(الانتقالي وتصفير العداد)

> ذات أمسية بثت فيها مقابلة مع سلطان البركاني، رئيس الكتلة البرلمانية المؤتمرية في البرلمان اليمني، وكان ذلك قبيل اندلاع الثورة الشعبية في الشمال ضد نظام عفاش وموضوع الساعة حينذاك (قبل نحو تسع سنوات)، كان حول إمكانية إعادة انتخاب عفاش لمنصب الرئيس برغم استهلاكه لكل الفترات الممكنة دستورياً، سأل المذيع الناجح مقدم البرنامج (للأسف لا احفظ اسمه) ضيفه: أنتم بكلامكم هذا هل تلمحون لتصفير العداد؟ فأجابه: بل ندعو لقلع العداد نفسه. فكان قلع وإلغاء العداد الشرارة التي أشعلت الثورة، وأسقطت النظام.

الشقيقة الكبرى لم تدخر جهداً، إذ نصبت نائب عفاش رئيساً مؤقتاً لمدة عامين وأتت بعداد جديد، لا نعلم كيفية عمله، لكننا نعرف أن فترة السنتين قد مر بعدها ضعفها وما يزال الرئيس رئيساً، ولا نعلم إن كان عداد الشقيقة يعمل، أم متوقفاً. كما لا نعلم ما هو مستقبله، وهل سيصفر مع حلول الذكرى السابعة للحرب التي أكلت الأخضر واليابس، وجعلت ثلثي سكان البلاد تحت خط الفقر، كما فتحت حروباً كثيرة مثل حرب الكهرباء وحرب المياه وحرب الوقود وغلاء الغذاء، وانتشار التقطع في الطرقات، وانهيار التعليم وانهيار البنى التحتية في البلاد بشكل عام وخطير؟.

الحقيقة الثانية هي أن الإبقاء على هدف إعادة الرئيس المؤقت إلى عاصمته صنعاء أصبح مستحيلاً بالحسابات الشعبية قبل الرسمية والعسكرية. كما أن أنصار الله الذين يحكمون المحافظات الشمالية يقاتلون على تخوم مدينة مأرب، العاصمة الثانية للشرعية والعاصمة الأولى لحزب الإخوان ومن معهم من قوات داعش والقاعدة والمتأسلمين تحت شتى المسميات وهم يواجهون مقاتلين من القبائل المحلية في مأرب، إضافة إلى كثائب من قوات المقاومة الجنوبية التي تقاتل نيابة عن المنسحبين من الجيش الوهمي للشرعية، والمتأسلمين الذي غادروا إلى الجنوب، ليحشدوا الحشود في المحافظات الجنوبية كمقدمة لتفجير الأوضاع والاستيلاء على الجنوب من الداخل.

الحقيقة الثالثة وهي مربط الفرس، فإن مجلسنا الانتقالي الجنوبي لم يترك الشرعية المتآكلة والمنعدم وجودها على الأرض، وحدها في الساحة السياسية والعسكرية، بل قفز إلى الفخ المعد له في جدة وبعدها إلى الرياض، لينطلق وتنطلق معه قوى الشرعية ومن يمالئ حركة الإخوان في ما أسموها (مفاوضات) وهي في حقيقتها (مساومات) خسر فيها الانتقالي كل ما حققه، ومن خلفه شعب الجنوب في الأربع السنوات الماضية. نقول خسر بمقدار ما أحرزته الشرعية وحلفاؤها من مكاسب، وأولها ربط بقاء ووجود المجلس الانتقالي ببقاء الشرعية التي كانت تعاني سكرات الموت، الذي إن حدث فلن يتبقى على الساحة سوى أنصار الله والمقاومة الجنوبية كقوى فاعلة في الميدان. رفع الانتقالي شعار أنه دخل شريكاً في الحكومة الشرعية لكي يكسب سياسياً بالوقت الذي جارنا الشمالي غير الشرعي، يتعامل فيه مع كل العالم بأريحية يحسد عليها. هنا ارتكب الانتقالي، عمداً أو جهلاً بالسياسة، خطأ قاتلاً حين نسى أو تناسى، أن من أوصله إلى الرياض -وجعلها وغيرها تتكلم معه- ليست الرياض، بل هي مليونيات الشعب الثائر وجماجم وأرواح الشهداء وأنهار الدماء التي تنزف منذ 2007 وما قبلها حتى اليوم. ولقد جنى من الثمرات لتوقيعه اتفاق الرياض ما يندى له الجبين مثل إيقاف رواتب الأمن والجيش والأحزمة والإسناد ووصل الأمر لإيقاف تغذية قوى المقاومة الجنوبية، وتوقيف برامج الدعم تحت شعار استشراء الفساد. وكان من نتائج الرياض أن أزاح الانتقالي وجهه جانباً عن القوى الجنوبية الصادقة ربما في رمزية توصل عدم حاجته لكل أبناء الجنوب، وعبارة لا يمل تكرارها بأنه الممثل الوحيد لشعب الجنوب، وهذا صحيح فنحن من نصبه، لكن هذا لا يعني بأنه مطلق الصلاحية حتى في ما يضر بالجنوب وقضيته. وكان من ثمرات الرياض انتشار الاغتيالات واستهداف الكوادر وقيادات المقاومة الجنوبية. وكان من ثمرات الرياض أن أخبروه بصراحة أنه لن يكون طرفاً في أي حوار قادم للأزمة اليمنية، لكن يمكن قبوله ضمن وفد الشرعية الوحدوية، وهذا هو الهبل بعينه.

أنا وغيري لا نعرف طبيعة عمل العداد والبوصلة اللذين يستخدمهما الانتقالي حالياً ولا آليات عملهما، لكنني متيقن أنه لا يوجد عداد أصلاً، وأن الانتقالي حذا حذو البركاني وقلع العداد جملة وتفصيلاً (والطبع في الإنسان لا يتغير). من هنا ستقتضي الضرورة على الشعب الجنوبي أن يصنع عداداً يقرأ بدقة، ويعمل أيضاً كبوصلة إن أخطأ القبطان التصرف في العواصف وخرج عن نص البرنامج المقر له، نستطيع كشعب أن نقول له قف فيوقف، أما استمرار العمل العشوائي المطلق، فأعتقد أنه لم يجد ولن يجد نفعاً فأمبر الأضرار، إنما تحدث من تراكم الأخطاء الصغيرة والكبيرة. والله ومصلحة الجنوب وشعبه من وراء القصد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى