرب من مختلف سبل العيش والخدمات العامة، وجعلته عرضة للاستغلال الطبي وسط ارتفاعات قياسية في أسعار وتكاليف الخدمات الطبية وغير الطبية.
وعملت وزارة الصحة في صنعاء، نهاية العام الماضي، على وضع تسعيرة موحدة خاصة بالمستشفيات والمرافق الصحية الخاصة.

حددت هذه التسعيرة، التي لا تلتزم بها بعض المرافق والمستشفيات الخاصة، سعر كلفة المعاينة لدى الطبيب العام بنحو 1000 ريال، والطبيب الأخصائي 2000 ريال، وحوالي 3000 ريال للاستشاري، فيما تتدرج تسعيرة الفحص في المختبرات من 600 إلى نحو 1500 ريال، وقد تصل في بعض أنواع الفحوصات في مختبرات الدم إلى 18 ألف ريال.

ويلمح الأكاديمي في المعهد الوطني للعلوم الصحية عبد الرحمن قايد إلى عدم قدرة الجهات المختصة على ضبط الفوضى الحاصلة في أسعار الخدمات الطبية التي تقدمها هذه المرافق بشكل دقيق عبر إجراءات رقابية صارمة، إذ يتطلب الأمر، وفق حديث قايد لـ"العربي الجديد"، تصنيفا واضحا ودقيقا لهذه المنشآت والمرافق والمستشفيات ولكل صنف دوائي، وذلك نظراً لتفاوت استثماراتها وحجم المنشآت التي تديرها ومستوياتها.

عملية ضبط الفوضى في هذه الأعمال تتطلب توحيد المعايير والمؤشرات والمواصفات القياسية للخدمات الصحية وتنسيق الخطط بين جميع الجهات التي تقدم الخدمات الصحية، وتطبيق معايير موحدة للجودة والنوعية وتقديم الاداء، بالإضافة إلى تلافي الازدواجية في تقديم الخدمات الطبية وتحديد دور كل جهة وتقليص الإهدار المتمثل في استخدام المريض لأكثر من منشأة صحية للغرض ذاته.

ويجزم قايد أن تدني نصيب الصحة من الإنفاق العام في اليمن، والذي لا يزيد عن 5%، حد من عملية الاستثمارات الحكومية في هذه المجالات، وهو ما انعكس على وضعية المراكز والمرافق الصحية العامة التي تعاني من نقص في تجهيزاتها وفي مواردها المالية وكوادرها الفنية والطبية ومن محدودية انتشار خدماتها.

وتسببت الحرب الدائرة في خسائر كبيرة لمختلف القطاعات الاقتصادية، ومنها الصحة، كما أدى الصراع إلى انكماش تراكمي واسع في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، قدره تقرير رسمي بنحو 46.1% للفترة ما بين 2014 و2019، ما قلل من فرص تطوير القطاع الصحي.
وقدر تقرير حديث لقطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية الحكومي بالتعاون مع اليونيسف والبنك الدولي، حصلت "العربي الجديد" على نسخة منه، أن تصل الخسارة التراكمية في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى حوالي 181 مليار دولار في حال استمر الصراع والحرب في اليمن عامين إضافيين.

وبخلاف الكلفة الاقتصادية، هناك كلفة اجتماعية نتيجة تردي الوضع الاجتماعي والإنساني، حيث عصفت باليمن أزمة إنسانية تعد من بين الأسوأ إقليمياً وعالمياً، بحسب تقديرات الأمم المتحدة، والتي تشير إلى أن 24.3 مليون شخص، أي أكثر من 80% من السكان، في حاجة إلى نوع من المساعدات، منهم 14.4 مليوناً في عوز شديد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى