الحل العملي والمنطقي لوقف الحرب

> نشهد تكثيفا واسعا للجهود الدولية تجاه إنهاء الحرب في " الجمهورية اليمنية" ومواجهة الوضع الإنساني المتدهور وحل الأزمة السياسية عبر التفاوض السياسي، ولا يختلف أحد على هذه النوايا ولكن لا تُعرَف كيفية ووسائل تحقيق ذلك.

المبعوث الأممي وأمريكا وبريطانيا وروسيا والصين ودول الاتحاد الأوروبي تقول إن أساس الحل هو بيد الأطراف داخل "الجمهورية اليمنية" وإن مساعيهم لا تعدو كونها مُيسِّرة، وليس بأيديهم تقديم حل سحري أو عملي لكل تلك المسارات أو فرض حلول جاهزة، وقد رأينا كيف أن قرارات مجلس الأمن الدولي لم تجد طريقها للتنفيذ رغم جهود ثلاثة مبعوثين أمميين إلى اليمن وبدعم غير محدود من دول عدة.

المعروف إن الحل العسكري فشل، ودور القوى السياسية والشعبية مفقود، والأطراف الفاعلة في الصراع كل منها متمترس في العداء خلف أهدافه السياسية وآليته العسكرية، ولا يوجد طرف مؤهل ومقبول داخل " الجمهورية اليمنية" يمكن له أن يلعب دوراً أساسيا في تقريب وجهات النظر بين أطراف الصراع تقود إلى إنهاء الحرب، والمرجعيات الثلاث (نتائج مؤتمر الحوار الوطني والمبادرة الخليجية، وقرار مجلس الأمن الدولي 2216) قد تجاوزها الزمن كإطار لوقف الحرب وإيجاد حل سياسي، نظرا لبروز تغيرات هامة على الأرض وفي ميزان القوى الفاعلة، وأصبحت قدرة أي طرف من أطراف الصراع على إلغاء أي طرف آخر أو حتى الهيمنة عليه أمرا مستحيلا، هذه الحالة المتناقضة تخبرنا بأن الحديث عن حل يمني يمني مباشر دون تأثير خارجي فعال هو حديث مثالي ومؤشر على انسداد أفق إنهاء الحرب.

ومعروف أيضا أن كل أطراف الصراع في "الجمهورية اليمنية" لها ارتباطات خارجية بدول إقليمية، وكل طرف إقليمي له ارتباطات أيضا بدول خارج الإقليم، تجمعهما روابط متوافقة وأحيانا متناقضة سياسية كانت أو مصالح مختلفة، ولهذه الارتباطات والعلاقات انعكاسات معينة على أطراف الصراع وطبيعته في اليمن بهذا الشكل والمستوى أو ذاك.

وبين الدول الفاعلة في الأزمة توجد أيضا خلافات أو تباينات سياسية وأمنية، وحول مصالحها الاقتصادية في المنطقة، وما يتصل بها بحيث تصل الخلافات أحيانا إلى درجة التناقض العميق، والتأمل فيها يقودنا إلى إدراك أن كل تلك الدول باختلاف مصالحها حاضرة في الأزمة اليمنية، وبالتالي لها بالضرورة دور مقرر في استمرار أو إنهاء الحرب وإحلال السلام ليس في "الجمهورية اليمنية" فقط - وإن كان هو العنوان- بل في المنطقة بأسرها وبما يخدم السلام العالمي.

إن مشهد الصراع في (الجمهورية اليمنية) على تلك الصورة يشير إلى أن البحث عن حل عملي لإنهاء الحرب وما يترتب على ذلك من حلول لبقية المشكلات نحو الحل المستدام لا بد أن ينظر إليها من خلال توحيد جهود الأطراف الفاعلة في الحرب داخل "الجمهورية اليمنية" - سلطة الرئيس هادي، الحوثيين، المجلس الانتقالي الجنوبي- بالإضافة إلى الأطراف الإقليمية والدولية ذات الصلة المباشرة وغير المباشرة في الحرب، وأشدد هنا بشكل خاص على أن حل الخلافات الثنائية بين قطبي دول المنطقة - المملكة العربية السعودية وإيران - وبمساعدة المجتمع الدولي وضمان مصالح وأمن كل منهما من ناحية ومصالح بقية دول العالم ذات الصلة في المنطقة من جهة أخرى أمر في غاية الأهمية، ويحتل أولوية في الظروف الراهنة، كونه سيشكل مدخلا مهما لبداية وقف الحرب في (الجمهورية اليمنية) واستتباب الأمن، وسيؤثر إيجابا على السلام في المنطقة عموما.

إن سبيل الحل الدبلوماسي والسياسي عبر أطراف خارجية إقليمية ودولية (بعد أن تحل خلافاتها البينية أولا) بات هو المدخل العملي الوحيد. ورغم مشقته إلا أنه سيشكل بنجاحه تطويقا ناجحا للازمة من الخارج ومحاصرتها في الداخل من خلال وقف كل أشكال التدخل الخارجي في الشأن اليمني من قبل أي دولة كانت، ويسهل تقديم المساعدة للأطراف المتحاربة.

بهكذا جهد لحل الخلافات بين دول الإقليم وتوحيد الموقف الدولي وضمان مصالح كل منهم من شأنه أن يحمِل الأطراف الخارجية على وقف دعمهم لأطراف الصراع وتضافر جهودهم لإنجاح إقناعهم للأطراف المتحاربة على وقف الحرب وحثهم على الدخول في مفاوضات للوصول إلى حل سياسي للازمة وتيسير وضمان مسارات مراحل الحلول ومخرجاتها، وهذا الدور الخارجي سيسهل فيما بعد دور القوى في "الجمهورية اليمنية" ويشجعهم في الجلوس مع بعضهم لبحث ووضع الحلول لوقف الحرب وحل الأزمة بما يضمن حق وجود ومصالح أطراف النزاع وقبول الآخر، وبما يحقق الأمن والاستقرار والتنمية وإحلال السلام الدائم في المنطقة ويمثل إسهاما فعالا في تحقيق السلام العالمي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى