المطوعة سعدة "قصة قصيرة"

> عبدالله قيسان

>
ـ من تريد ربي يسهل لها في الرزق، تكرم زوجها (قالت المطوعة وهي تشير بيدها).

ـ هذا حديث يا مطوعة؟! (سألت سلمى بصوت قوي).

ـ هذا إرشاد بارك الله فيك (ردت عليها بصوت هادئ).

طغت نظرات الخجل على وجوه النسوة، فماذا تعني بإكرام الزوج غير النواحي العاطفية ؟!

كانت المطوعة(سعدة) تجلس خلف طاولة صغيرة أمامها، وعليها بعض الكتب، حين بدأت محاضرتها الأسبوعية عن حقوق الزوج في منزلهم وسط القرية، الرابعة عصراً وما زالت النسوة يتوافدن. احتشد المكان، فأمرت بزيادة الفرش. وهذا ما يريحها، فتشعر أنها حققت وصية زوجها الثالث، فقد أوصاها بنشر الدين في القرية بين أوساط النساء، وهي اليوم تنفذ وعدها له، فقد كان أحب زوج لها عاشت معه حياة مثيرة برغم صغر سنه عنها بسنين عديدة. واستمرت، برغم مضايقة زميلتها(سلمى)بالأسئلة المحرجة، وأحياناً بالتحريض ضدها في القرية.

كانت (سلمى) أكثر نساء القرية ثقافة، فقد أكملت الثانوية، ولم تستطع دخول الكلية لكثرة المصاريف وغلاء المواصلات، بعكس المطوعة التي انقطعت عن الدراسة من الصف التاسع لتتزوج وهي في الرابعة عشرة. وواصلت حديثها: "المرأة ملك لزوجها من أصابع القدم حتى شعر رأسها" تململ النساء وأخذن يتهامسن بينهن، وهمست (حليمة) وهي تحضر أول مرة في أذن (سلمى):

ـ مالها المطوعة عيطاء؟ (وكادت تنفجر بالضحك).

ـ لا ولد ولا كلد. ابتسرت في الحروب ! (قالت سلمى ضاحكة).

شاركت المطوعة سعدة في حرب صعدة الرابعة خلال زواجها الأول، وعند مقتل زوجها، أوصى أحد رفاقه في المعركة بها خيراً، ولم يتمكن من إيصالها إلى أهلها في القرية، فأكملت عدتها هناك فتزوجها، وبعد أن هدأت الحرب قاما بزيارة الأهل في القرية فباركوا الزواج. ومع قيام الحرب الخامسة كانت المطوعة(سعدة) في مقدمة المشاركين من النساء تعد الطعام وتساعد الجرحى وتحفز المجاهدين على القتال، حتى أكرم الله زوجها بالشهادة بعد إصابة بالغة نقل على أثرها إلى المستشفى، وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، استدعى أحد زملائه وكان من المقربين إليه، فأوصاه بزوجته خيراً، فأوصلها إلى أهلها في القرية، وما لبث بعد انقضاء عدتها أن خطبها من أهلها، فتزوجها وكان يصغرها كثيراً، وبعد مرور سنة أو أكثر، اشتعلت حرب دمّـاج ففضل بقاءها عند الأهل والتحق هو بالمجاهدين هناك، ولم يمض ِ شهر حتى جاء نعيه، فصعدتْ أعلى بيتهم لتطلق الزغاريد فرحانة باستشهاده، برغم الدموع التي كانت تبلل خديها وتسكب على صدرها.

وكانت تواصل حديثها، فتحِسّ أن زميلتها (سلمى) غير راضية عن أفكارها وإنما تحضر اللقاء لقضاء الوقت والتسلية بمعارضتها، وهذا ليس اليوم، من زماااان، فقد كانت المنافسة الوحيدة لها في مدرسة القرية، وتعرف كثيراً عن مغامرات طفولتها، لهذا هي تتحاشاها بقدر الإمكان. واستكملت حديثها: "المرأة تخرج مرتين في حياتها: مرة من بيت أبيها إلى بيت زوجها، والثانية من بيت زوجها إلى القبر:

ـ فال الله ولا فالك يا مطوعة (قالت عجوز كانت تحضر اللقاء ونفضت قفاها وقامت).

ـ اجلسي يا حجة (صاحت المطوعة لكن بدون جدوى).

ـ فكوا شاجزع (كانت تمر بين النساء بعصبية).

ضجت الغرفة بالضحك وساد هرجٌ كثير، اختلط مع نهيق الحمير القادمة من المزارع، وتجاوبت معه كلاب القرية، فاضطرت المطوعة إلى ختام الحلقة بالصلاة والسلام على النبي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى