النحالة مهنة تورث الصبر وتتطلب الترحال..

> تقرير/ علي بن الهيثم

>
  • المواطن يرى النحالة مصدر دخل لا ميراثا ثقافيا يجب تطويره
  • 15 مليار ريال عائدات تصدير العسل ما قبل الحرب
لم يتوقع النحال صلاح الضيف أن هوايته في جمع خلية نحل برية واحدة ووضعها في صندوق ستجعله يومًا مربيًا للنحل، وتتخطى منتجاته حدود البلاد ليصل في تصديرها أرجاءً واسعة من البلاد العربية.
حكاية المنحل الضيف مع خلايا النحل بدأت قبل (22 عاما) حينما لاحظ أن النحل مخلوق منظم وصبور وعنيد في بناء خلاياه قبل أن تصير عسلًا يستخدم للغذاء والعلاج.

هذه الصفات أعطت الضيف المثابرة والعمل الجاد على مدار الأعوام الماضية، ما مكنه من تصدير العسل إلى الإمارات المتحدة والمملكة العربية السعودية.
يقول الضيف "إن البداية لم تكن سهلة، لأنني لم أرث الهواية من والدي ليكشف لي تفاصيلها وأسرارها، إلا أن النحل أورثني صفاته التي بدأت أتحلى بها فيما بعد وهي سبب نجاحي الآن".

ويملك الضيف 300 خلية نحل موزعة في المحافظات الجنوبية، ويقضي ساعات طويلة بعمله متنقلا بسعادة بين تلك المدن غير آبه لمسافات الطرق الطويلة والمشاكل التي يتعرض لها مربو النحل ومنتجوه.
ويضيف: "الخلية الواحدة تتكون من خشب مربع ويصل عدد النحل فيها إلى 40,000 ألف نحلة تقريباً، التي تنشط بفصل الربيع مقارنة بفصل الشتاء الذي يصل إلى 20 ألف نحلة في الصندوق الواحد".

ويُقطف العسل بأيدي مهرة أربع مرات سنويا، وتضع ملكة كل خلية ما لا يقل عن 300 آلاف بيضة في اليوم الواحد، ويكون العمر الزمني للنحلة 70 يومًا، وبعد سبعة أيام تنطلق النحلة خارج الخلية وتبدأ بجمع الرحيق وحبوب اللقاح.
ويشير الضيف إلى أن "قطف العسل يبدأ بعد أن يضع المخلوق الذهبي العسل في العيون السداسية، وعند امتلاء العين يقوم النحل بتشميعها للمحافظة عليها قبل بدء عملية القطف".

ورغم المشاكل التي تواجهه خلال عمله بتربية وإنتاج العسل، إلا أنه يصر على المضي قدما في طريقه التي اختارها، ولعل أبرز ما يؤرقه هو وجود العسل المغشوش بكميات كبيرة في الأسواق المحلية، مؤكدا أنه غير طبيعي وليس أكثر من خليط ممزوج بالسكريات والأحماض الأمينية.
ويتابع المنحل الضيف أن "العسل المستورد، بالأخص العسل الصيني يشكل تحديًا لنا باعتبارنا منتجين للعسل بسبب رخص أسعاره التي تشكل إقبالا وتفضيلا بالنسبة للمواطن محدود الدخل".

معيشتهم في التنقل والترحال
واعتاد المسافرون بين المدن رؤية العديد من النحالين المتنقلين، وكثيرا ما تساءلوا عن سر اهتمامهم بهذه المهنة وكيف هي معيشتهم في هذا التنقل والترحال.. وحول تلك المهنة "العسال أو النحال المنتقل"، يوضح النحال الضيف: "إن النحال يتنقل بين مراعي النحل في الأماكن والجبال من أجل الحصول على عسل جيد بنكهة الطبيعة وفوائدها، حيث يحمل مناحله معه، أما العسل فأسعاره تتراوح حسب النوعية، وهو عسل طبيعي ينتج هنا في المنحل، وهو مفيد ونافع بإذن الله تعالى يقوم بتنظيف المعدة ويحمي من الزكام ويعالج السكري وله العديد من الفوائد".

ويضيف: "لا بد من التنقل لتتبع الربيع والأمطار، والأجواء المعتدلة والمناطق المشجرة، وأهم الأشجار التي يحبها النحل ويجني منها الرحيق هي القرملة والعرفجة والطلح والسدر، لأن النحل ينتعش فيها ويتكاثر ويجيب (عول) يعني مجموعات ويفرخ كثيرا ثم نقوم برعاية الأمهات بشكل خاص، والأمهات اسم خاص يطلق على الصندوق القديم الذي يطلع فيه النحل الجديد، حيث يخرج النحل القديم من الصندوق إلى الشجرة ثم نقوم بإحضاره إلى صندوق جديد يسمى البكر ليقوم بالبناء من البداية، حيث يصنع عمائر بأشكال سداسية عجيبة".

ويسترسل: "ومن خلال هذا العمل الشاق والمتعب، ومعيشة الترحال والسفر نبتغي به حياة طيبة لأسرنا وأطفالنا أفضل من أن نمد أيدينا إلى الذي يسوى والذي لا يسوى".
ويتابع حديثه: "وقد تزايدت أعداد النحالين في السنوات الماضية بأبين بشكل كبير وأصبحت مهنة النحالة المصدر الرئيسي لدخل الكثير من الأسر الفقيرة، وتتصدر محافظة أبين المحافظات الثانية الأكثر إنتاجا للعسل اليمني بأنواعه المختلفة".

وتجولت "الأيام" في أسواق مناطق أبين أكثر من مرة وسط زحام كبير من الباعة والسيارات والمتسوقين في ساحة صغيرة بجانب شارع خلفي محاط بالمحال التجارية.
وتعد محافظة أبين من أكبر أسواق العسل في المحافظات الجنوبية، والتي تحرص على وجود فيها نحالين وتجار عسل من مناطق أبين ومحافظات أخرى لعرض وبيع منتجاتهم خلال الموسم بعد انتهاء فترة القطف (جني العسل).

وتربية النحل وإنتاج العسل من الحرف القديمة في بلادنا، إذ يعود تاريخها إلى القرن العاشر قبل الميلاد كمصدر رزق وزيادة في الدخل لكثير من الأسر فضلا عن توفيرها لفرص عمل جديدة.. ويتمتع العسل الحضرمي بمكانة مرموقة وشهرة تجارية كبيرة فقد بلغت قيمة الكيلو جرام الواحد من العسل سعرا لم يبلغه أي نوع من العسل في العالم.. فاليمن من أهم المناطق لتربية النحل لتنوع المناخ والمراعي الطبيعية طوال العام.

مهنة النحالة كمصدر رزق
النحال قاسم أبو ناصر من محافظة أبين أشار إلى أنه وعددا من أصحابه يحرصون على بيع منتجاتهم من العسل في أسواق أبين أو شبوة منذ سنوات طويلة "ومهنة النحالة وبيع العسل هي كمصدر رزق لأسرتي لعدم وجود وظيفة معي في أي مرفق حكومي، ونناشد الحكومة أن توفر فرص العمل الحكومي للعاطلين عن العمل".

من ناحيته قال المنحل قاسم مرشد، في الخمسينات من العمر: "لجأت إلى تربية النحل كمصدر رزق بدلا من فقدان الوظيفة، وإن العسل الذي أنتجه يوفر لي غالب احتياجات أسرتي منذ سنوات، وأنا أتعامل مع تجار مشهورين في بيع العسل يتسابقون لشراء منتجي لجودته العالية".

ميراث ثقافي وتاريخي
طلبنا من أحد الباعة في محلات العسل أن يعرفنا على أنواع العسل فأجاب: "عسل السدر أهمها وأجودها، يليه السمرة والمراعي، ومروة، وموسم كل نوع مرة واحدة العام.. والزبون يحرص على الشراء من المحلات أكثر من خارجها، فإذا وقع في الغش لا قدر الله أو اشتبه فيه يرجّع العسل لك لاحقا، وتبقى مهنة النحالة وتجارة العسل مربحة إذا وجدت الاهتمام والرعاية الكافية من قبل الدولة والجهات المعنية.. فبالرغم من كل ما ورد في الكتب عن قدم مزاولة اليمنيين لمهنة تربية النحل وإنتاج العسل إلا أننا يجب أن نقر بأن أوضاع هذا القطاع ببلادنا في تدهور مستمر، خاصة إذا ما قارنا وضعنا مع أوضاع دول وشعوب أخرى لم تكن تملك أي ميراث ثقافي أو تاريخي في هذا المجال، وأصبحت من الدول المتقدمة، حيث أصبحت تربية النحل صناعة متعددة المنتجات، فمتى نبدأ بداية صحيحة بتشخيص الوضع الحالي تشخيصا علميا دقيقا يمكن وضع أسس سليمة لاستراتيجية وطنية تحقق الأهداف؟".

العسل يستعيد مكانته رغم ظروف الحرب
وتقدر بيانات حديثة أحول إنتاجية اليمن من العسل بنحو 2400 طن في العام الماضي، مقابل 2000 طن في العام 2018، مع تراجع نسبي مقارنة بفترة ما قبل الحرب والتي بلغت 2700 طن. وتشير البيانات إلى أن عائدات اليمن من تصدير العسل كانت تصل إلى 15 مليار ريال في 2014 والتي كانت تعادل حوالي 65 مليون دولار.

وعلى الرغم من الصعوبات والتعقيدات التي فرضتها الحرب على تنقل المناحل وصناعة العسل في اليمن وإغلاق منافذ التصدير الجوية والبحرية خصوصاً في السنوات الثلاث الأولى للحرب، إلا أن العسل اليمني استطاع الصمود والنفاذ إلى الأسواق العام الماضي بكميات توازي ما كان يتم تصديره قبل الحرب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى